مصر تفتح سوق السندات أمام المستثمرين الأجانب

أول تداولات لحظية للسندات منذ 19 عاما على طريقة تعاملات الأسهم تعزيزا للاقتراض.
الاثنين 2021/05/17
زخم متزايد لسوق السندات

فتحت مصر سوق السندات أخيرا أمام المستثمرين الأجانب لتعزيز قدرتها على الاقتراض، وهو ما يعني أن سوق الأوراق المالية سوف تبدأ في طرح رافد استثماري جديد أمام فوائض الأموال الساخنة الباحثة عن الربح السريع، مما يعود بالنفع على الاقتصاد.

القاهرة – انتهت إدارة البورصة المصرية من تطوير نظام جديد لتداول السندات الحكومية بالتعاون مع البنك المركزي بصفته وكيلا عن الحكومة في عمليات طرح السندات ووزارة المالية، لإتاحة المعلومات حول مستوى الأسعار والعروض والطلبات.

ويسمح النظام الجديد بزيادة معدلات تداول السندات التي تساعد في بناء منحنى عائد واستحداث مؤشرات ومنتجات استثمارية جديدة، تحفز المؤسسات الأجنبية على قنص شرائح كبيرة من أدوات الدين المطروحة في سوق الأوراق المالية المصرية.

ويعتبر النظام الجديد أول تطوير لهذه السوق على المستوى التكنولوجي منذ 19 عاما وسط مطالب للمستثمرين على مدار عقدين بإحياء وتنشيط سوق السندات. وتتواكب عمليات التطوير مع الفورة الحكومية المتصاعدة لمواجهة عجز الموازنة العامة المتوقع أن يصل إلى نحو 7.7 في المئة خلال العام المالي الحالي.

سيد عويضي: تنشيط سوق السندات يبدأ من حرية السماح للأفراد بالتداول عليها
سيد عويضي: تنشيط سوق السندات يبدأ من حرية السماح للأفراد بالتداول عليها

ويضمن النظام الجديد كافة متطلبات تداول السندات بشكل واضح وموثق، بدلا من النظام السابق الذي كان مجرد شاشة تعرض فقط تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين البنوك والمؤسسات المالية من صفقات على أذون الخزانة المصرية.

ويعدّ الوضع الجديد تحولا يسمح بالتداول المستمر للسندات هو الحال بالنسبة للأسهم، من خلال أوامر البيع والشراء، ما يزيد العمق الاستثماري لسوق المال المصري.

ولفت محمد فريد رئيس البورصة المصرية لـ”العرب” إلى أن سوق السندات الحكومية يشهد نشاطا ملحوظا واستثنائيا، حيث تدور متوسطات قيم تداولاتها اليومية بين 160 مليون دولار و190 مليون دولار، فضلا عن النشاط الكبير الذي تشهده إصدارات الشركات من السندات لتنويع مصادر تمويلها عبر سوق الأوراق المالية.

وباعت مصر يوم 10 مايو الماضي أذون خزانة في السوق المحلية بنحو 397 مليون دولار على ست شرائح، تراوحت آجالها بين شهر وسنة، وبمعدلات فائدة وصلت حدودها القصوى إلى نحو 13.6 في المئة.

وتعزز هذه الخطوة من ثقة مؤسسات التصنيف الائتماني في قدرة الاقتصاد المصري على تنويع مصادر التمويل، وألمحت إلى ذلك مؤسسة “ستاندرد أند بورز” في تقريرها الأخير عن مصر، وأشادت بوجود قاعدة تمويل محلية واسعة، ورصيد مطمئن من احتياطيات النقد الأجنبي، بلغ 40.34 مليار دولار في نهاية أبريل الماضي.

ويرى سيد عويضي خبير أسواق المال، أن تنشيط سوق السندات يبدأ من السماح للأفراد بالتداول عليها دون قصرها فقط على البنوك والمؤسسات ذات الملاءة المالية، وهو المعمول به في مختلف أسواق العالم.

وقال لـ”العرب” إن “تعاملات الأفراد تستحوذ على نحو 70 في المئة من حركة تداولات البورصة المصرية بالتالي فإن تطوير سوق السندات بشكله الحالي يستهدف المؤسسات الكبرى فقط، الأمر الذي يعزز مرونة التعامل على أوراق الدين الحكومية داخل حدود تعاملات المؤسسات المالية فقط”.

ولا يشمل هذا الوضع شركات القطاع الخاص التي بدأت خلال الفترة الماضية في إصدار سندات من أجل تنويع قدراتها المالية لمواجهة توسعاتها الاستثمارية كأحد بدائل الاقتراض من البنوك.

وتعيد الخطوة مصر كوجهة استثمارية مفضلة لمستثمري المحافظ الأجنبية لتجارة الفائدة التي تعد واحدة من أهم الاستثمارات مرتفعة العوائد.

وتجارة الفائدة عملية يقوم فيها مستثمرو المحافظ المالية بشراء أدوات مالية بعملات ذات سعر فائدة منخفض مثل الدولار الأميركي أو اليورو أو الين الياباني، ثم استثمار هذه الأموال في شراء أدوات مالية بعملات ذات سعر فائدة مرتفع، ويجني المستثمرون أرباحهم من فارق سعر الفائدة عوائد كبيرة شريطة استقرار أسعار الصرف.

ورغم بساطة الفكرة إلا أن الواقع ينطوي على مخاطر بالغة، فالأمور تزداد تعقيدا حينما تضع في الحسبان تقلبات سعر الصرف الذي قد يعزز المكاسب أو العكس.

محمد فريد: 190 مليون دولار متوسط التعامل على سندات الحكومة يوميا
محمد فريد: 190 مليون دولار متوسط التعامل على سندات الحكومة يوميا

وتدعم الآلية الجديدة زيادة مستويات الدين العام في ظل شح الموارد نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي، مدفوعا بتداعيات وباء كورونا، وانخفاض عوائد السياحة.

لكن هذا الوضع غير مقلق، ولا يعد انخفاض مستوى الديون بالضرورة أداء جيدا، فالصين من أعلى الدول في مستوى الديون، لكن الأداء الاقتصادي مبهر في النمو والتصدير وانخفاض معدلات الفقر، ما يعني قدرتها على استغلال الديون بالشكل السليم والمساهمة في تحقيق النمو مع الحفاظ على قدرة الاقتصاد على خدمة الدين.

ويفترض إدارة ملف الديون كجزء من إدارة الاقتصاد وليس بمعزل عنه، عبر تقييم دوري لمدى استغلال هذه الديون بالصورة الملائمة التي تساهم في تحقيق مستهدفات التنمية المستدامة، وعدم أخذ ذلك في الاعتبار يجعل تحليل موقف الديون غير مكتمل، بما يفسح المجال لظهور بعض المفاهيم المساء فهمها في إدارة الديون والتي قد تشكل مخاطر محتملة في مسار استدامة الدين الخارجي.

وقال هيثم عبدالسميع رئيس قسم التحليل الفني بشركة أسطول للأوراق المالية والوساطة في السندات بمصر، إن “تطوير سوق السندات يعزز من دخول الاستثمارات الأجنبية عبر المؤسسات المالية، ويحدّ من عمليات غسل الأموال”.

وأوضح لـ”العرب” أن الآلية الجديدة تضمن سرعة دخول وخروج الأموال للسوق المصرية، وهي نقطة مهمة جدا في جذب الاستثمارات، فالأموال لن تتجه نحو الأسواق التي تعقد إجراءات خروجها بشكل سريع.

ويعزز الطرح الجديد لسوق السندات من خفض تكلفة الاقتراض، عبر إعادة تداول أوراق الديون في بورصة الأوراق المالية، ما يسهم في دخول شرائح جديدة من المستثمرين للمتاجرة على أوراق الدين الحكومية، خاصة وأنها مضمونة العائد.

وتبلغ قيمة القروض الحكومية الداخلية العام المالي الحالي نحو 59 مليار دولار على هيئة أذون خزانة وغيرها من الأدوات المالية، بينما يصل إجمالي حجم الاحتياجات الحكومية التمويلية المختلفة خلال العام نفسه نحو 63.2 مليار دولار، ما ينذر بالمزيد من التوسع في الاقتراض.

وتضمن هذه الفجوة التمويلية تنشيط سوق السندات، نتيجة زيادة الطلب الحكومي المستثمر، ما يفتح شهية المستثمرين الأجانب على سوق السندات المصرية، في ظل استقرار أسعار الصرف عند مستوياتها الحالية.

لكن هذا الوضع يزيد من تشابك أوضاع الدين الداخلي نتيجة عبء الفوائد الذي يضغط بشكل مستمر على الموازنة العامة للدولة، حيث تجاوز حاجز 33 في المئة من حجمها الإجمالي، بعد أن سجل نحو 36 مليار دولار.

11