مصر وإثيوبيا تقتربان من اتفاق نهائي لتسوية أزمة سد النهضة

القاهرة – اتفق وزراء الخارجية والريّ في كل من مصر وإثيوبيا والسودان على الاجتماع مجددا بواشنطن في 28 و29 يناير الجاري، لوضع اللمسات الأخيرة على المحددات الرئيسية للاتفاق النهائي حول سد النهضة وإجراء مناقشات فنية وقانونية.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية التي استضافت اجتماعا للوزراء الست، اختتم مساء الأربعاء، في واشنطن، تم الاتفاق على ملء خزان سد النهضة على مراحل خلال الموسم المطير، على أن يأخذ ذلك في الحسبان التأثير على المخزون المائي لدى دول المصبّ (مصر والسودان).
وقسّم البيان المشترك أوجه التفاهم إلى ست نقاط محددة بدت مريحة للقاهرة التي تخشى أن يقلّص السد إمداداتها من مياه نهر النيل، وأديس أبابا التي تبحث عن نموّ اقتصادي سريع بإنتاج طاقة كهربائية وفيرة.
تضمّنت النقاط الست ملء السد على مراحل بطريقة تعاونية تأخذ في الاعتبار الظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق والتأثير المحتمل للتعبئة على الخزانات والسدود الأخرى في مجرى النهر، إضافة إلى الملء خلال موسم الأمطار، خلال شهري يوليو وأغسطس، ويستمر في سبتمبر وفقا لشروط معيّنة.
وأكدت الخارجية المصرية في بيان لها، الخميس، عزم القاهرة مواصلة العمل لإبرام اتفاق نهائي في اجتماع واشنطن، يتسم بالتوازن والعدالة ويؤمّن المصالح المشتركة للدول الثلاث.
ويعتبر خبراء مياه، أن النقاط المتعلقة بعملية الملء والفترات الزمنية استجابة مباشرة إلى الطلبات المصرية التي ظلت تشير إليها سنوات طويلة.
وتحمي عمليات ملء خزان سد النهضة بربطها بمنسوب مياه سدود، مثل السد العالي، واختيار أوقات الفيضان السنوية، كلّ من مصر والسودان، من انخفاض كمية المياه المتدفقة إليهما.
جاء بندا بدء الملء في مرحلة أولى لمستوى المياه في بحيرة السد عند 595 مترًا فوق مستوى سطح البحر، والتوليد المبكر للكهرباء، والتنفيذ حسب مراحل لاحقة من الملء وفقًا للظروف الهيدرولوجية ومستوى بحيرة سد النهضة، في صالح إثيوبيا التي تأمل في بدء إنتاج أكثر من 500 ميغاوات من السد قبل نهاية العام الجاري.
يحمل التفاهم الجديد بوادر إيجابية لإرضاء الطرفين المصري والإثيوبي معا، والمرور بشكل مقبول على مخاوف ومطالب كل دولة، وظهرت واشنطن لأول مرة منذ تبنيها تيسير المفاوضات حاسمة مع كافة الأطراف لتمرير اتفاق شامل.
وبدت الصورة ضبابية بعد إعلان وزراء المياه لمصر والسودان وإثيوبيا فشل المباحثات التي دارت على مدار أربع جولات، إلا أن لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الوفود الثلاثة، الثلاثاء، منح قوة دافعة للوصول إلى خارطة شبه نهائية تضمن آلية عمل ملزمة للجميع.
وأجبر ترامب رؤساء الوفود على مد الاجتماع الذي كان من المفترض أن يتم على مدار يومين فقط، إلى يوم إضافي لإيجاد صيغة مرضية قبل عودة كل وفد إلى بلاده.
وقال وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، إن البيان قسم قواعد تخزين السد على مرحلتين، الأولى سريعة للبدء في توليد كهرباء من المحطة الأولى، كما ترغب إثيوبيا، والمرحلة الثانية تستمر حتى امتلاء الخزان مع الآخذ في الاعتبار ظروف الجفاف واحتياجات دولتي المصبّ.
وأوضح لـ”العرب”، أن البيان تعامل مع الإشكاليات وفقا لوضعها الزمني، وحلّ الأزمات المستعصية المفترض البدء فيها هذا العام، وتأجيل الأمور الأخرى التي تحتاج إلى نقاشات أطول ولا ترتبط مباشرة بعملية الملء الحالية.
وأضاف علام، أن النقاط التي ذكرت قواعد تشغيل سد النهضة اكتنفها غموض بخصوص تفاصيلها، وهناك تفاصيل هامة لم يتم إدراجها في البيان، مثل مقدار تصريف السد تحت الظروف الهيدرولوجية المختلفة، وعلاقتها بالأنهار الفرعية، وكيفية تعاون وتقسيم مسؤولية الدول الثلاث في الجفاف، وهي نقاط محلّ نقاش في الاجتماع الفني والقانوني الأخير.
وحاولت واشنطن صياغة نقطتين فاصلتين أخيرتين في البيان المشترك لعرقلة قضايا أخرى قد تكون مثيرة للخلافات مجددا، بالتأكيد على ضرورة وضع آلية تحمي من الجفاف وفقا لمعدلات النيل الأزرق على المدى الطويل لعمليات الملء، ووضع لمسات لإنشاء آلية تنسيق فعالة لتسوية النزاعات.
ويشير خلق منظومة عامة للتعامل مع نزاعات حوض النيل والقضايا المتشابهة في مناطق أخرى بالعالم، مسألة شديدة الأهمية، لأنها تؤسس لعملية تنظيمية لمشروعات تأمل بلدان دول المنبع في إنشائها على نهر النيل، مع إبداء رغبة حكومات دول مثل تنزانيا وأوغندا في إقامة مشروعات تنموية مماثلة.

ولفت الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، محمد مفرح، ما حدث في واشنطن انفراجة حقيقية، بعد حديث ترامب عن توقيع اتفاق نهائي، وإمكانية تقديم الولايات المتحدة لمعونات فنية.
وذكر السودان في بيان منفرد الأربعاء، أن ترامب حثّ الأطراف الثلاثة على سرعة إنجاز اتفاق شامل حول سد النهضة، مؤكدا أنه سيوجه لاحقا بتنظيم حفل لتوقيعه في واشنطن.
وشدّد مفرح في تصريح لـ”العرب”، على أن البيت الأبيض وضع يده على المفاوضات بشكل كبير، وقطع الطريق أمام أيّ مراوغة، خاصة أن طبيعة الرئيس الأميركي الحاسمة والقائمة على تبادل الصفقات والمصالح من الممكن أن تخرج باتفاق جيد.
وشكك متابعون في قدرة وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، ورئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، في تبديد أوجه الخلاف حول سد النهضة، بعد أن باءت الاجتماعات السابقة بالفشل، إلا أن اجتماع واشنطن جاء بصيغة لم تستطع وفود التفاوض الثلاثة الوصول إليها.
وتساءل مراقبون، عن ماهية المساعدات الفنية التي تحدث عنها ترامب وتحتاجها مصر والسودان في هذا الملف في التوقيت الحالي.
ويعتقد بعض الخبراء أن المساعدات تشمل تسهيل أوجه الاتفاق مثل مدد الملء وتشغيل كهرباء السد بأعلى كفاءة، واستخدام أحدث الطرق والوسائل لتقليل تبخر المياه وإهدارها، وهي تكنولوجيا رائدة لدى الولايات المتحدة.
ويظل ضمان النجاح الفعلي مرهونا بإتمام اتفاق مرضي قبل نهاية الشهر الجاري، ويشمل البنود الخلافية، ليقطع الطريق على توترات يمكن أن تحدث مستقبلا، لأن قضية سد النهضة معقّدة ومستمرة لسنوات طويلة حتى الانتهاء الفعلي من جميع مراحل التشغيل الفنية.