نخب جزائرية تدخل على خط سجال تصنيف الاستعمار لبلادها

الجزائر - دخلت نخب جزائرية على خط السجال السياسي القائم حول تصنيف الاستعمارين الفرنسي والتركي للجزائر، ليطفو بذلك مجددا البعد الأيديولوجي على الصراع بين التيارات السياسية والفكرية، ففيما يركز البعض على فرنسا كمستعمر همجي شنيع، ويعتبر الأتراك حلفاء، فإن البعض الآخر ساوى بينهما وشدد على أن الاستعمار واحد سواء كان مسيحيا أو إسلاميا.
وخاض الكاتب والروائي الجزائري أمين الزاوي في مسألة السجال السياسي والتاريخي القائم في الجزائر، على خلفية التصريحات المثيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول واقع السلطة السياسية في الجزائر والتاريخ المدون في البلاد بشأن الماضي، وذهب إلى حد التشكيك في وجود أمة جزائرية قبل استعمار بلاده لها.
وكتب في صحيفة “ليبرتي” الناطقة بالفرنسية في عدد نهاية الأسبوع مقالا تحت عنوان “نظرة الجزائريين للاستعمار الفرنسي والاستعمار العثماني لبلادهم”، ينتظر أن يثير مواقف وردود فعل قوية من طرف رموز التيار الإسلامي والمحافظ، على غرار ما وقع في مناسبات سالفة، حيث لا يزال الرجل يمثل بالنسبة إلى هؤلاء امتدادا للتيار الفرنكوفوني المعادي للقيم والثوابت الوطنية.
ومما ذكره الزاوي في مقاله “خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتسرعة بشأن الجزائر جدلا ساخنا على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن جميع الخلفيات السياسية وجميع الحساسيات الأيديولوجية، المشاركون في هذا النقاش الفقاعي هم أكاديميون وسياسيون وطلاب وصحافيون وحتى المواطن العادي”.

أمين الزاوي: تركيا لها أذرع سياسية في الجزائر وتتمثل في أحزاب إخوانية
وأضاف “يعكس هذا النقاش المستوى الفكري للمجتمع الجزائري، مرآة لعلم نفس جزائري بحت، يتسم بالحماس والوطنية والغضب والسب والشعبوية في الخمسينات، لدرجة أنه من الصعب في هذا النقاش التمييز بين منشور أكاديمي وآخر نشر لمواطن عادي”.
وبغض النظر عن النظرة التي يحملها قطاع عريض من الجزائريين حول إيجابية مرحلة التواجد العثماني في الجزائر، ويصرون على أنه تحالف بين البلدين عكس ما وقع في المشرق العربي، ويستدلون على ذلك بأن العثمانيين لم يطمسوا الهوية المحلية أو حاربوا اللغة العربية أو ارتكبوا جرائم فظيعة، كما فعل الفرنسيون، فإنه بات لتركيا ما يشبه بـ”الأذرع السياسية” في الجزائر، وتتمثل في أحزاب إخوانية لا تتردد في الدفاع عنها وتسعى لتثمين التقارب بينها وبين الجزائر الرسمية.
وحسب المقال، فإن “النقاش دار حول نقطتين أساسيتين هما الاستعمار ولغة المستعمر، ووفقا لهذا الجدل الذي تميزت به النزعة الشعبوية الأولية، فإن الأمة الجزائرية شهدت نوعين من الاستعمار، هما الاستعمار الحلال والاستعمار الحرام! ففي المخيلة الجزائرية المبنية على قراءة مشوهة لتاريخ البلاد، هناك استعمار شرير واستعمار آخر حلو!”.
ويضيف “في نظر الجزائريين، الاستعمار العثماني - التركي لبلادنا، الذي استمر أكثر من ثلاثة قرون، هو استعمار لطيف مثل (البقلاوة)! والاستعمار الفرنسي الذي استمر قرابة قرن ونصف القرن هو استعمار صعب وقذر كـ(الخنزير)!”.
ويؤكد الزاوي أنه ودون أي فارق بسيط، فإن “الاستعمار الفرنسي هو استعمار وحشي وقمعي وعنيف وغير عادل، لكن الاستعمار العثماني – التركي أيضا كان استعمارا للاغتصاب والسرقة والعنف، ولا ننسى أن الاستعمار العثماني – التركي عرض بلدنا على الاستعمار الفرنسي دون مقاومة ودون أن يرف له جفن!”.
ويتابع في إضفاء واضح لما يراه بعدا دينيا للاستعمار “في المخيلة الجزائرية، لأن الاستعمار الفرنسي مسيحي، فهو شرير، ولأن الاستعمار العثماني - التركي مسلم، فهو إذن جميل! لذلك ندين الاستعمار المسيحي ونغفر للاستعمار الإسلامي، ونعدد فظائع الأول ونغمض أعيننا عن فظائع الثاني، بغض النظر عن الاستعمار، فإنه يظل عملا همجيا ضد الإنسانية، وبغض النظر عن ديانة المستعمر يبقى منتهكا لكرامة الشعب المستعمر، قبل حقوق الإنسان العالمية، كانت جميع المستعمرات متساوية”.
خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتسرعة بشأن الجزائر جدلا ساخنا على وسائل التواصل الاجتماعي
ويذهب الكاتب المثير للجدل، في تشريحه لتراكمات المخيال الجزائري تجاه الاستعمار، إلى أنه وفق “المنطق غير المنطقي، هناك استعمار بلغة بغيضة يجب محاربتها وهناك استعمار آخر بلغة جميلة وحضارية”، في إشارة إلى الدعوات المتصاعدة لدحرجة اللغة الفرنسية إلى الخلف في المنظومة التعليمية والإدارية، واعتماد الإنجليزية كلغة عصر وعلم متطورة.
ويذهب إلى القول “في هذا الجدل الساخن على وسائل التواصل الاجتماعي، وردا على تصريحات الرئيس ماكرون، دعت الأصوات إلى حظر تدريس الفرنسية في المدارس الجزائرية واستبدالها باللغة الإنجليزية، وطالب آخرون باستبدالها بالتركية! متناسين أن اللغة الإنجليزية هي أيضا لغة المستعمر البريطاني والإمبريالية الأميركية! حتى لو استبدلنا لغة التدريس بأخرى، فيجب أن يتم ذلك برؤية استراتيجية وعلمية ومدروسة جيدا وليس من نوبة غضب!”.
ويدعو الزاوي المفكرين الناقدين إلى “عدم الوقوع في الكسل أو الشعبوية الفكرية التي تغذي الشعبوية السياسية، المثقفون الأحرار والناقدون من كلا الساحلين، معا في وقت حرب التحرير الجزائرية، مدعوون للعمل من أجل مستقبل من الحرية والديمقراطية واحترام ذاكرة الأمة”.
ويستطرد “كمثقفين، نحن مدعوون إلى الإدانة الواضحة لهذه التصريحات الصادرة عن رئيس دولة يزرع الكراهية بين الشعبين الجزائري والفرنسي من خلال إنكار تاريخ أمة أنجبت أبوليوس دي مادور والقديس أوغسطين دي تاغاستي ويوبا الثاني وماسينيسا والأمير عبدالقادر وشيخ الحداد وفاطمة نسومر وبن باديس والخالدي وبن مسايب وبن كريو وسي محند أومحند وغيرهم”.