"من أجل الجنة، إيكاروس!": الآباء والأبناء في متاهة واحدة

العرض المسرحي "من أجل الجنة، إيكاروس!" يكسر جدران المسرح التقليدي ويجعل الجمهور نفسه جدران متاهة تقترب من واقع معيش متصل بجميع الأجيال.
الاثنين 2019/11/18
ستعرض في أيام قرطاج المسرحية

يشارك العرض المسرحي المصري/ الألماني “من أجل الجنة، إيكاروس!” في برنامج العروض الموازية لأيام قرطاج المسرحية 21 بتونس، التي ستنتظم من 7 إلى 15 ديسمبر القادم، وهو من كتابة بينديكت نويشتاين، كلاوس أوفركامب، وكريستيان شايدولوفسكي، ترجمه من الألمانية إلى الإنكليزية ناتالي شبير، وأعد النص وترجمه إلى العربية محمد الهجرسي، وأخرجه أحمد عزت الألفي، وأنتجته فرقة مسرح الورشة في هانوفر/ ألمانيا، وفرقة المخرج أحمد عزت الألفي.

والعرض مستوحى من الأسطورة الإغريقية “إيكاروس”، ويركز على العلاقة بين الأب والابن، والكيان الأسري من خلال ذِكر الأم والمنزل، رغم عدم وجودهما في الفضاء المسرحي، وهو ما لم يرد في الأسطورة أساسا، فهي توضح أن ديدالوس عالم ومخترع عبقري ذاع صيته، لديه ابن يدعى إيكاروس، وكلاهما سُجن في المتاهة التي كان قد اخترعها ديدالوس بنفسه تلبية لطلب الملك مينوس من أجل سجن المينوتور (وهو ابن الملك مينوس، لكنه كان على هيئة ثور نتيجة تزاوج الملكة بثور لذا كان يشبه الوحش).

وكان مينوس يقدّم خيرة الجنود قربانا للمينوتور إلى أن وقعت أريانا (ابنة مينوس) في حب أحد هؤلاء الجنود المُقدّمين وأرادت إنقاذه، لذا لجأت إلى ديدالوس كي يخبرها بحيلة للخروج من المتاهة، وكانت الحيلة أن تمسك أريانا عند المخرج بكرة خيط يمسك طرفها حبيبها الجندي، وبعد قتله للمينوتور سيستطيع الخروج من المتاهة عبر تتبّع الخيط، لذا عاقب مينوس ديدالوس بوضعه في نفس المتاهة ومعه ابنه لئلا يستطيع الخروج.

على المستوى الفلسفي، يمكن تأويل وجود الأب والابن في المتاهة معا بأن الآباء والأجيال السابقة عموما هم معنا في متاهة الحياة نفسها على الأرض

لكن، على المستوى الفلسفي، يمكن تأويل وجود الأب والابن في المتاهة معا بأن الآباء والأجيال السابقة عموما هم معنا في متاهة الحياة نفسها على الأرض، باستثناء أنهم يأخذون وضع المسيطر وقائد رحلة البحث عن المخرج، وهو ما يتّضح على مدار العرض، فسواء في الأسطورة أو العرض أو الواقع ثمة صراع يتجلى بين السلطة الأبوية والأبناء تتخلله لحظات حميمية بين الأب والابن تعبّر عن العاطفة التي تربطهما.

وإن كان الأب لا يستطيع التعبير جيدا، فهو حين يخاف ويظن أنه فقده في المتاهة يصفعه، وتكون ردة الفعل القاسية من الأب دلالة على المحبة، كما لو كان على الأبناء في كل مرة أن يُقدّروا سوء تعبير الآباء، لذا تبرز إضاءة اللونين الأزرق والأحمر كإشارة إلى مشاعر الدفء والحميمية والصراع بين الأب والابن. وعلى الرغم من قوة المشاعر التي يقوم عليها العرض، فإنه ينطوي على كوميديا نابعة من عنصرين، أولهما أسلوب الحكي، وهو أسلوب يتناسب مع الأصل الأسطوري الذي اعتمد في البداية على النقل الشفاهي، فنجد ديدالوس وإيكاروس يتناوبان في حكي قصتهما للجمهور، ثم يصرّ إيكاروس في طفولية على أن يحكي له والده قصة، فيشرع الوالد في حكي قصتهما بأدق التفاصيل، بمرافقة أغانٍ تخفّف من حدتها، وفيها يطرح الابن سؤالا عن سبب سجنهما في المتاهة، إلّا أن إجابة الأب تبدو غير واضحة وجازمة.

أما العنصر الكوميدي الثاني فيتمثل في تصميم المسرح، حيث أن المتاهة التي يُسجن فيها ديدالوس وإيكاروس هي الكراسي التي يجلس عليها الجمهور، على شكل حلقات دائرية، فإذا كانت المتاهة عبارة عن جدران وممرات كما طلب الملك مينوس، فإن العرض يكسر جدران المسرح التقليدي (مسرح العلبة الإيطالية) ويجعل الجمهور نفسه جدران المتاهة، الأمر الذي يسمح للممثل بأن يتفاعل مع الجمهور في بعض اللحظات.

العرض ثري بمناقشته للعديد من المفاهيم، مثل مفهوم الأسرة والمنزل، ومفهوم الحرية، ومفهوم السلطة، ومفهوم الموت من بعيد، إلى جانب اقترابه من الواقع المعيش واتصاله بجميع الأجيال دون تفرقة، حيث يجد المتلقي نفسه محاطا بالأسئلة المرتبطة منها بالأسطورة، وتلك التي تمس حياته.

17