هن وحق الملح
يقترب عيد الفطر بسرعة، حاملاً معه إحساسا بالسحر يمكن شمه في الهواء وحتى تذوقه.
نساء تونس، أغلبهن على الأقل، ينتظرن هذه الأيام الحصول على حق الملح مع اقتراب العيد خاصة بعد ظهور إحداهن متفاخرة بسيارة آخر مودال حصلت عليها هدية من زوجها كحق ملح مستحق.
و”حق الملح” يعدّ أحد التقاليد الجميلة للاحتفال بالعيد الصغير كما يُطلق عليه في تونس وهو نوع من التكريم الخاص الذي تحظى به النساء، وتتمثل في هدية، عادة قطعة ذهبية، يقدّمها الرجل لزوجته أو أمه أو ابنته أو أخته أو أيّا كانت المرأة التي طبخت في رمضان كنوع من الاعتراف بما بذلته من جهد طيلة الشهر.
وتعود تسمية “حق الملح” إلى رمزية يشار من خلالها إلى اضطرار المرأة في بعض الحالات إلى تذوّق درجة ملوحة الطعام وهي صائمة.
كلهن في تونس متمسّكات بحق الملح كحقوقهن الأخرى ويطالبن به بإلحاح. ومهما كانت قيمة الهدية فإن الاعتراف هو المهم.
في حياتنا الرتيبة في عالم يعاني اضطرابا مستمرا، أصبحت التقاليد مهمة نتمسك بها أكثر من أيّ وقت مضى. هي توفر لنا راحة وأمانا لاسيما في أوقات التغيير العميق والحزن. إنها توفر الثبات والاستقرار والألفة والدفء. لا عجب في ذلك لأن التقاليد تستثمر أساسا في العواطف، فهي تشبه الغراء الذي يربطنا ببعضنا بعضا.
لطالما مثلت التقاليد جزءًا هامًا من ثقافتنا وإحساسًا لا واعيًا بالهوية والذي يقف أمام اختبار الزمن. إنها الانتماء الذي لا يتم ترسيخه في المكان فحسب، بل في الزمان أيضًا. تساعد التقاليد في تشكيل أساس مجتمعنا. تذكرنا بأننا جزء من تاريخ يحدد ماضينا، ويشكل من نحن اليوم وكيف سنكون غدا.
تشبه التقاليد معرضا لنماذج رائعة يحتذى بها وتوفر مناسبة للاحتفاء بالأشياء المهمة حقًا في الحياة. إنها فرصة لقول “شكرًا” على المساهمة التي قدمها بعضهم في حياتنا. تمكننا من عرض مبادئ أجدادنا. إنها وسيلة مثلى لخلق ذكريات جميلة ودائمة. تقدم لنا فرصة ممتازة للتفكير الهادف في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
ومع ذلك، ليست كل التقاليد جيدة. بعض التقاليد يفعلها الناس لمجرد أنها تقاليد ولا يأخذون الوقت الكافي للتفكير مليًا في سبب قيامهم بها أو للتساؤل عن الغرض الذي يحتفظون بها لأجله. بعض التقاليد خطيرة جدا.
يمكننا أن نقرر بأنفسنا ما هي التقاليد التي تستحق أن نحافظ عليها، وأيها يتطلب بعض المراجعة، وأيها من الأفضل حفظه في كتاب التاريخ.
