مكتبات بدون رقابة

لكل كتاب قارئه كما يقر القانون الشهير لعالِم المكتبات الهندي رانغنتان، وذلك انسجاما مع مهمة المكتبة باعتبارها الوسيلة الأفضل لدمقرطة المعرفة ولضمان الحق في الوصول إلى المعلومات.
السبت 2019/03/23
لكل قارئ كتابه

بالرغم من خضوع بلد غربي كفرنسا لقانون يحرم معاداة الساميـة، يبدو مدهشا أن تحتفظ المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس، وهي المكتبة الرسمية للبلد، بأكثر من ثلاثين طبعة أصلية ومترجمة من كتاب “كفاحي”، الذي يعتبر الوكر الذي يحمل جنون مؤلفه هتلر، المعروف عنه كرهه لليهود ولبقية الكون.

أما مكتبة الكونغرس بالولايات المتحدة الأميركية، التي وقّع رئيسها ترامب قبل حوالي شهرين على مشروع قانون يشرّع من خلاله إمكانية تدخل القوات الأميركية خارج حدودها لمكافحة محاربة السامية، فلا تكتفي بإتاحة عشرات الطبعات من الكتاب. بل إنها تمتلك مجموعة وثائقية ضخمة خاصة بمنشورات وبصور وبوثائق الزعماء النازيين. وذلك انسجاما مع وظيفة المكتبة المذكورة والتي تفرض توفير أي وثيقة، قد يحتاجها أي موظف بالكونغرس أو أي قارئ أميركي. ولعل ذلك ما يفسر حرص المكتبة على اقتناء كل الوثائق الصادرة بمختلف بلدان الكون، حيث تجاوز رصيدها المئة وثمانين مليون وثيقة. وذلك مقابل الستمئة ألف وثيقة التي ما زالت تتأرجح عند عتباتها أغلب مكتباتنا الوطنية.

أما الأغرب فهو أن تتيح المكتبة الوطنية الإسرائيلية بدورها، طبعات من كتاب “كفاحي”، بما فيها الطبعة المترجمة إلى العبرية. والأكيد أن الكتاب المذكور، بالإضافة إلى غيره من الكتب الممنوعة، سواء لأسباب سياسية أو دينية أو أخلاقية، يجد طريقه إلى المكتبات، وخصوصا الوطنية منها، من باب الحق في الوصول إلى المعلومات. دون أن يعني ذلك التساهل مع الكتب المذكورة. إذن لن يطمع القارئ في أن يجد نسخة من كتاب “كفاحي”، أو غيره من النصوص الممنوعة، على سبيل المثال، بمعرض باريس الدولي للكتاب، أو على رفوف مكتبة بيع ما.

إنها وظيفة المكتبة. فلكل قارئ كتابه، ولكل كتاب قارئه. كما يقر القانون الشهير لعالِم المكتبات الهندي رانغنتان. وذلك انسجاما مع مهمة المكتبة باعتبارها الوسيلة الأفضل لدمقرطة المعرفة ولضمان الحق في الوصول إلى المعلومات، بكل أشكالها ووسائطها. وهو ما تؤكده السياسات الوثائقية للمكتبات على مستوى الكون، والتي تحترم قارئها.

ولذلك، كان عاديا أن ينتصر المكتبيون لحرية مكتباتهم ضدا على اختيارات السياسيين المتحولة، وأيضا ضدا على رغبات المجتمع المتغيرة. ولذلك، لا يبدو غريبا أن تحرص جمعية المكتبات الأميركية، الأقدم والأكبر من نوعها على مستوى الكون، منذ ثلاثين سنة، على تنظيم أسبوع سنوي خاص بالاحتفاء بالكتب الممنوعة، سواء لدواعي سياسية أو دينية أو أخلاقية، وهو أسبوع يوجَّه بشكل أساس إلى الأطفال والمراهقين.

ويبدو طريفا أن تُعلَن، خلال كل دورة، حرب بين جمعيات آباء التلاميذ وجمعيات التلاميذ الذين ينزلون إلى الفيسبوك للدفاع عن كتاب ما يرى الآباء أنه مخل بالحياء. أما الأكثر طرافة فهو أن تحتل رواية “هاري بوتر” قائمة الكتب الممنوعة، تحت ذريعة تناولها لموضوع السحر. إنها مفارقة الرقابة التي لا جغرافيا لها.

15