هل أصبح الكذب ضرورة أسرية واجتماعية

بعض الأفراد لا يتحملون إيذاء أنفسهم نتيجة مواجهتهم بالحقيقة، فيلجأون إلى الكذب الأبيض للمحافظة على كيانهم.
الخميس 2019/08/29
بحث عن النجاة

رغم أننا نتعلم في الصغر أن الكذب من المحرمات، إلا أننا في الكبر نصطدم بالواقع المر عندما نخرج إلى الحياة، حيث نجد أول نصيحة تقدم لنا هي إغماض العين عن الحقيقة وأن الصراحة لن تفيد؛ والكذب والنفاق هما طريق الوصول إلى المجد، ولا بد من المرونة، وغيرها من المصطلحات الأخرى التي ليس لها معنى سوى الكذب. فهل المجتمع هو المسؤول عن ارتدائنا تلك الأقنعة والوجوه المزيفة، حيث يجعلنا نؤمن بأشياء ثم يطالبنا في لحظة ما بأن نقدم سلوكًا مخالفًا تمامًا لما نؤمن به؟ ولماذا يكذب الناس إذن رغم أنهم يعرفون أنه صفة مقيتة؟

يقول حسن عصفور -محاسب- “تكمن المشكلة في أن الصراحة المطلقة تسبب العديد من المشاكل، فلو دعم الإنسان حياته بالصراحة لما استطاع أن يساير المجتمع من حوله، فيضطر إلى أن يكون صادقًا مع نفسه أولا ثم مع الناس”.

ويواصل “أنا مثلًا أتعرض للعديد من المواقف، منها على سبيل المثال الاقتراض، لقد تعرضت لعدة مواقف من أناس اقترضوا مني بعض المال وعند السداد أصبحت أنا الذي أرجوهم لإعطائي نقودي، والبعض الآخر تناسى الأمر تماما، ومن الطبيعي ألا أقرض أحدا بعد هذه التجارب، فإذا طلب مني صديق نقودا، وصارحته بأنني لا أقرض أي شخص سيغضب، ولذلك اضطر إلى الكذب وأنا أؤكد له أن ‘الحال من بعضه’، أي أنني أنا الآخر في حاجة إلى المال، رغم أنني ميسور الحال، فالناس هم الذين يدفعونني إلى الكذب، فماذا أفعل؟”.

أما فؤاد السيد -مندوب إعلانات- فيقول “عندما تزوجت عاهدت نفسي بأن أكون صريحا مع زوجتي، ونتيجة لطبيعة عملي فإنني ألتقي يوميًا مع العديد من الناس، وأواجه العديد من المواقف والطرائف؛ كنت عندما أعود إلى المنزل أصارح زوجتي بكل ما مر بي طوال اليوم، وبدلا من أن تسعد بصراحتي بدأت علامات الغيرة تنتابها، وكأنني أجرمت في حقها، وازدادت تساؤلاتها: كيف؟ ولماذا؟ وأين؟ ومتى؟ وبدلًا من أن أجد الراحة في بيتي بعد يوم شاق كنت أواجه النكد والمشاجرات”.

وأضاف “في أحد الأيام عدت مرهقا، وكالعادة فتحت صحيفة السوابق، كما تطلق عليها، ومع أول سؤال منها وجدت نفسي أكذب عليها، والطريف أنها صدقتني تماما، فاستمررْت في كذبي (خلال ردّي) على باقي أسئلتها، وكم كان هذا اليوم جميلًا، لم أشعر بالراحة منذ تزوجت إلا في ذلك اليوم، فقد رضيت عني زوجتي وغمرتني بحبها وحنانها، وطبعًا بدأت أغير أسلوبي، واقتنعت بأن الصراحة ليست راحة في بعض الأوقات”.

وعن الكذب وهل أصبح ضرورة اجتماعية في عصرنا الحالي؟ -كما يتساءل البعض- يجيب الدكتور يسري  عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي في مصر “نعم، الكذب أصبح ضرورة اجتماعية، لأن بعض الأفراد لا يتحملون إيذاء أنفسهم نتيجة مواجهتهم بالحقيقة، وهم الذين تتميز شخصيتهم بعدم النضج النفسي، فيلجأون إلى الكذب الأبيض للمحافظة على كيانهم الاجتماعي”.

ويواصل موضحا “يمكننا أن نلاحظ هذه الظاهرة لدى بعض النساء، أكثر مما هي عند الرجال، نتيجة حب المرأة للظهور ورغبتها في أن تكون محور الاهتمام، وتحظى بالمجاملة والمديح من الآخرين والأخريات، لأن ذلك يرفع من معنوياتها، والواقع أن تلك صفات عامة في المرأة، ولا يمكن اعتبارها صفات مرضية”.

وعن كيفية اكتشاف الشخص الكاذب يقول عبدالمحسن “الكذب يولد إحساسًا عند قائله بنوع من الضغط النفسي أو العصبي، هذا الضغط ينعكس بشكل أو بآخر على حركات جسده، أو عينيه، أو أطرافه، أو أسلوب كلامه، فمن الصعب للغاية أن يسيطر المرء على كلماته في حالة الكذب، وعلى توترات جسده في الوقت نفسه، ولذلك يمكن بسهولة كشف الكذب من خلال بعض الإشارات والتصرفات، وقد يتحدث بصوت عال ليذبذب أفكار من يحدثه”.

ويتابع “وغالبًا ما تكون إجابته مختصرة بنعم أو لا، فهو لا يسترسل في تأكيد هذا النفي أو الإيجاب، كذلك نلاحظ أن إجابته غالبا ما تكون من خلال الإيماءة بالرأس أكثر من مرة بعد انتهائه من كلامه، وقد يتوقف برهة قبل الإجابة عن الأسئلة أو الرد على الحديث، أي أنه يصمت قبل الإجابة عن السؤال، لأنه يفكر في حجة مقنعة. كذلك قد تلاحظ الزوجة أو المتحدث وجود أخطاء في طريقة النطق بالكلمات”.

21