هل يتحمل اقتصاد تونس مغامرة جديدة لرفع الفائدة؟

الإقرار بصعوبة مهمة كبح انفلات المؤشرات يكشف أن تونس أمامها الكثير لتفعله حتى تتفادى الأسوأ في انتظار دعم من صندوق النقد الدولي طال انتظاره.
الخميس 2022/05/19
اقتصاد منهك

لم يكن تحرك البنك المركزي التونسي برفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات مفاجئا، بل بالعكس، فقد كانت الخطوة متأخرة كثيرا بالنظر إلى محنة التضخم التي ضربت السوق المحلية أسوة بما طرأ على أسواق العالم منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا أكثر مما خلفه الوباء.

اعتماد مجلس إدارة المركزي لهذا الإجراء يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كان الاقتصاد سيتحمل مغامرة جديدة من هذا النوع رغم أنه سلاح فعّال لمواجهة الأزمات المفاجئة والتي جاء جزء منها نتيجة عوامل خارجية؟

تعكس الخطوة تحذيرات محافظ البنك المركزي مروان العباسي المتكررة من دخول الاقتصاد في أزمة أعمق لا يمكن توقع عواقبها، وهي إقرار بضعف السياسات المتبعة من قبل صناع القرار السياسي، وبفشل الخطط الاحترازية للحكومة. وتشكل في الوقت ذاته قلقا من دخول النمو برمته في ركود مرة أخرى بعدما تركت تونس خلفها منغصات الأزمة الصحية التي أدت إلى تسجيل انكماش تاريخي.

نظريا، قد لا تقدم مغامرة زيادة الفائدة بواقع 75 نقطة أساس لتصل إلى 7 في المئة سوى علاج مؤقت للتشوهات المالية. كما لن تتمكن، كما نتصور، من كبح انفلات مؤشر أسعار الاستهلاك الذي يتجاوز 7.5 في المئة، أو من ردم الفجوة الهائلة في العجز التجاري أو حتى الحفاظ على مستوى الاحتياطات النقدية.

مع أن رفع سعر الفائدة يعد أداة رئيسية للبنك المركزي لضبط السياسة النقدية لأنه يحدد سقفا لسعر الأموال المتداولة في السوق، أي تأمين تلك الأموال تحسبا لتعثر الجهة المدينة سواء كانت شركات أو أفرادا عن السداد، إلا أن للعملية تداعيات سلبية قد تكون قاسية أحيانا.

آخر مرة خفضت فيها تونس الفائدة كانت في شهر سبتمبر 2020، أي في خضم أزمة كورونا، بواقع نصف نقطة مئوية بعد أن رفعها المركزي في فبراير 2019 إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاثة عقود لتبلغ 7.75 في المئة. في ذلك الوقت واجه صناع السياسة النقدية انتقادات من أن الخطوة قد تعمق شلل الاقتصاد المنهك، وستؤدي إلى نتائج عكسية لمساعي السيطرة على التضخم وانحدار الدينار وغيرها من المؤشرات السلبية.

في المطلق تعد زيادة الفائدة في خضم وضع اقتصادي متردّ العدو رقم واحد لمناخ الأعمال مما قد ينجر عنه بطء في النشاط وارتفاع في البطالة البالغة بحسب الأرقام الرسمية نحو 18 في المئة. وستؤدي كذلك إلى ركود الأسواق، فالشركات ومعها التجار سيضطرون إلى زيادة أسعار السلع والخدمات ما سيدفع المستهلكين إلى عزوف جماعي عن التبضع بالشكل الذي لن يحفز النمو.

سيكون لهذا القرار الموجع.. تأثير كبير وواضح على المحفظة الشخصية للتونسيين، والبداية ستكون بتكلفة الائتمان الجديد، حيث أن الاحتياجات التمويلية من البنوك ستكون باهظة

ففي حين تعاني الشركات أصلا من متاعب مالية بعد أن خلفت الأزمات المتراكمة ندوبا على الاقتصاد رغم محاولات إنعاشه، إلا أن مساعي الهروب من شبح الركود تبدو أكثر صعوبة من أي وقت مضى. وقد يجد أصحابها أنفسهم في معركة شبيهة بما مروا به أثناء الجائحة لأنهم سيضطرون إلى التأقلم مع القرار للمحافظة على استدامة أعمالهم وفي الوقت ذاته تحصيل بعض المداخيل لتعويض خسائرهم.

سيكون لهذا القرار الموجع، بينما تحاول حكومة نجلاء بودن المدفوعة بسياسات تصحيحية يقودها الرئيس قيس سعيد تعديل بوصلة الاقتصاد العليل، تأثير كبير وواضح على المحفظة الشخصية للتونسيين، والبداية ستكون بتكلفة الائتمان الجديد، حيث أن الاحتياجات التمويلية من البنوك ستكون باهظة.

ستحمل القروض ذات الفائدة الثابتة في طياتها مخاطر أعلى بالنسبة إلى الممولين من القطاع المصرفي وشركات التمويل، ناهيك عن أن القروض القائمة بأسعار فائدة متغيرة سواء كانت تتعلق بتمويل العقارات أو لشراء سيارة ستشهد كذلك ارتفاعا ستظهر آثاره القاسية مع مرور الوقت.

لن تقف المشكلة عند ذلك الحد، فمع ارتفاع أسعار الفائدة ستصبح تكلفة تمويل الأنشطة الاقتصادية أعلى، وستقل الجدوى للعديد من المشاريع، ما سيؤثر على مناخ الأعمال الذي يحاول التقاط أنفاسه بعد تراجع الاستثمارات بشكل ملحوظ، وبالتالي سيعيق دفع عجلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لتونس الذي وصل في الربع الأول من هذا العام إلى 2.5 في المئة.

تفسير تبعات هذا الوضع بسيط، إذ مع لجوء الشركات وأصحاب الأعمال إلى استثمار الأموال في الأوعية ذات العائد الثابت والخالية من المخاطر، مع ضبابية المشهد الاقتصادي القائم بالبلاد في ظل وجود عائد أعلى من البنوك، فإن ذلك سينعكس سلبا لا محالة على كافة الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالاستثمار.

قد تكون الفائدة الأهم من خطوة المركزي في هذا التوقيت، وهي مقاربة لطالما اتبعتها البنوك المركزية العالمية باستثناء تركيا لمواجهة التضخم، هي أن الودائع لدى البنوك ستزيد، الأمر الذي قد يقلل من المعروض النقدي في السوق، وبالتالي سيقود الأسعار في نهاية المطاف إلى النزول، ولكن ذلك مرتبط أساسا بمدى سرعة الاستجابة لقرار رفع سعر الفائدة.

حتى في ظل المخاوف من تأثير معدل الفائدة المرتفع على مجمل الحياة الاقتصادية وإن كان ذلك بشكل متفاوت، فإن خطوة المركزي قد تساعد في تحفيز المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب لاستثمار رؤوس أموالهم بالبلاد أملا في جني عوائد أكبر، الأمر الذي سينعكس على نشاط قطاع الأعمال.

إن الاعتراف بصعوبة مهمة كبح انفلات الأرقام الدالة على صحة وتعافي الاقتصاد وأن التحسن التدريجي الذي تشهده أهم المؤشرات النقدية والمالية يبقى هشا ولا بد من معاضدتها بإجراءات حكومية قوية تتماشى وطبيعة الوضع القائم، يكشف أن السلطات أمامها الكثير لتفعله حتى تتفادى الأسوأ في انتظار الحصول على دعم من صندوق النقد الدولي والذي طال انتظاره.

10