مواجهة قضائية بين مصر وإيطاليا بعيدا عن المناكفات السياسية

روما تتمسك بمحاكمة أمنيين مصريين مشتبه بهم في مقتل ريجيني.
الخميس 2020/12/03
قضية تأبى النسيان

القاهرة - عادت قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني من جديد إلى الواجهة، بعد إعلان النيابة العامة في كل من مصر وإيطاليا، أن القاهرة قررت الغلق المؤقت لملف التحقيق، فيما تتمسك روما بالاشتباه في تورط عناصر أمنية مصرية في عملية القتل.

وجاء في البيان المشترك أن النيابة المصرية سوف تتصرف في ملف تحقيقات الواقعة بغلقه مؤقتا، مع تكليف جهات البحث والتحري باتخاذ كل الإجراءات اللازمة للوصول إلى مرتكب الجريمة، وأن النيابة في روما تعلن نيّتها إنهاء التحقيقات في الواقعة بالاشتباه في خمسة أفراد ينتمون إلى أجهزة أمنية بتصرفات فردية منهم.

وأكدت مصادر بالقاهرة لـ”العرب”، أن تمسّك مصر بموقفها مبني على شكوك حول هوية عناصر الأمن الخمسة التي تريد إيطاليا إلصاق التهمة بهم، لأن قائمة الأسماء التي تتحدث عنها النيابة العامة في روما اختلفت أكثر من مرة، وكثيرا ما يتم الحديث عن وجود عناصر جديدة، كأن الهدف هو تشويه صورة الأمن المصري دون أدلة ثابتة.

وتوقعت المصادر أن تسير إيطاليا في إجراءات محاكمة المشتبه بهم من جانب واحد، ومصر مستمرة في تحفظها وإصرارها على موقفها في القضية بأن تقدم أدلة موثقة.

وتأمل القاهرة في أن تفصل روما بين قضية ريجيني والعلاقات الاستراتيجية بين البلدين على المستوى العسكري والاقتصادي، وهو ما يتوقف على صلابة الحكومة الإيطالية في الوقوف بوجه ضغوط الشارع والمعارضة والمنظمات الحقوقية التي تنبش في القضية على فترات، وتحرّض على فرض عقوبات على مصر.

واستبعد إكرام بدرالدين، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تتأثر العلاقات بين مصر وإيطاليا في هذا الوقت تحديدا، لأن البلدين في أشد الحاجة لبعضهما البعض على جميع المستويات ومنها الاقتصادية ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

وأشار لـ”العرب”، إلى أن مصر تتعامل بقدر من الطمأنينة والارتياح تجاه قضية ريجيني، مهما حاول الجانب الإيطالي تصعيد الموقف، لأنها تدرك حجم التفاهم السياسي مع روما، وأن الضغوط الراهنة لا تخرج عن كونها أداة لامتصاص غضب الشارع هناك.

إكرام بدرالدين: مصر لن تضحي بالعلاقات الاستراتيجية مع إيطاليا
إكرام بدرالدين: مصر لن تضحي بالعلاقات الاستراتيجية مع إيطاليا

وتسببت القضية في توتر كبير في العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأربع الأخيرة، لكنها عادت إلى طبيعتها، وكثيرا ما تحدث مسؤولون في الخارجية الإيطالية عن أن القاهرة شريك لا غنى عنه لروما، والعكس، ولا يمكن أن يتأثر التفاهم بينهما بسبب قضية حساسة لها أبعاد حقوقية.

واشترت مصر فرقاطتين إيطاليتين في يونيو الماضي في صفقة بلغت قيمتها 1.2 مليار يورو، وتوسعت في الاعتماد على شركات التنقيب عن الغاز الإيطالية ومنحتها امتيازات كبيرة، على وقع تعزيز العلاقات في مجال الغاز في شرق المتوسط، وصارت إيطاليا خامس أكبر مستثمر أجني في مصر.

ويعتقد مراقبون أن صدور بيان مشترك من النيابتين المصرية والإيطالية بالغلق المؤقت للقضية، ولو من جانب القاهرة فقط، يعني توافق البلدين على تجنيب الحادث بعيدا عن تصعيده ليكون عقبة في التقارب حول الملفات الحيوية، لأنه كان بإمكان الطرفين الإعلان بشكل منفصل عن نواياهما وموقفهما النهائي.

وأبلغت القاهرة روما بشكل ضمني أن هناك مصريين اختفوا في إيطاليا بشكل مفاجئ، ولم تربط ذلك بانحرافات فردية للأمن هناك، وترفّعت عن استخدام نفس الورقة في ذروة التصعيد حول قضية ريجيني.

وتدرك الحكومة المصرية أن التوظيف السياسي من جانب بلدان غربية لقضايا حقوق الإنسان لن يتوقف، لذلك تتعامل بهدوء مع مسألة التلويح بتحريك الدعوى الغيابية في واقعة ريجيني.

وأوضح جهاد عودة، الخبير في العلاقات الدولية لـ”العرب”، أن خوف القاهرة الوحيد أن تتحرك روما بشكل أحادي، وتحاكم عناصر الأمن الخمسة المشتبه بهم غيابيا، وتصدر نشرة بأسمائهم وصورهم إلى الإنتربول الدولي، ما يضر بسمعة الأمن المصري، وتدخل الحكومة دوامة الدفاع عن أوضاع حقوق الإنسان التي صارت أكبر المنغصات السياسية بالنسبة لها دوليا.

ولا توجد اتفاقية بين البلدين لتسليم مطلوبين أمنيا وقضائيا، ولا يحق للقضاء الإيطالي محاكمة المشتبه بهم، دون إرسال أدلة الاتهام للعناصر المستهدف محاكمتها، وغير متوقع موافقة القاهرة على محاكمة أفراد الأمن ولو داخل البلاد، لأن ذلك يصورها كدولة تخضع للإملاءات الخارجية، وهذا خط أحمر بالنسبة إلى القاهرة.

وذهب متابعون، إلى أن أقصى ما يمكن أن تصل إليه قضية ريجيني، أن يقوم الادعاء الإيطالي بتجميد العلاقة مع نظيره المصري، بدعوى عدم التعاون، على أن تظل التفاهمات بين البلدين في القضايا الحيوية، وهو ما جرى سابقا بعد سحب روما سفيرها بالقاهرة قبل عامين، حيث ظل التقارب مستمرا حول القضايا المحورية.

وأكد إكرام بدرالدين لـ”العرب”، أن مصر لا يمكنها التضحية بالعلاقات الاستراتيجية مع إيطاليا لمجرد حماية خمسة عناصر أمنية من المحاكمة، لأن هناك محاكمات لرؤوس كبيرة بينها وزراء وشخصيات لهم نفوذ ومتهمون في قضايا فساد، وبعض رجال أمن يسجنون في وقائع قتل ولا يتم التستر عليهم.

وما يثير قلق القاهرة أنه تم طرح قضية ريجيني بشكل حاد مجددا، وفي توقيت بالغ الحساسية، مع وصول الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض، والضغط على الحكومة لإصدار لائحة قانون الجمعيات والمنظمات الأهلية والأجنبية، وكأن هناك اتفاقا على النبش في قضايا حقوق الإنسان باعتبارها ورقة الضغط الأكثر تأثيرا على القاهرة.

واستدركت الحكومة المصرية خطأ تراخيها في الدفاع عن نفسها بشأن مضامين التقارير الدولية حول حقوق الإنسان، بإقرار لائحة قانون المنظمات الحقوقية، الخميس الماضي، والتعهد بتقديم تسهيلات للتأكيد على أنها منفتحة على المؤسسات الأجنبية.

وبغض النظر عن نوايا القاهرة وموقفها من القضايا الحقوقية، لكن ما يؤخذ عليها أنها تتعامل في أحيان كثيرة بنوع من الاستخفاف وعدم تقدير التداعيات المرتبطة بهذه القضايا، والتمسك بمعالجتها بطريقة محلية تشوبها العشوائية.

2