مستقبل الصحف الإلكترونية في مصر يمنح محرريها اعترافا رسميا

توجّه الحكومة المصرية للاعتراف بمحرري الصحافة الإلكترونية ومنحهم عضوية نقابة الصحافيين، يمثل اعترافا ضمنيا بأن المستقبل للمنصات الرقمية، وأن اختفاء الصحافة الورقية من المشهد مسألة وقت ولا بد من دعم البديل الأكثر حيوية وتأثيرا في الشارع.
القاهرة – دفع انهيار الصحف الورقية في مصر وغياب تأثيرها، مقارنة بشعبية المواقع الإلكترونية، نقابة الصحافيين إلى التحرك لأول مرة في تاريخها لإجراء تعديلات قانونية تتيح لمحرري المنصات الإلكترونية الانضمام إلى عضويتها بعد سنوات من عدم الاعتراف بهم أو حمايتهم.
وأعلنت نقابة الصحافيين، الأربعاء، على لسان وكيلها خالد ميري أنها قررت ضم محرري المواقع الإلكترونية لإنهاء الأزمات المهنية والمادية والقانونية التي يعانون منها، وتتم مساواتهم مع أقرانهم في الصحف الورقية.
وهذا أول تحرك عملي تقوم به النقابة لدراسة ملف العاملين بالمواقع الإخبارية، سواء الخاصة أو التابعة إلى مؤسسات حكومية، بعد أيام قليلة من إغلاق باب التقديم أمام الجهات المالكة لصحف إلكترونية لتقنين أوضاعها ومنحها ترخيصا رسميا.
ويشير إدراج محرري المواقع تحت مظلة النقابة إلى وجود توجه من الهيئات المسؤولة عن ضبط المشهد الإعلامي برمّته لمنح التراخيص اللازمة للصحف الإلكترونية التي تتوافر فيها الشروط، وتوفير مظلة قانونية للعالمين بها، وإقصاء الفئة الباقية التي أساءت للمهنة.
ويصعب فصل التحرك عن اعتراف الحكومة بالصحافي الإلكتروني والتأكيد على أهمية دوره من خلال تخصيص مجموعة من المواد القانونية في التشريع الخاص بقانون الصحافة والإعلام الذي أقره الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وتخطط الحكومة لغلق ثغرات تتسلل منها جهات أجنبية إلى الصحافة الإلكترونية، حيث تتضمن خطة التقنين عدم الاعتراف بأي منبر رقمي ممول من جهات غير مصرية. ومن شروط منح التراخيص تحديد مصادر التمويل ومنع الشراكات الأجنبية، بحيث يكون كل
موقع تابعا لمؤسسة مصرية معروف تاريخها وأصحابها.
وكانت هذه الخطوة معطّلة إلى حين انتهاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام من تحديد الإصدارات الإلكترونية التي تستحق الترخيص وتسميتها قبل أن تتحرك النقابة للاعتراف بأعضائها.
ويعبّر هذا التوجه عن تنامي شعور الحكومة والهيئات المعنية بإدارة منظومة الإعلام، بأن اختفاء الصحافة الورقية من المشهد مسألة وقت، ولا بد من دعم البديل الأكثر حيوية وتأثيرا في الشارع، وهي الإصدارات الإلكترونية التي أصبحت على مستوى العالم المنبر الأول والأهم الذي يعتمد عليه الجمهور في تلقي المعلومة.
والاعتراف بالصحافي الإلكتروني سيجعله معروفا لدى الجهات الرسمية والجمهور، بأنه ينتمي إلى موقع يحمل صفة قانونية وليس عشوائيا، أو سيء السمعة، كما توصم أغلب المواقع، لأن من سيحصلون على العضوية هم العاملون في إصدارات رقمية تم انتقاؤها لتحصل على موافقة الحكومة للبقاء في المشهد.
ويلتزم أصحاب المواقع الإلكترونية بإثبات المهنية والعمل باحترافية قبل تقدّم المحررين لنقابة الصحافيين للحصول على العضوية، بمعنى أن يكون لكل صحيفة إلكترونية هيكل إداري وقدرات مالية تضمن حقوق العاملين فيها، وتعتمد على صحافيين مشهود لهم بالكفاءة وليسوا دخلاء على المهنة.
وقالت ياسمين (ب)، صحافية تعمل بموقع إخباري شهير، إن “أكبر أزمة يعاني منها الصحافي الذي يعمل في المنصات تعرضه لمضايقات مستمرة من المسؤولين وحرمانه من تغطية أنشطة مؤسسات بعينها، تشترط أن
يكون المحرر الذي يدخل من أبوابها عضوا بنقابة الصحافيين، وأغلب العاملين في المواقع ليست لديهم صفة نقابية”.
وأضافت لـ”العرب”، رافضة ذكر اسمها كاملا، أن “عشوائية بعض المواقع تسببت في دخول أشخاص أساؤوا للمهنة وجعلوا بعض الجهات تمتعض من كل صحافي يعرّف نفسه بأنه يعمل في مطبوعة رقمية، حيث تقوم فئة منهم بابتزاز مسؤولين وتحريف كلامهم، لكن وجود مظلة نقابية يمهد لطرد هؤلاء من المشهد”.
وترفض بعض المؤسسات في مصر الاعتراف بأي صحافي إلكتروني لتغطية أنشطتها، مثل رئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء، ووزارات الدفاع والداخلية والخارجية ومجلسي النواب والشيوخ، وتعتمد المواقع على محررين يعملون في صحف ورقية من أعضاء نقابة الصحافيين ليكونوا مراسلين لها في هذه الجهات.
وقال سامي عبدالعزيز عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة سابقا، إن “أهم مكسب للصحافة من الاعتراف بالمحررين الإلكترونيين تقنين أوضاع المواقع، وتصحيح المسار الخاطئ الذي كانت تسير فيه المهنة، على مستوى غياب القواعد المهنية الملزمة لكل الأطراف، والاعتماد على دخلاء لتعويض شحّ الموارد”.
وأوضح لـ”العرب”، أن “الخطوة سوف تكشف الفارق بين الاحتراف والتخفي المستتر، وتحدد المسؤوليات على الموقع والعاملين فيه، وهذه ميزة لم تكن موجودة، ومع إقرار التقنين والاعتراف النقابي يفترض أن تكون هناك محاسبة وقواعد مهنية ملزمة”.

وتنقسم الصحافة الإلكترونية في مصر إلى مملوكة لمؤسسات رسمية تُصدر صحفا وبدأت قبل سنوات قليلة في مجاراة العصر بإنشاء مواقع، وأخرى تابعة لمؤسسات معروف توجهها الرقمي، وثالثة يمتلكها أشخاص اعتباريون بغرض التربّح، وعدد كبير من محرريها أعضاء قدامى في نقابة الصحافيين.
ويحصل الصحافي الإلكتروني على رواتب هزيلة، خاصة في مواقع الهواة، والشريحة الأكبر منهم تخرجت للتو في كليات الإعلام ولديها استعداد للكتابة ولو دون أجر، لكن الفئة الأخطر التي يتم توظيفها لجني مكاسب مالية بطرق غير مهنية، وتخصص في مجال بعينه، مثل التعليم والصحة والعقارات والاقتصاد.
ومن شأن وجود مظلة قانونية للمحررين الإلكترونيين، إقصاء الدخلاء وغلق مواقعهم التي تعمل دون ضوابط، ولا تلتزم بالحد الأدنى من المعايير، لأن الحكومة لديها نية لتصفية المشهد الصحافي من الإصدارات التي تتعمّد إثارة البلبلة ونشر الشائعات لجذب القارئ، وصارت مصدرا لإزعاج مؤسسات الدولة.
ولفت عبدالعزيز إلى أن “تصحيح أوضاع الصحافة الإلكترونية يخدم كل الأطراف، فالحكومة ستعرف مع من تتعامل، والقارئ يطمئن للمعلومة التي يحصل عليها، والأهم وجود تنافسية بين الصحف الورقية والمواقع الإخبارية لإثراء المشهد برمته، وبشكل يدفع المؤسسات التقليدية إلى مواكبة العصر”.
واشتكى صحافيون عاملون بمواقع إلكترونية من الملاحقات الأمنية لهم لعدم وجود مستندات تثبت هوياتهم المهنية، وبعضهم تعرض للاعتقال، ما يعني أن عضوية النقابة أكبر من مجرد الحصول على بطاقة نقابية، أو عائد مادي منها، بل إن هذه الخطوة تضمن حقوقا أدبية مفقودة جعلت تحركاتهم محدودة خشية الاستهداف.
وفي ظل التضييق الذي يتعرض له العاملون في مهنة الإعلام عموما في مصر، لم يعد ممكنا ترك الصحافيين الإلكترونيين يواجهون وحدهم مخاطر تعريض حياتهم للخطر دون ظهير نقابي يحميهم ويرفع عنهم تهمة ادعاء العمل بالصحافة أو وضعهم في خانة العمالة لجهات أجنبية بذريعة أنهم يقومون بعمل دون ترخيص.
ويخشى خبراء من أن يكون فتح الباب أمام الحصول على عضوية نقابة الصحافيين فرصة ثمينة لجني أموال من الحالمين بالحصول على بطاقة الهوية النقابية، باعتبار أن كل نقابي يحصل على مبلغ شهري بقيمة 2100 جنيه (135 دولارا)، والكثير من الهواة والعاطلين مستعدون لدفع مبالغ مالية لهذا الغرض، لأنهم سيحصلون على المبلغ النقابي سواء كانوا من العاملين أو العاطلين.
وتفرض هذه المخاوف على نقابة الصحافيين زيادة التدقيق في أوراق المتقدمين للحصول على عضويتها، كي لا تضع نفسها في أزمة مع الحكومة، باعتبارها المسؤولة عن توفير قيمة البدل النقابي للأعضاء شهريا، ولا تريد أن يحصل عليه سوى المستحقين أو تكون النقابة مأوى لغير المهنيين والهواة بعد غلق مواقعهم المخالفة وتسرّبهم إلى المواقع غير المرخصة منها.