هلا عزالدين فنانة تجترح المعجزات "بحثا عن الضوء" في لوحاتها

معرض الفنانة التشكيلية اللبنانية... حين يعاند الضوء صانعته.
الثلاثاء 2020/12/29
تشكيل يطوع كل الألوان

استفز انفجار مرفأ بيروت الكارثي الذي هزّ المدينة في الرابع من أغسطس الماضي، والأوضاع الصعبة التي تلته ويعاني منها اللبنانيون عددا من الفنانين للتعبير عن الواقع المرير بنظرة جمالية، ومن بين هؤلاء، الفنانة التشكيلية هلا عزالدين التي اختارت أن تطوع ريشتها لتنزف نيابة عن الجرح البيروتي.

تقدم صالة أجيال في بيروت معرضا فرديا للفنانة اللبنانية هلا عزالدين حتى التاسع من يناير المقبل تحت عنوان “بحثا عن الضوء” يقدم مجموعة أعمال بأحجام كبيرة تصعب رؤيتها بعيدا عن الأعمال الفنية التي قدمتها في معرضها السابق. غير أنها أعمال تحمل سيمات جديدة لا تشي فقط بتقدم التجربة الفنية عند الفنانة الشابة، بل باختلاف النظرة إلى تلك الحياة التي سكنت لوحاتها السابقة بشخوص تنضح بهيئات مختلفة لمأساة واحدة.

قوة تعبيرية

يبدو واضحا من خلال رؤية أعمال الفنانة اللبنانية هلا عزالدين المعروضة في صالة أجيال البيروتية، أن الفنانة أسست سريعا لذاتها أسلوبا فنيا له قوانينه الخاصة وتودّ أن تلتزم به مُطورة على السواء أبعاده النفسية ومفرداته التقنية.

وإن كانت الفنانة لاذت شعوريا أو لاشعوريا في معرضها السابق بالألوان الداكنة والباردة لكي تتمكن بشكل أقوى من التعبير عن مأساوية المواضيع التي تطرقت إليها في لوحاتها، فهي اليوم في معرضها الجديد الذي حمل عنوان “بحثا عن الضوء” تبدو أكثر ثقة بإدخال الألوان الدافئة إلى أعمالها لتعبر كذلك عن أفكار ليست بعيدة عن المأساوية ولكن تكتنز طبقات إضافية من الزخم تمظهرت في تشكيل فني لم يعد يخشى استعمال كل الألوان؛ الباردة منها والدافئة.

اللون الأزرق حضر في لوحات هلا عزالدين بقوة تعبيره عن العتمة والضوء في آن واحد خلافا لحضوره في معرضها السابق

وحضر في معرضها الجديد وبكثرة اللون البرتقالي واللون الأصفر واللون الأحمر بتدرجاته المتعددة واللون الأخضر غير الباهت، الذي وخاصة لندرته وتمركزه في مواطن ضيقة ومحصورة في اللوحات، بدا وكأنه “معمل حراري” استطاع أن يفرض على المُشاهد تصنيفه له باللون الدافئ  وليس البارد.

وكذلك حضر اللون الأزرق في لوحات هلا عزالدين بقوة تعبيره عن العتمة والضوء في آن واحد. أزرق أبى في لوحاتها الجديدة (خلافا لما كان في معرضها السابق) أن يستعين أو “يتلطى” باللون الرمادي أو بما يمكن تسميته، دون الإجحاف بحقه، بلون “اللالون” لشدة ما هو صبغة ميتة ومُميتة على السواء.

تصعب رؤية لوحات الفنانة اللبنانية هلا عزالدين في معرضها الجديد هذا خارج منطق معرضها الأول والسابق، إذ أن في معرضها الحالي يستقبلنا مجددا وبطريقة مختلفة منير وهلا وشهد وأحمد ونادرة وياسمين، الأولاد الذين عرفتنا عليهم في معرضها السابق ولكنهم اليوم قد نضجوا كثيرا. وكانت الفنانة قد أطلقت عناوين بسيطة على اللوحات التي رسمت فيها هؤلاء وكأنها لترصد بها نجوما تضيء بحزن سماء زرقاء عميقة مُكحلة بالأسود والبنفسجي. نجوم لم تحمل حينها شيئا سوى أسمائها، أي الأسماء المذكورة آنفا.

التزام بالهوية

يجب الذكر هنا وبشكل مقتضب جدا أن معرضها السابق كان بشكل أساسي عن شخصيات ليست من خيالها بل كانوا تلاميذها في مادة الرسم (لبنانيون ولاجئون) في بلدة عرسال البقاعية الواقعة على الحدود السورية اللبنانية، والتي شهدت سابقا تدفقا كبيرا للاجئين السوريين.

هنا يأتي الحديث عن السمة الثانية الجديدة في لوحات الفنانة وهي حدة الضربات اللونية لاسيما تلك الزرقاء. ضربات مليئة بجرأة جديدة لا يمكن إلا ملاحظتها حتى في البقع الصغيرة من اللوحات حيث ظهرت. ضربات لا بل شفرات ليست للقطع والتمزيق بل لاستدعاء الضوء عنوة إلى آفاق اللوحات.

وتحضر مشاهد مدينة ضائعة الملامح بالرغم من وضوحها لاسيما في لوحة “زرقاء” اللون لتصبح هي وغيرها مدن العالم، وذلك خلافا لما شاهدناه في معرضها السابق حيث حضرت منطقة عرسال بشكل خاص، البيئة الحصرية لشخوصها.

وتقول الفنانة إنها تبحث في أعمالها عن الضوء، ولكن قد يبدو للمشاهد أن اللوحات تتحدث عن أمر لا يتعلق بالبحث الشاعري عنه ولكن باستدعائه ولو بالقوة لكي يشق أجساد هؤلاء الفتية الناضجين حتى يحل الضوء حقيقيا ومُطمئنا.

هلا عزالدين أسست سريعا لذاتها أسلوبا فنيا له قوانينه الخاصة وتود أن تلتزم به

ونقول ضوء وليس نورا لأن صفة “الإقحام” تغلب عليه. فهو ضوء نابع من رغبة الفنانة ومن يدها المُترجمة لهذه الرغبة.

أما الألوان الأخرى التي أدخلتها الفنانة إلى لوحاتها لاسيما الألوان الدافئة فهي وكأنها هي من طلبت من الفنانة أن تبلغ درجة أعلى من التمرس تجعلها قادرة على كبح جماح تلك الألوان وبالتالي منعها من السيطرة على ملامح الوجوه وفي الخلفيات.

حضرت تلك الألوان “تترقرق” من خلف الطبقات اللونية أو تحازيها بلطف أكثر رقة مما شاهدناه مع اللون الأزرق واشتباكه مع الظلام وطمسه لا بل خنقه للون الرمادي الذي على الرغم من حضور القليل من ألوان أخرى كان سيدا في لوحاتها السابقة.

ويُذكر أن الفنانة هلا عزالدين من مواليد 1989، ومن خريجي الجامعة اللبنانية للفنون، حصلت على بكالوريوس سنة 2009 و”ماجيستر” سنة 2014، ولاحقا حصلت على جائزتين في التعبير الفني. اشتركت في عدة معارض جماعية وهي اليوم في بيروت تشارك بمعرض جماعي يضم أعمال فنانين كثر وثيمته الجرح اللبناني بشكل عام والبيروتي بشكل خاص. وبعد سنتين من تخرجها قدمت معرضها الأول الذي جاء شديد النضج بالنسبة لخبرة الفنانة. ومعرضها اليوم الذي يحمل عنوان “بحثا عن الضوء” هو معرضها الفردي الثاني.

14