من وراء تراجع شعبية الرئيس قيس سعيد

تسببت خطابات الرئيس التونسي قيس سعيد ووعوده التي لم يطبقها، في أوج الأزمة مع النهضة والحكومة والبرلمان، في تراجع شعبيته وسط تساؤلات تثار داخل تونس عن رؤيته لإحداث التغيير وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة منذ أكثر من عشر سنوات في بلد يواجه أزمات صحية واجتماعية صعبة.
تونس – أظهر مؤشر الثقة في قائمة السياسيين بتونس تراجعا لشعبية الرئيس قيس سعيد على خلفية انتقادات لخطاباته ومحدودية نشاطه الدبلوماسي والعجز عن حل أزمات التونسيين المتفاقمة بعد أكثر من عام ونصف العام على دخوله قصر قرطاج.
ويرجع مراقبون التراجع في شعبية الرئيس التونسي إلى “المبالغة” في خطاباته ذات الشعارات دون تطبيقها على أرض الواقع وأنه لم يكن عند تطلعات التونسيين.
وكشفت نتائج “الباروميتر” السياسي، الذي أنجزته مؤسسة سيغما كونساي وجريدة “المغرب” ونشر الأحد، تراجعا كبيرا في مؤشر الثقة بالنسبة إلى الرئيس سعيّد بعشر نقاط وفقدانه المرتبة الأولى لفائدة القيادي في حركة النهضة ووزير الصحة السابق عبداللطيف المكي.
وكان الرئيس التونسي قد تصدر مؤشر الثقة في الشخصيات السياسية دون منازع منذ انتخابه رئيسا في أكتوبر من العام 2019، حيث حصل في فبراير من العام الماضي على نسبة 67 في المئة من ثقة التونسيين، لكن منسوب الثقة تآكل وتراجع إلى سقف 40 في المئة في ديسمبر من العام 2020.
وسجل الرئيس قيس سعيد تراجعا منذ بداية العام الحالي لفائدة عبداللطيف المكي، ومنذ تلك الفترة لم يعد الرئيس التونسي محلقا في فضاء الثقة الكبيرة وأصبح يخسر شهريا 10 نقاط كاملة، ليكون في أسوأ مستوى له منذ انتخابه بعد حصوله على نسبة 30 في المئة من ثقة التونسيين.
وعلى الرغم من أن الرئيس سعيّد جاء من خارج المنظومة السياسية لكونه أستاذ قانون دستوري، نجح في نيل ثقة ناخبيه في أكتوبر 2019، إلا أنه لم يبرز الشيء الكثير حتى الآن من أجل تغيير وإصلاح أوضاع اقتصادية واجتماعية مأزومة على امتداد عشر سنوات.
وتوّقع متابعون للشأن التونسي هذا التراجع، خصوصا بعد لقاء سعيّد مع رئيس البرلمان وحركة النهضة راشد الغنوشي منذ مدّة، معتبرين أن صراعه مع النهضة لم يتجاوز مستوى الخطاب والشعارات.
وأفاد المحلل السياسي منذر ثابت بأن “الرئيس سعيّد لم يؤكد، ولم يبرز أنه خارج المنظومة السياسية ومعادي لها، وخطابه وإن كان معاديا للنهضة، فإنه لم يعكس شيئا في الواقع”.
وأضاف ثابت في تصريح لـ”العرب”، “التراجع كان متوقعا بعد لقائه الأسبوع الماضي مع رئيس البرلمان وحركة النهضة راشد الغنوشي، والنهضة هي أكبر مستفيد من ذلك ثم الحزب الدستوري الحر الذي يمثل الملاذ الأخير المعادي للنهضة”.
وتابع “التراجع متوقع ومفهوم، وهو وليد وعود تستهدف النهضة لكن لم تطبّق، والمشكلة أن خطاب سعيّد في مقاصده عالي السقف لكن في مخرجاته ضعيف”.
وأوضح أن “من يسعى إلى إرساء نظام رئاسي وجمهورية ثالثة لا يعمل على كسب ود قطاع واسع من الشعب عبر معاداة النهضة، بل عليه أن يقلب الطاولة على المؤسسات عبر الاستفتاء”.
واستطرد “الرئيس سعيّد مارس الدعاية للفكرة وليس ممارسة الفكرة”.

وفضلا عن المشكلة الاتصالية المكرّرة لنفس المحتويات والمضامين، والتي أصبحت تقلق التونسيين، انتقدت قيادات برلمانية قصور النشاط الدبلوماسي للرئيس في علاقة بالجوار الليبي الذي يشهد ترتيبات جديدة وبقية الدول الأفريقية في المنطقة.
وأفادت النائبة المستقل بالبرلمان سهير العسكري في تصريح لـ”العرب”، أن “الرئيس سعيد هو شخصية محترمة في الحقيقة ونظيفة اليد، يحترم الدستور والقانون، لكن ما أعيبه عليه هي الغوغائية في خطاباته وعدم الوضوح في كل ظهور، ولا يقدم خطابا لشحن التونسيين”.
وأضافت في تصريح لـ”العرب”، “هو أيضا يمثل فئة معينة من التونسيين، وكأنه نوع ما إقصائي، ومن المفترض أن يجمّع ولا يفرّق، وهذا ما جعل شعبيته تتراجع، لأن التونسيين يريدون حلولا حقيقية وملموسة للأزمات وليس مجرّد شعارات”.
وانتقدت البرلمانية ضعف النشاط الدبلوماسي لسعيّد قائلة “دبلوماسيا لا ينشط كثيرا، وربما قد تكون هناك أطراف خارجية تضغط عليه في علاقة بعدة ملفات، حيث لم نر ملفات إرهاب تفتح أو ملفات تتعلق بالحزب الحاكم، والبعض أصبح لا ينتظر خطاب سعيد بشغف”.
ومن جهته قال الناشط السياسي عبدالعزيز القطي “أول مرة منذ عشر سنوات رئيس حكومة يكون ضمن الخمس شخصيات التي لا يثق بها التونسيون مطلقا بنسبة 62 في المئة ليلتحق برئيس البرلمان المرفوض من 81 في المئة من التونسيين، ورئيس جمهورية تتراجع شعبيته يوميا ليفقد المرتبة الأولى ويتراجع بعشر نقاط في شهر”.
وكتب في تدوينة على صفحته في فيسبوك، “سيدي رئيس الجمهورية، الشعب التونسي بصدد سحب الوكالة التي تتحدث عنها منك يوما بعد يوم.. فهل ستستجيب”؟، لافتا إلى أن “منظومة منتهية الصلاحية جاثمة على صدور التونسيين غصبا، 93 في المئة نسبة التشاؤم ولأول مرة يعتبرون البلاد تسير في الطريق الخطأ”.
وكان قيس سعيّد (63 سنة)، قد حقق فوزا ساحقا على منافسه نبيل القروي بنسبة تصويت قياسية بلغت 72.71 في المئة مقابل 27.29 في المئة، وفق النتائج الرسمية التي أعلنتها الهيئة المستقلة للانتخابات في أكتوبر من العام 2019، ليكتسب بحسب مراقبين شرعية شعبية لم يسبقه إليها أيّ رئيس تونسي.
وبلغ عدد المصوتين لقيس سعيّد مليونين و777 ألفا من جملة 7 ملايين ونصف مليون ناخب مسجل، وهو رقم تجاوز بأشواط نسبة المصوتين للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في 2014، الذي بلغ مليونا و700 ألف صوت.
وتجاوزت أرقام المصوتين لسعيّد عدد الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي بلغت نحو مليون و750 ألف ناخب، ليتمكن قيس سعيّد من كسب شرعيته عبر الصندوق وهو ما يغنيه عن مشقّة البحث عن دعم برلماني.