ملف الذاكرة يعيد التوتر إلى العلاقات الجزائرية – الفرنسية

العلاقات الجزائرية الفرنسية دخلت في توتّر جديد بالموازاة مع احتفال الجزائر بالذكرى التاسعة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني.
الثلاثاء 2021/07/06
عودة الفتور للعلاقات الجزائرية - الفرنسية

الجزائر - دخلت العلاقات الجزائرية الفرنسية في توتّر جديد، بالموازاة مع احتفال الجزائر بالذكرى التاسعة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني، وعاد بذلك ملف الذاكرة الجماعية ليخيم من جديد على علاقات تتراوح بين الفتور والتناغم، ولم تستطع الاستقرار على وضع معين رغم جهود قيادتي البلدين لترميم الشرخ الأزلي بينهما.

وأبدى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في رسالة له بمناسبة احتفال بلاده بالذكرى التاسعة والخمسين لعيد استقلالها الوطني، عدم استعداد الجزائر لـ”التنازل عن معالجة ملف الذاكرة المتعلق بالجرائم التي ارتكبتها فرنسا طوال فترة استعمارها”.

ويبدو أن المقاربة التي طرحتها باريس عبر الوثيقة التي قدمها منذ أشهر المؤرخ بنجامين ستورا، للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول إجراءات تسوية ملف الذاكرة، لم تقنع السلطات الرسمية في الجزائر، خاصة في ظل تجاهل باريس لمطلب الاعتراف والاعتذار عن الحقبة الاستعمارية.

وذكّر الرئيس تبون، في الرسالة التي نشرتها الصفحة الرسمية للرئاسة الجزائرية، بأن “معالجة القضايا المتعلقة بالذاكرة الوطنية تكون وفق رؤية متبصّرة بلا تنازل، ولا يتحقق ذلك إلا بمراعاة حقوق الجزائر عمّا لحقها من مآس فظيعة وجرائم بشعة على يد الاستعمار”.

ولفت إلى أن “استعمار فرنسا لبلاده، بغيض لأنه جنّد أعتى وأضخم أسلحة التقتيل والتنكيل والتدمير”، في إشارة إلى الضريبة الضخمة التي دفعها الجزائريون من أجل تحصيل استقلالهم الوطني، والوحشية الاستعمارية في فرض واقعهم على مدار قرن وثلث القرن.

وكانت الجزائر قد استقبلت 18 جمجمة ورفات لقادة المقاومة الشعبية التي كانت محتجزة في متحف الإنسان بباريس، خلال الذكرى السابقة لعيد الاستقلال الوطني، وتمت استعادتها وإعادة دفنها في أجواء استثنائية امتزجت فيها مشاعر الوطنية بالتوظيفات السياسية الداخلية للحدث من طرف السلطة.

الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أبدى عدم استعداد الجزائر للتنازل عن معالجة ملف الذاكرة المتعلق بالجرائم التي ارتكبتها فرنسا

وفيما أوحى ذلك بإمكانية فتح صفحة جديدة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، لكنه سرعان ما عاد الفتور والتوتر غير المعلن بين البلدين، بعد إلغاء زيارة وفد فرنسي سام إلى الجزائر بقيادة رئيس الحكومة خلال الأشهر الماضية، ودخل الطرفان في سجالات طفت إلى السطح بشكل لافت في عيد الاستقلال الوطني الحالي.

وظلت الجزائر تطالب بتسوية شاملة لملف الذاكرة، تمرّ عبر “اعتراف فرنسا النهائي والشامل بجرائمها في حق الجزائريين وتقديم الاعتذار والتعويضات العادلة عنها”، وإن كان غير صريح من طرف المؤسسات الرسمية، فإن المنظمات الأهلية وحتى برلمانيين ما فتئوا يؤكدون عليها في كل مناسبة وطنية.

وصرح وزير المجاهدين (قدماء المحاربين) الطيب زيتوني، بأن “فرنسا ترفض تسليمنا خرائط تفجيرات نووية أجرتها في الصحراء الجزائرية خلال ستينات القرن الماضي”.

وأضاف “فرنسا لم تقم بأي مبادرة لتطهير المواقع الملوثة من الناحية التقنية أو بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين، وأن التفجيرات النووية الاستعمارية تعدّ من الأدلة الدامغة على الجرائم المقترفة التي لا تزال إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة والمحيط”.

وكانت السلطات الاستعمارية الفرنسية قد أجرت بين 1960 و1966 سلسلة من التجارب النووية بالصحراء الجزائرية (4 فوق الأرض و13 تحت الأرض)، وفق مؤرخين.

وجاء ذلك في أعقاب طلب صريح قدمه الرئيس الجزائري عبر مجلة لوبوان الفرنسية، لمّا خصها بمقابلة مؤخرا، ذكّر فيها بأن “الجزائر تطلب من فرنسا تنظيف مواقع التجارب النووية، ونأمل منها معالجة ملف ضحاياها”، وهو ما يوحي بأن الفرنسيين يديرون ظهورهم للرجل الذي ظل يصف إيمانويل ماكرون بـ”النزيه والجريء”، وحمّل دوائر متطرفة في باريس مسؤولية عرقلة تسوية ملف الذاكرة.  

وأكد في تصريح سابق له أن “ملفات الذاكرة ما زالت ورشاتها مفتوحة كمواصلة استرجاع جماجم الشهداء وملف المفقودين واسترجاع الأرشيف وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية”، لكن التعثّر المعلن عنه من طرف وزير المجاهدين يوحي بأنه عاد إلى مربع الصفر.

 
4