هل تمهّد مسقط لاستدارة إيرانية كبرى في الموقف من الحوار مع واشنطن

مصادر سياسية تتوقع تجاوز الجهود العمانية مجرّد تهدئة التوتّر بين طهران وواشنطن.
الأربعاء 2020/01/22
تفضّلوا ببدء اللعبة

التحرّكات الكثيفة للدبلوماسية العُمانية صوب طهران تثير فضول المراقبين وتدفعهم إلى توقّع إمكانية إحداثها اختراقا ما في ملفّ الخلافات الإيرانية الأميركية الحادّة، تساعدها على ذلك الظروف بالغة الصعوبة التي تمرّ بها إيران جرّاء الضغوط الشديدة المسلّطة عليها من قبل إدارة دونالد ترامب والتي قد تدفعها إلى الانصياع لرغبته في التفاوض على ملفات لطالما اعتبرها الإيرانيون خطوطا حمراء.

طهران - لفت قيام وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي، الثلاثاء، بزيارة إلى طهران هي الثانية له في ظرف أقلّ من شهر، نظر المراقبين إلى كثافة الجهد الدبلوماسي الذي تبذله مسقط في العمل على ملف الخلافات الحادّة بين إيران والولايات المتّحدة.

وتوقّعت مصادر سياسية أنّ الجهود العمانية تتجاوز مجرّد تهدئة التوتّر بين طهران وواشنطن، لأنّ التهدئة قائمة بالفعل في ظلّ ما تبيّن من عدم رغبة الطرفين في التصعيد بعد مقتل القيادي الكبير في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية خارج مطار بغداد الدولي.

وقال أحد المصادر طالبا عدم الكشف عن هويته، إنّ إيران قد تكون بصدد تغيير موقفها من الحوار مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ظلّ ضيق الخيارات أمامها واشتداد أزمتها الاقتصادية التي بدأت تتحوّل إلى أزمة اجتماعية يترجمها غضب الشارع المعبّر عنه بتنظيم بعض التظاهرات رغم شدّة القبضة الأمنية.

ولم يستبعد ذات المصدر نجاح الدبلوماسية العمانية التي وصفها بـ”الضليعة في العمل بسرّية وتكتّم على الملفات الشائكة والمعقدّة”، في إحداث مفاجأة من عيار مفاجأة الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى من ضمنها الولايات المتحدة بعد أن كانت مسقط قد هيّأت الأرضية للاتّفاق بجهود كثيفة ووساطات معقّدة طيلة سنوات قبل أن يخرج إلى العلن سنة 2015.

ووصل ابن علوي، الثلاثاء، إلى العاصمة الإيرانية طهران، في زيارة لم يعلن عنها مسبقا هي الثانية خلال الشهر الحالي. ولم تفصّل وكالة أنباء فارس الإيرانية الهدف من الزيارة مكتفية بالقول إنّ موضوعها”بحث التعاون الثنائي وأهم القضايا ذات الاهتمام المشترك”.

ومن جهتها اكتفت الخارجية العمانية بنشر صورة على موقعها في تويتر للقاء الوزير ابن علوي مع نظيره الإيراني محمّد جواد ظريف مرفقة بتعليق قصير جاء فيه “جرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية بين البلدين والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك”.

وسبق لابن علوي أن زار طهران مطلع يناير الجاري للمشاركة في منتدى طهران للحوار، حيث قال إنّ بلاده تملك علاقات مهمة مع الجانبين الإيراني والأميركي، وإنها تسمع من الطرفين.

وكان التوتّر بين الجانبين الإيراني والأميركي ما يزال آنذاك على أشدّه حيث لم يمض سوى وقت قصير على حادثة قتل سليماني في بغداد، وعلى ردّ إيران “المخفّف” عليه بقصف معسكر للقوات الأميركية داخل الأراضي العراقية لم يسفر سوى عن بعض الخسائر المادية المحدودة. ودفع ذلك الظرف وزير الخارجية العماني إلى القول إنّه لا توجـد وساطة عمانية بين واشنطن وطهران عقـب حادث اغتيال قاسم سليماني، مضيفا “أعتقد أنه لا مجال لمثل تلك الوساطة في الوقت الحالي”، ومستدركا بالتعبير عن أمله في “أن تكون هناك مساحة من الوقت والزمن ليعبّر المجتمع الدولي عن رأيه”.

واعتبر المصدر السياسي أنّ حديث ابن علوي آنذاك عن انعدام الوساطة ظرفي، وقد يكون اليوم مضى ما يكفي من الوقت لتبدأ عُمان وساطتها التي قد تكون مطلوبة من الطرفين الإيراني والأميركي معا، حيث تعاني طهران بشدّة من تبعات العقوبات الأميركية القاسية ضدّها، بينما يحتاج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سنة الانتخابات الرئاسية إلى إنجاز دبلوماسي لحل الخلافات مع إيران أكثر من حاجته إلى الدخول في صدام مسلّح معها يحمل الكثير من المقامرة، ويخالف توجّهاته المعلنة من قبل والقائمة على التركيز بشكل أساسي على القضايا الاقتصادية والمالية.

الحوار حاجة أكيدة لإيران التي تعاني تحت وطأة العقوبات الأميركية ولترامب الساعي لنصر دبلوماسي في سنة الانتخابات الرئاسية

ولم ينقطع ترامب في أوج التوتّرات بين طهران وواشنطن، عن الحديث بثقة عن فاعلية العقوبات الأشدّ من نوعها التي فرضتها إدارته على إيران في إرغام الأخيرة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وفتح باب التفاوض على الملفات التي لطالما أصرّ الإيرانيون على أنّها خطوط حمراء وعلى رأسها مراجعة الاتفاق النووي والتوصّل إلى اتّفاق جديد يفرض المزيد من القيود على البرنامج النووي الإيراني ويضع ضمانات أكبر لعدم تمكّن إيران من امتلاك سلاح نووي، فضلا عن تفكيك البرنامج الصاروخي الإيراني الذي ترى فيه إدارة ترامب خطرا كبيرا على استقرار الإقليم وعلى السلم العالمي.

وفيما كان وزير الخارجية العماني بصدد القيام بزيارته إلى طهران، لم تهدأ وتيرة التراشق الأميركي الإيراني. ووصف روبرت وود السفير الأميركي لشؤون نزع السلاح بـ”السخيف” عرضَ النائب بالبرلمان الإيراني أحمد حمزة لمكافأة قدرها ثلاثة ملايين دولار لمن يقتل دونالد ترامب، معتبرا أنّ مقترح النائب يعطي “فكرة عن الأسس الإرهابية للنظام الإيراني وكيف يجب عليه أن يغير سلوكه”.

وكثيرا ما لا يحمل المراقبون التهديدات الإيرانية لخصومها على محمل الجدّ معتبرين أنّها موجّهة للاستهلاك الداخلي، وتدخل في لعبة ازدواجية الأدوار بين أجنحة النظام ممثّلة من جهة بالصقور والمتشدّدين المحيطين بالمرشد علي خامنئي وخصوصا من كبار قادة الحرس الثوري، ومن جهة ثانية بطاقم الرئيس حسن روحاني ومن ضمنه وزير الخارجية جواد ظريف الموكول إليه تصدير خطاب أكثر اعتدالا وانفتاحا والذي قد يقود استدارة في موقف بلاده من الحوار مع واشنطن على غرار الدور الكبير الذي كان قد اضطلع به في التوصّل إلى الاتفاق النووي الذي ترغب الولايات المتحدة بشدّة في مراجعته.

3