هل ينقذ مُحصّل الضرائب والقروض تونس

في غياب خيارات تمويل ميزانية 2025 لضبط أوتار الاقتصاد المتعثر، تصر تونس على نقل أعباء مشاكلها المالية إلى الشركات وأصحاب الدخل المرتفع تحت يافطة “تحقيق العدالة الجبائية”، مع الاتكاء على الاقتراض الداخلي فقط لإثبات أن الدولة لديها الأدوات البديلة لتجنب الدخول في متاهة صندوق النقد الدولي الملغمة بالشروط المضرة بالتونسيين.
نجاح الخطوة يعتمد على تصميمها وتنفيذها وقدرة الحكومة على إيصال الفوائد إلى الناس، وسيعتمد ذلك على تحقيق توازن بين زيادة الإيرادات وتحفيز الأعمال وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما يتطلب برنامج إصلاح جريء لتعزيز النمو الاقتصادي، وقيادة سياسية حازمة لضمان التماسك الاجتماعي، وبوجود دعم من أصدقاء تونس في الخارج.
بما أن الهمّ الأساسي للمسؤولين بات في كيفية ملء خزينة الدولة بالسيولة سواء من الضرائب أو الديون لمواجهة الاختلالات المتفاقمة مهما كانت التكاليف باهظة نتيجة محدودية الموارد، فإن مثل هذه السياسات المغلفة بالحلول السهلة التي تنم غالبا عن سوء إدارة الأزمات، ستدفع إلى بروز نتائج عكسية تبدو البلاد في غنى عنها، خاصة وأنها تكافح للمضي في عملية تصحيح مضنية للمؤشرات، إذ من شأنه أن يؤدي إلى تهميش القطاع الخاص وتقلص الاستثمار مع زيادة التضخم على حساب محرك أساسي للنمو الاقتصادي وهو الاستهلاك.
◄ قد يكون دافعو الضرائب الأكثر قابلية للتحديد للحصول على مساهمات إضافية هم نفس أولئك الذين يشعرون بالفعل بأنهم مثقلون بالعبء بشكل غير عادل
ولكن هل تستطيع تونس أن تخرج نفسها من أزمتها من خلال فرض المزيد من الضرائب والقروض؟ الإجابة على هذا السؤال هي لا بكل تأكيد. وهناك سببان رئيسيان وراء هذا: التوقيت والسياسة.
إن زيادة العائدات الضريبية تستغرق وقتا. صحيح أن تونس نجحت في زيادة دخلها من هذا الباب بإضافة نصف نقطة مئوية إلى الناتج المحلي الإجمالي وهو مقياس شائع يمكن أن يعطي نظرة إلى مدى نجاح الحكومة في توليد الموارد من خلاله منذ عام 2011 بعدما شهدت في السنوات الأخيرة بعضا من أشد التحسينات حدة. وهذا عموما مجال من الزيادات البطيئة والمطردة، وليس القفزات إلى الأمام.
خطوة من هذا القبيل مهمة، لكنها ليست من النوع الذي قد يحل محل القروض المحلية التي تتضاعف في عام 2025 لتناهز السبعة مليارات دولار. فالإيرادات الضريبية مرتفعة مقارنة ببلدان أخرى في المنطقة، إذ أنها على قدم المساواة مع إسبانيا، نسبة إلى حجم اقتصادها، وأعلى كثيرا من المتوسط في بلدان أخرى في الشرق الأوسط أو أفريقيا، والواقع أن مجال الصعود ليس له نهاية.
بينما تتحمل عبء الضريبة الأكبر الشركات مع زيادتها إلى 40 في المئة بالنسبة إلى قطاعي البنوك والتأمين، رغم أن عددا محدودا منها خارج دائرة الالتزام الجبائي، لأسباب تتعلق في معظمها بضعف المراقبة، فإن إيرادات الجباية على المداخيل الشخصية تشكل نحو 72 في المئة من الحصيلة السنوية. وفي حين يشكل القطاع غير الرسمي غالبية القوة العاملة، فإنه يشمل أيضا العديد من أفقر عماله.
هذا يعطينا تأكيدا على أن إحلال المساواة قد يكون أمرا صعبا لهذا البند الذي يسهم بأكثر من نحو 60 في المئة في تمويل ميزانية الدولة سنويا، خاصة وأن الدولة ترمي إلى جمع قرابة 10 مليارات دولار من الضرائب العام المقبل وهو أعلى مستوى على الإطلاق.
العديد من بنود الجباية مرتبط بالأداء الإجمالي للاقتصاد سنويا، فالبلد سيجمع أقل من ضرائب الدخل إذا كانت الشركات والأفراد يكسبون أقل. ومن المؤكد أنها ستنخفض لبعض الوقت إذا تخلفت تونس عن سداد ديونها وفوائدها، وهذا الأمر صعب الآن مع التزام الدولة عدم الدخول في هذه المتاهة. رغم أن محاولات بلدان أخرى لتحسين دخلها الضريبي بسرعة في أزمة اقتصادية مثل غانا أظهرت أن حجم الإيرادات الضريبية لا يشكل عادة مجالا للتحولات المرجوة.
◄ بما أن الهمّ الأساسي للمسؤولين بات في كيفية ملء خزينة الدولة بالسيولة سواء من الضرائب أو الديون.. فإن مثل هذه السياسات المغلفة بالحلول السهلة ستدفع إلى بروز نتائج عكسية تبدو البلاد في غنى عنها
لعل العقبة الأكبر التي يتعين على الحكومة التغلب عليها ليست أن معدلات الضرائب منخفضة، بل أن التهرب الجبائي مرتفع. الأمر الحاسم لا يمثل الوقت، فالضرائب ليست مجرد أداة إدارية، فهي سياسية إلى حد كبير. والمحاولات التي بُذلت لزيادة الإيرادات تقدم الدليل. فمثلا تضمنت ميزانية 2023 زيادة ضريبة القيمة المضافة على الخدمات التي يقدمها المحامون وغيرهم من المهن الحرة وضريبة أخرى على العقارات باهظة الثمن. في المقابل كانت هناك ضريبة مقطوعة على العمال غير الرسميين.
بالنسبة إلى أولئك الذين يعيشون دون دخل منتظم، فإن الضرائب المقطوعة حتى لو كانت منخفضة، قد يكون من الصعب دفعها، بل ومن الصعب تبريرها في خضم أزمة اقتصادية. وبالفعل، يربط كثيرون النظام الضريبي بالافتقار إلى العدالة والشفافية. وقد يكون دافعو الضرائب الأكثر قابلية للتحديد للحصول على مساهمات إضافية هم نفس أولئك الذين يشعرون بالفعل بأنهم مثقلون بالعبء بشكل غير عادل.
النقطة الأخرى تتمثل في كيفية تقديمها، فقد تثبت أن الزيادات الضريبية تشكل تحديا كبيرا للصورة السياسية للدولة ومن خلفها الرئيس قيس سعيد، الذي يتحرك بدافع شعبي لتبرير صواب قراراته، مثل مسألة تخفيضات الدعم المثيرة للجدل، وهو ما ظهر في مسألة تجارة القهوة، حيث لجأت الدولة إلى زيادة الأسعار. وبالتالي، قد تكون هناك حدود لمقدار الزيادات الضريبية التي قد تكون حكومته على استعداد فعليّا للمضي قدما فيها.
إذا كان هدف صناع القرار السياسي هو تقليل اعتماد تونس على التمويل الدولي ومعالجة التفاوت، فإن تحسين الضرائب سيكون حتما جزءا أساسيا من أي إصلاح في هذه الاتجاهات، لأنه في الأمد القريب لا تشكل الجباية بديلا عن الديون، ولكن على المدى البعيد يمكن أن تكون وسيلة نحو بناء بلد أكثر إنصافا واستقلالا إذا أراد المسؤولون فعليّا تحقيق رغبات الشعب.