مشاورات سياسية لتشكيل حكومة الخروج من مأزق الشرعية الشعبية في الجزائر

بوادر اقتسام الكعكة تلمح إلى انفراد الإخوان بالبرلمان الجديد.
الأحد 2021/06/27
الشارع يريد أفعالا لا أقوالا

بدأ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون السبت مشاورات سياسية من أجل تشكيل حكومة جديدة في أعقاب الانتخابات التشريعية الأخيرة. وفيما ستكون استعادة ثقة الشارع والالتفات للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تحدّيا حقيقيا بالنسبة إلى رئيس الوزراء الجديد، يتوقع متابعون تشكيل حكومة سياسية تقتسم فيها الأحزاب الفائزة كعكة النتائج.

الجزائر - باشر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون السبت سلسلة من المشاورات السياسية مع الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في الثاني عشر من يونيو الجاري بغية تشكيل الحكومة القادمة، حيث كانت كتلة النواب المستقلين وحزب جبهة التحرير الوطني أول ضيوف قصر المرادية.

وستكون أزمة الشرعية الشعبية أول تحدّ للحكومة الجزائرية الجديدة بعد مقاطعة نحو ثمانين في المئة من الجزائريين للانتخابات التشريعية الأخيرة، وينتظر أن تجد نفسها مطالبة في المقام الأول بالسعي لردم الهوة السحيقة بين الشارع والسلطة ولو بشكل نسبي، لاسيما وأن البلاد لم تعد في حاجة إلى المزيد من عدم الاستقرار الداخلي، لأن الرهانات الاقتصادية والاجتماعية ستكون صعبة أمامها لتحقيق الانتظارات المتراكمة.

وبغض النظر عن السيناريوهات المطروحة حول هوية الحكومة المذكورة في ظل نتائج الاستحقاق التي وضعت الرجل الأول في أريحية من أمره بعد هيمنة الأحزاب التقليدية والموالية للسلطة عليها، فإن الأنظار تتجه إلى هوية رأس الجهاز الحكومي، حيث عاد الحديث مجددا عن شخصيات تحظى بقدر من التوافق لقيادة حكومة سياسية للمساهمة في الخروج من المأزق الذي تتخبط فيه البلاد منذ نحو ثلاث سنوات.

وقفزت إلى الواجهة عدة أسماء معروفة بمواقفها المعتدلة على غرار عبدالعزيز بلخادم الوزير ورئيس الحكومة الأسبق في فترة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وأيضا الوزير والدبلوماسي السابق عبدالعزيز رحابي، وهما الشخصيتان اللتان توارتا عن الأنظار منذ مدة خاصة بالنسبة إلى الأول الذي انتهى مساره الرسمي في 2014 بأزمة شديدة مع محيط بوتفليقة، وتم عزله بقرار رئاسي من المهام الرسمية والحزبية.

غير أن مصدرا مطلعا أكد لـ“العرب”، “صعوبة إقناع هؤلاء بتولي المسؤولية المذكورة في الظرف الراهن، فهما لا يحققان الإجماع الكلي في الشارع الجزائري، كما سبق لنفس السلطة أن قدمت لهما عروضا مشابهة، إلا أنهما رفضا الاقتراح ووضعا شروطا تميل لصالح إجراءات التهدئة مع الشارع المنتفض”.

وأضاف المصدر أن هوية رئيس الوزراء القادم تخضع لتوازنات فوقية، وأن السلطة المنتشية بتراجع احتجاجات الحراك الشعبي تحت ضغط القبضة الأمنية غير مستعدة للتضحية بمنصب حساس في الدولة لصالح شخصية قد توظف الرضا الشعبي عليها لسحب البساط منها والتحول إلى منافس لها أمام الرأي العام، ولو أنها مجبرة على القيام بالتفاتة سياسية للقطاع العريض من الجزائريين المقاطع لمسارها السياسي.

فرضية حكومة سياسية أكثر الخيارات المرجحة، ومن المتوقع أن تعود رئاسة البرلمان إلى حركة مجتمع السلم الإخوانية

وباتت فرضية الحكومة السياسية أكثر الخيارات المرجحة باقتسام الكعكة بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات وهي جبهة التحرير الوطني، المستقلون، التجمع الوطني الديمقراطي، جبهة المستقبل وحركة البناء الوطني، بينما ينتظر أن تعود رئاسة البرلمان إلى حركة مجتمع السلم الإخوانية، بحسب تسريب من محيط السلطة.

وتبقى بذلك هوية رئيس الوزراء مبهمة، فهو الورقة الوحيدة التي بإمكانها حلحلة وضع المؤسسات الجديدة بعيدا عن أزمة الشرعية الشعبية، فهاجس نسبة المشاركة في الانتخابات التي لم تتعد سقف الـ23 في المئة يشكل التحدي الأول أمام السلطة لكسر حاجز القطيعة بينها وبين الشارع، رغم أن الرئيس تبون كان قد شدد على أهمية تجديد البرلمان وليس الشرعية الشعبية.

وذكر بيان للرئاسة الجزائرية نشر في صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أنه “في إطار المشاورات السياسية الموسعة لتشكيل الحكومة استقبل رئيس الجمهورية الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني أبوالفضل بعجي مرفوقا بأعضاء من المكتب السياسي”.

وأضاف البيان “كما استقبل رئيس الجمهورية وفدا عن ممثلي النواب المستقلين”، وظهر بينهم النائب عن ولاية تيزي وزو عبدالوهاب آيت منقلات الذي شغل منصب رئيس بلدية في وقت سابق، كما كان مديرا محليا لحملة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

ويبدو أن حضور النائب المذكور جاء لكسر حاجز المقاطعة القياسية للانتخابات التشريعية الأخيرة في منطقة القبائل، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها سقف الواحد في المئة، فضلا على أنه ينحدر من عائلة كبيرة في المنطقة (آيت منقلات) التي ينتمي إليها الفنان الكبير لونيس آيت منقلات، غير أن الشعارات التي رددت في المسيرات الضخمة التي شهدتها المدينة في الجمعة 123 من الحراك الشعبي شددت على “قطيعتها مع السلطة وعدم اعترافها بالمؤسسات الرسمية سواء كانت قديمة أو جديدة”.

وصرح أبوالفضل بعجي عقب استقباله في رئاسة الجمهورية بأنه “بحث مع الرئيس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وملف تشكيل الحكومة، كما قدم عرضا لتبون لدخول الحكومة وليس اسما لقيادتها”.

ولفت المتحدث إلى أن “حزب جبهة التحرير الوطني سيكون له أكبر عدد ممكن من الحقائب الوزارية بالنظر إلى تصدره لنتائج الانتخابات النيابية، وأن الحكومة المقبلة ستكون سياسية وستتحمل مسؤولياتها”.

وحسب بيان الرئاسة فإن المشاورات السياسية ستتواصل باستقبال قيادات الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات، ويتعلق الأمر بحركة مجتمع السلم وجبهة المستقبل وحركة البناء الوطني.

ومع الجدية التي تحاول السلطة الظهور بها أمام الرأي العام تحسبا لتشكيل الحكومة، شكل حضور نائب سابق رفعت عنه الحصانة البرلمانية خلال العهدة السابقة في وفد النواب المستقلين الذين استقبلهم الرئيس تبون، ويتعلق الأمر بالنائب ساكر بري، سقطة أخرى تهز صدقية الاستحقاق والمسار معا، حيث علق عليه مسؤول في حزب تيار السلام بالقول “خرج من الباب وعاد من النافذة”، لاسيما وأن قرار رفع الحصانة الذي اطلعت عليه “العرب” برر ذلك بـ”التحقيق الأمني والقضائي في ملفات فساد”.

2