مدارس خاصة ترهن قبول الطفل بخلفية الأسرة الاجتماعية

سياسات تعليمية تغذي الطبقية والحقد الاجتماعي، وشرعنة حكومية للتمييز والعنصرية والانتقائية في طريقة اختيار الأطفال المقبولين ببعض المدارس الخاصة.
الأحد 2019/04/28
مدارس "أولاد ذوات" تفصل طلابها عن بقية المجتمع وتقاليده

كانت انتقائية الأطفال بالمدارس الخاصة والدولية في مصر، تقتصر على طبيعة المؤهل الدراسي للأب والأم وقدرتهما على دفع تكاليف المدرسة، لكن الأمور تطورت، ولم يعد المال فقط هو شرط الالتحاق بالمدارس الخاصة، بل أصبح المستوى الاجتماعي شرطا رئيسيا في بعض المدارس التي تستعيد خطابا طبقيا قديما يفصل بين “أولاد الذوات” و”العامة”.

القاهرة - اعتقد علاء أحمد، صاحب متجر لبيع اللحوم، أن ثروته ستمكنه من “شراء” تعليم جيد لطفليه وترسيمهما في أي مدرسة، لكنه لم يدرك أن خلفيته الاجتماعية، وهو ابن الحي الشعبي، ستكون العائق الأول أمام التحاق ابنيه بإحدى المدارس التي اختارها، والتي تبيّن أن شرط القبول الأول فيها، أن يكون المنتسب من أبناء الطبقة المرفهة والعائلات من ذوي النفوذ والشهرة والمنصب.

تقدم علاء، خلال شهر أبريل الجاري، بأوراق طفليه في أربع مدارس تقع في أحياء مصر الجديدة والنزهة ومدينة مصر، وهي من المناطق الراقية في العاصمة. لكن مطلبه رُفض، وكُتب على ملف كل منهما بالخط الأحمر “غير لائق، ولا توجد أماكن فارغة بالمدرسة”.

انشغل الأب بمعرفة أسباب الرفض أكثر من محاولة البحث عن مدرسة خامسة تقبل ولديه، وتبيّن له أن أسئلة المقابلات التي طرحت على الطفلين كانت تتمحور حول أماكن نزهة الأسرة، واسم النادي الذي تشترك فيه، وماركات الملابس والأحذية والسيارات التي يفضلها، وفي أي شاطئ أو قرية سياحية تقضي الأسرة إجازة الصيف، وأسماء المطاعم والمقاهي المفضلة، وهل لدى الأسرة عاملة بالمنزل أم لا؟

بمثل هذه الأسئلة تختبر الكثير من المدارس الخاصة والدولية في مصر طلابها وفق آلية تقصي أطفال الأسر البسيطة والمتوسطة، وإن كانت تمتلك تكلفة تعليم أبنائها، لكنها غير مرفهة وتمتهن حرفا تبدو لبعض الأسر الميسورة، سيئة السمعة، وبالتالي يبحث الأغنياء دائما لأبنائهم عن مدارس محاطة بسياج يحظر على الآخرين من أبناء الطبقات الأخرى الاقتراب منه.

طموحات الأسر غير المرفهة تصطدم بسياسة قبول للطلاب قائمة على الإقصاء والتمييز وفق مستوى الأسر الاجتماعي والوظيفي والتعليمي

يقول علاء لـ”العرب”، إن معلمة بإحدى المدارس التي رفضت طفليه أبلغته بأن إدارة المدرسة تحظر قبول الطالب دون التحري عن خلفية أسرته، لأن أكثر أبناء المدرسة “أولاد ذوات”، وهؤلاء أهم مطالبهم أن يكون كل الطلاب قريبين من المستوى الثقافي والفكري والاجتماعي، فلا يمكن قبول طفل والده يعمل حارسا لعقار لمجرد أنه يستطيع دفع المصروفات.

وينتمي الأب إلى طبقة من المجتمع المصري بدأت تغير نظرتها للتعليم، ويتشكل قوامها الأكبر من الأسر البسيطة ومتوسطة الحال، وبدأت تركز على الاستثمار في مستقبل أبنائها، من خلال تعليمهم في أماكن لائقة بعيدا عن المدارس الحكومية المجانية المتهالكة، مهما كانت التكلفة والتضحيات والاستعداد لتحمل المزيد من الأعباء.

تعتبر الأسر البسيطة والمتوسطة التي تكافح لإلحاق أبنائها بمدارس خاصة، أن التعليم أصبح المخرج الوحيد لإنقاذ كل عناصر الأسرة من دوامة الفقر، وتفكر هذه الأسر بمنطق إذا أصبح الابن مهندسا سوف يغيّر مسار حياته وأسرته مستقبلا، وإذا تخرّج طبيبا فالنظرة المجتمعية سوف تتبدل بشكل جذري.

لا تواجه تضحيات الأسر بمرونة من جانب بعض أصحاب المدارس الخاصة، حتى أن المدارس اليابانية والقومية المملوكة للحكومة تدعم إقصاء أبناء البسطاء ممن لا يستطيعون دفع المصروفات الدراسية التي تصل إلى 600 دولار سنويا، وتصطدم طموحات الأسر غير المرفهة بسياسة قبول للطلاب قائمة على الإقصاء والتمييز وفق مستوى الأسر الاجتماعي والوظيفي والتعليمي.

تلجأ الكثير من المدارس إلى اقتصار القبول على الأشقاء وأبناء العم، حتى أصبح هناك ما يعرف بـ”مدارس العائلات”. تبحث هذه المدارس من وراء ذلك عن فصل طلابها عن المجتمع المحيط، بحيث تكون لهم ثقافة وعادات وتقاليد ونمط تربية مختلفة عن عامة المجتمع تشجع على نشر الأفكار الداعمة للطبقية والحقد الاجتماعي.

وما يكرس العنصرية الاجتماعية في التعليم أن الكثير من الأسر أصبحت تتعامل مع مكان التعلُّم بمنطق الوجاهة الاجتماعية، وتتباهى بأن أولادها يتعلمون في مدرسة بأسماء “كبيرة”، أي ذات شهرة عالية، وبالتالي فإنها (الأسرة) مرفهة ولا تعيش الحرمان والعوز وبإمكانها تعليم أولادها بين أبناء الكبار.

تكريس الطبقية الاجتماعية
تكريس الطبقية الاجتماعية

وتكمن الأزمة في نظرة وزارة التعليم لطريقة الانتقائية التي تتعامل بها المدارس مع الأطفال وأسرهم، فهي تعتبر أن “لكل مدرسة الحق في طريقة اختيار من يلتحق بها وفق لوائحها الداخلية”، من منطلق أن التعليم الخاص سوق حرة تسود فيها سياسة العرض والطلب، أيّ أن هناك شرعنة حكومية للتمييز والعنصرية والانتقائية في طريقة اختيار الأطفال المقبولين ببعض المدارس الخاصة.

وترى إنشاد عز، أستاذة علم الاجتماع بمركز البحوث الاجتماعية بالقاهرة، أن انتشار مسمّيات مدارس أبناء الكبار، وأولاد الذوات ظاهرة خطيرة تحمل في طياتها تقسيما طبقيا يهدد القوام المجتمعي، لأنها تدريب مبكر للأطفال على الكراهية والعنصرية.

وتضيف في تصريح لـ”العرب”، أن مشكلة بعض الأسر ميسورة الحال أنها تعتبر عزل أبنائها عن ذويهم من البسطاء يحميهم من السلوكيات والتصرفات والعادات الخاطئة. وهذا خطأ فادح، لأنها بذلك تعلمهم أن الاقتراب من أي شخص غير تابع لطبقتهم الاجتماعية يمثل خطرا عليهم.

ولدى بعض المدارس الخاصة مبررات تبدو مقبولة نسبيا، في مسألة رفض أطفال أسر بعينها، من بينها أن المدرسة ليست وحدها المسؤولة عن تعليم الطفل وتربيته وتقويم سلوكياته، والأسرة شريك رئيسي في ذلك، وبالتالي لا بد أن يكون مستوى وثقافة ووضعية المدرسة بكل تفاصيلها، موازية أو على الأقل متقاربة من الأسرة.

لكن (ع) الخطيب، وهو صاحب مجموعة مدارس خاصة بالقاهرة، قال لـ“العرب”، إن بعض أصحاب المدارس يفضلون اقتصار التعامل مع الأسر الراقية فقط، لعدم إثارة الأزمات في حال رفع المصروفات، واستخدام العلاقات معها كحصانة ونفوذ وإنهاء مصالح شخصية وعائلية، وهذه لغة مقبولة في “البزنس” الذي أصبحت المدارس الخاصة أحد مكوناته.

21