نفوذ العسكر يرهن مصير التعديلات الدستورية في الجزائر

قطاع عريض في الطبقة السياسية والحراك الشعبي يتطلع إلى معرفة نوايا السلطة الجديدة تجاه دور ونفوذ المؤسسة العسكرية في البلاد.
الثلاثاء 2020/01/07
تركة ثقيلة أمام الرئيس الجزائري الجديد

الجزائر - تصدرت الإصلاحات السياسية التي تعهد بها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، خلال حملته الانتخابية أشغال أول اجتماع لمجلس وزراء منذ انتخابه رئيسا للبلاد وتشكيل الحكومة الجديدة، لكن غابت آلية الحوار التي أطلقها في نفس التعهدات، مما يبقي الغموض حول تعاطي السلطة مع الاحتجاجات السياسية المستمرة في البلاد.

وكشف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، خلال إشرافه على أول اجتماع لمجلس الوزراء المنعقد، الأحد، عن عزم السلطة إجراء تعديل دستوري “عميق”، في المدى القريب، والقيام بمراجعات هامة في عدد من التشريعات المتصلة بالانتخابات وبما أسماه “أخلقة العمل السياسي، وعزل المال عن السياسة”، في أول خطوة لتجسيد التعهدات التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية.

وأمام ظهور بوادر الخارطة السياسية التي تتبناها السلطة في المنظور القريب، يبقى الغموض يلف مصير الحوار السياسي المباشر مع الحراك الشعبي، الذي أعلن عنه في أول خطاب رسمي له، على هامش مراسيم أداء اليمين الدستورية واستلام المهام من رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح.

وأبقى تبون، الوضع غامضا بشأن الخطورة المذكورة، مما يكرس حالة الارتباك التي لا زالت تهيمن على أركان السلطة، رغم تمريرها للانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة الجديدة، وذلك بسبب استمرار الاحتجاجات، إذ عبرت المظاهرات الأخيرة عن عدم اعترافها بالمؤسسات الجديدة، وتمسكها بالمطالب الأساسية للحراك، المتمثلة في تنحي السلطة وتنفيذ انتقال سياسي شامل في البلاد.

وتعكس الحملة الجزئية لإطلاق سراح سجناء الرأي، حالة التضارب داخل السلطة، في ظل الإبقاء على المئات من الموقوفين والمسجونين، واستمرار المحاكمات لبعض الناشطين.

ولا يستبعد مراقبون للوضع الجزائري، أن يكون هناك عدم انسجام بشأن هؤلاء، ففيما ذهب البعض إلى إطلاق سراح نحو ثمانين ناشطا على رأسهم المناضل التاريخي لخضر بورقعة (86 عاما)، يتمسك رأي آخر بانتهاج نفس الممارسات، الأمر الذي سيؤجل دخول إجراءات التهدئة حيز التنفيذ إلى تاريخ غير معلوم.

ولا زالت إجراءات التهدئة تمثل صلب المطالب السياسية المرفوعة من طرف الحراك الشعبي، ومن مختلف القوى السياسية، وعلى رأسها مجموعة العشرين، التي وضعت إطلاق سراح مساجين الرأي ورفع التضييق عن العاصمة، الثلاثاء والجمعة، وفسح المجال أمام حريات التعبير والتظاهر، في مقدمة أي مبادرة لحل أزمة البلاد.

وصرح الناشط السياسي والخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس، في المظاهرات الشعبية المنتظمة، الجمعة الماضي بالعاصمة، بأن “الشارع الجزائري يرحب بإطلاق سراح المساجين، ويعتبرها خطوة في الطريق السليم إذا لم تكن محل تلاعب أو توظيف خاطئ، في انتظار خطوات أخرى تمهد الطريق لمفاوضات رحيل السلطة وليس الحوار السياسي”.

وبالإعلان عما وصف بـ”التعديل العميق لدستور البلاد”، تكون الوثيقة التشريعية الأولى في البلاد، قد دخلت مرحلة جدل سياسي جديد، يتصل بجدوى التعديلات المقترحة في كل مرة، وتكرس مقولة إن “لكل رئيس جزائري دستوره الخاص”، لاسيما وأن التعديل الأخير لم يمر عليه إلا نحو أربع سنوات فقط.

وكان الرئيس تبون، قد تعهد خلال حملته الانتخابية، بتقليص ما صار يعرف بـ”الصلاحيات الامبراطورية لرئيس الجمهورية”، التي كرستها الدساتير السابقة بأمر من الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، والفصل بين السلطات وتعزيز دور المؤسسات الأخرى، فضلا عن العودة إلى نظام رئيس الحكومة الذي ينبثق عن الانتخابات التشريعية، تجسيدا لإرادة الناخبين.

ومع ذلك تبقى أكبر الإشكاليات السياسية في الجزائر محل تجاهل من طرف السلطة الجديدة، رغم إصرار بعض القوى السياسية التي رحبت بالمساعي الجديدة، والمتمثلة في دور ونفوذ المؤسسة العسكرية في إدارة الشأن السياسي الداخلي، فرغم وجود بند واحد فقط (البند 28 من الدستور الحالي) للمؤسسة المذكورة، إلا أن البلاد وجدت نفسها تحت قبضة قيادة الجيش خلال الأزمة السياسية الحالية، ولا زال الوضع قائما رغم رحيل أكبر جنرالات المؤسسة من المنصب رئيس الأركان أحمد قايد صالح.

ويتطلع قطاع عريض في الطبقة السياسية وفعاليات الحراك الشعبي بالبلاد، إلى معرفة نوايا السلطة الجديدة تجاه تحديد دور ونفوذ المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي القادم للبلاد، لكن المعارضة الراديكالية تعتبر خطوة تعديل الدستور من قبيل تلهية الرأي العام ولا تتوسم أي تقدم في هذا الشأن، على اعتبار أن المؤسسة العسكرية هي التي نصبت الرئيس تبون في قصر الرئاسة، وهو يمثل واجهتها المدينة لا غير.

وغاب لأول مرة منذ العام 2004، منصب نائب وزير الدفاع الوطني عن التشكيل الحكومي الجديد، في خطوة تستهدف إبعاد المؤسسة من الواجهة، التي استغلها طيلة المدة المذكورة القائد السابق لأركان الجيش، الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، كما لم يعلن عن وزير الدفاع ولو أن الدستور يمنحه بصفة آلية لرئيس الجمهورية، لكن الخطوة لم تقنع الشارع الجزائري الذي لا زال يصر في احتجاجاته على مطلب “الدولة المدنية”.

4