مروان طحطح يوثّق نوستالجيا الثورة اللبنانية فوتوغرافيا

"بين تشرين وتشرين" هو عنوان المعرض الفردي للمصوّر مروان طحطح المقام حاليا بغاليري “هنغار أمم” في الضاحية الجنوبية من العاصمة بيروت، وفيه يرصد الفوتوغرافي اللبناني يوميات المتظاهرين وتحركاتهم ولغتهم في زمن ثورة أجهضت قبل أن تكتمل.
بيروت – يضمّ معرض “بين تشرين وتشرين” المقام حاليا بغاليري “هنغار أمم” ببيروت، ما يقارب السبعين صورة فوتوغرافية التقطها المصوّر الفوتوغرافي اللبناني مروان طحطح ليوميات ثورة 17 أكتوبر 2019، لاسيما في بدايتها حين كان الزخم قويا ولم يكن بعد قد وقع ضحية السلطة وأعمالها الإرهابية.
وقد رصد الفنان/ المصوّر في العديد من الصور ما جرى على تسميتهم بـ”بلطجية السلطة” وهم يتعرّضون للمتظاهرين وللصحافيين بالضرب والإهانة. واشتهرت إحدى هذه الصور بشكل كاسح حتى لم يعد أي أحد في لبنان لم يرها ولم يحتفظ في ذاكرته بما عبّرت عنه من شراسة وخلل نفسي ظهرا بوضوح على وجه أحد أفراد المهاجمين وهو يرفع عصا في وجه إحدى المتظاهرات قُبيل أن ينهال عليها بالضرب لبضع ثوان.
يقول مروان طحطح إن الأكثرية الساحقة من الناس لا تعرف أنه هو صاحب الصورة، وينطلق من هذه الملاحظة ليؤكّد أنه ليس المصوّر الوحيد الذي التقط صورا غزيرة للثورة على الرغم من اللقب الذي التصق به وهو “مصوّر الثورة”.
وأضاف قائلا “أنا واحد من العديد من المصوّرين المحترفين للثورة الذين انتشرت صورهم دون الإشارة إلى أسمائهم، وفي ذلك إجحاف كبير بحق المصّور الذي يقف خلفها”.
وفي هذا السياق، نذكر إحدى المحطات التلفزيونية البارزة في لبنان التي بثّت مؤخرا حلقة خاصة من إنتاجها عن الصورة الفوتوغرافية المعاصرة في لبنان، ولم تأت على ذكر أسماء بعض المصوّرين الذين التقطوا صورا تاريخية توثيقية وفنية على السواء. وينسحب هذا التلكؤ أو هذا التغاضي غير المهني عن ذكر المصوّرين إلى مجالات النشر الورقي والرقمي على السواء.
هذه المسألة تستوقفنا بشكل كبير ويمكن اعتبار صورة مروان طحطح لـ”البلطجي” وهو يهبّ لضرب إحدى المتظاهرات من أكبر الأمثلة على كيف “تهرب” الصورة من هذا النوع من ملتقطها لتصير ملكا للناظر إليها، بمعنى أن كل ناظر (لاسيما المتوّرط في الحدث المُصوّر) يصبح هو، بإلقائه النظر على الصورة، مُلتقط المشهد بعدسة عينه ليسقط اسم المصّور “الأصلي” عن الحسبان.
وللتوضيح، هذا ليس نوعا من تشريع الخطأ المُتمثل بعدم ذكر المصوّر الذي التقط في اللحظة المناسبة وبالبراعة الفنية والتقنية الصورة الفوتوغرافية، بل هو التركيز على سلطة الصورة على حساب هوية فاعلها. يحدث هذا غالبا حينما يكون موضوع الصورة حدثا شعبويا كما كانت ولا تزال ثورة 17 أكتوبر.
ويُمكن اعتبار هذا المعرض الذي يستمر حتى شهر فبراير من العام القادم، معرضا فنيا/ تجهيزيا، لأنه ضم إلى جانب الصور الفوتوغرافية متعددة الأحجام، فيلم فيديو وسينوغرافيا خاصة بالمعرض، حملت توقيع كل من مونيكا بورغمان سليم وأيمن نحلة.
ومن هناك استحالت صالة العرض إلى ساحة مُصغرة وشبيهة بساحات الثورة، حيث جهّزت بـ”بلوكات” (حواجز) إسمنتية شبيهة بتلك التي وضعت وبتراكم خلال توالي أشهر الثورة في رياض الصلح بين المتظاهرين والمقرات الرسمية.
قد يحضر سؤال: لماذا هذا المعرض الآن؟ وخاصة أن البعض يعتبر أن الثورة وأحلامها المجهضة باتت من الذاكرة، وأنها لم تحقّق أي شيء يُذكر سوى المزيد من المرارة.
الإجابة على هذه التساؤلات تكمن في مناسبة المعرض وظروف تنظيمه، فهو في حد ذاته حدث يستحق التأمل ويؤكّد على صلابة الجسر المُمتد ما بين واقع الحال وصوره التي ينتجها الفنانون، مصوّرين فوتوغرافيين كانوا أم غيرهم من الفنانين.
فمن المعلوم أن المعرض بشّر بتنظيمه بعد انفجار مرفأ بيروت بأسبوعين، وهو الذي انطلق من تكريس فكرة دامغة وهي: لا بد من العودة إلى الثورة. والمعرض هو نوع من استحضار شعائري/ فني لروح الثورة، أي لما أمكن له، لو استمر، أن يجنّب اللبنانيين الفاجعة الكبيرة التي أصابتهم في انفجار 4 أغسطس.
ومن المعلوم أيضا أن فكرة المعرض أخرجها إلى النور لقمان سليم صاحب “هنغار أمم للتوثيق”. أما العنوان فاختاره دلاليا “بين تشرين وتشرين..”، وهو مثل شعبي تكملته “صيف ثانٍ”. واللافت أن صاحب صالة “هنغار أمم” للعرض وضع للعنوان العربي ترجمة إنجليزية مفادها “الخريف هو ربيع ثان”.
قد يجد الكثير من الناس في هذه الترجمة معنى مُحقا، ولكن قد يجد البعض ذاتهم وهم يكملون تعبير “بين تشرين وتشرين.. تشرين آخر، ثان وثالث وربما أكثر” مع الأمل أن لا يكونوا مُحقين في ما يفكرّون ويتوقّعون.
وطحطح من مواليد لبنان سنة 1981. درس فن الرسم المعماري قبل أن يتفرّغ إلى شغفه بالتصوير الفوتوغرافي ليتابعه في الدراسة والممارسة فالاحتراف كمصوّر صحافي. بداياته كانت مع جريدة الشرق عام 2001 وهو الآن متفرّغ كمصوّر حرّ.
شارك الفوتوغرافي اللبناني في العديد من المعارض الجماعية، وحاز سنة 2004 على الجائزة الأولى في معرض نقابة المصوّرين الصحافيين. وله معارض فنية فردية أولها حمل عنوان “بعيدا عن التركيز” سنة 2004، ثم قدّم “مدينة أين” و”البحر يغادرنا عندما نرحل” الذي صوّر فيه مدينة بيروت والبحر.