مخاوف من اللجوء إلى الشارع لحسم الخلافات في تونس

تونس- حذرت أوساط سياسية وحقوقية من تداعيات اللجوء إلى الشارع لحسم الخلافات بين مكونات المشهد السياسي في تونس، في ظلّ تصاعد الدعوات الحزبية للخروج إلى الساحات والتظاهر.
وشهدت مدينة سوسة الساحلية (وسط) الأحد وقفة احتجاجية للحزب الدستوري الحر الذي تتزعمه عبير موسي، في حين دعت حركة النهضة إلى مظاهرة السبت القادم.
وقالت موسي، في كلمة لأنصارها، إن “الحزب الدستوري الحر سيجوب شوارع البلاد من بنزرت شمالا إلى تطاوين جنوبا وسيرفع الشعارات ويطالب بحقوق الشعب”، مؤكدة أن حزبها “قادر على تحريك الشارع بطريقة مؤطرة وسلمية واحتجاج الأحد في سوسة خير دليل على ذلك”.
ودعت حركة النهضة في بيان لها الأحد أنصارها إلى الحضور المكثف السبت القادم والمشاركة “الفعالة والقوية” في ”حماية دستور البلاد والديمقراطية وللتعجيل في الإصلاحات التنموية والاجتماعية”.
وتطرح دعوات اللجوء إلى الشارع كمسرح لفضّ النزاعات السياسية والاستعراض الشعبي مدى وعي الفاعلين السياسيين بخطورة السيناريو لما يحمله من رسائل صريحة للاحتراب والتصادم.
وحمّلت شخصيات تونسية مسؤولية تداعيات هذا التوجّه، بعد أن أصبح إيجاد الحلول السياسية أمرا مستعصيا، إلى كلّ عناصر الطبقة الحاكمة (رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان).
وحذّرت المحللة السياسية فاطمة كراي “من مغبة استخدام الشارع لتجاوز الخلافات”، قائلة “لمّا ضاق بكم البرلمان تدعون إلى الخروج للشارع”، في إشارة إلى السياسيين.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” “هذا السيناريو خطير من ناحية البسيكولوجيا العامة وفيه دعوة للاحتراب ويبدو أن الجماعة الحاكمة تأتمر بأوامر خارجية”.
وتابعت “هذا لعب بالنار، نحن في زمن الحظر والمنع الدولي والقانوني يمنع التجمع، وهذه كلها ممارسات من أجل الكرسي الفردي. هذا حرق لكل المراكب وأعتقد أن هذا التحشيد من أجل الترفيع في سقف التفاوض”.
ويرى مراقبون أن الدعوات للنزول إلى الشارع تندرج في سياق الاستعراض الشعبي من أجل فرض خيارات على الخصوم، علاوة على مزيد استمالة الشارع وكسب وده.
ونزل الرئيس التونسي قيس سعيد مطلع فبراير الجاري إلى شارع الحبيب بورقيبة (أكبر الشوارع الرئيسية) بقلب العاصمة وتجول وسط أنصاره.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية السابق، العميد خليفة الشيباني في تصريح لـ”العرب”، “عندما تتعطل لغة الحوار يتم اللجوء إلى الشارع، وخصوصيات التحركات الحالية لم تبن على موقف أو رأي لأن من يدعون لها هم من يمثلون السلطة، وحركة النهضة لا يمكن أن تكون الخصم والحكم”.
وأضاف “ما يوجد في تونس اليوم هو استعراض للقوة في الشارع في ظل الأزمة السياسية الخانقة بين الرئاسات الثلاث وخصوصا بين رئاستي الجمهورية والبرلمان”.
وتابع “ما يقوله قياديو النهضة لحماية الثورة هو مغالطة لأن الثورة صنعها الشعب ثم التحق السياسيون، وفي حالة احتقان واندفاع الشباب مع غياب الحكمة والحوار يتم النزول إلى الشارع”.
وأشار الشيباني إلى أن “الطبقة السياسية الحالية بكل أطيافها تتحمل مسؤولياتها، وخصوصا حركة النهضة حتى وإن تتنصل من مسؤولياتها باعتبارها المكون الوحيد الذي بقي 10 سنوات، وهي لا تملك برامج وتصورات للخروج من الأزمات”، لافتا إلى أن “الأمور مفتوحة على كل السيناريوات”.
ويكشف استخدام الشارع لحل الخلافات السياسية عجز مكونات المشهد السياسي (حكومة ومعارضة) عن احتواء الحوار الوطني والوصول إلى حلول للقضايا العالقة والأزمة التي تعيشها البلاد على مختلف الأصعدة.
وبالموازاة مع تصاعد الدعوات للنزول إلى الشارع وحسم الخلافات “ميدانيا”، تتواصل عملية جمع الإمضاءات من قبل مجموعة من نواب البرلمان استعدادا لسحب الثقة من راشد الغنوشي وإسقاطه من رئاسة البرلمان.
وعلقت موسي على ذلك بالقول “يجب أن يكون الأسبوع القادم مفصليا إمّا أن تعلن الأطراف عن إمضاءاتها وتقوم بإيداع العريضة أو يفقد الموضوع جديته”.
والاثنين قال عضو الكتلة الديمقراطية بالبرلمان رضا الزغمي إنّ كل أعضاء الكتلة وقّعوا على عريضة سحب الثقة من الغنوشي في رئاسة البرلمان، مشيرا إلى أنه تم إلى حدّ الآن جمع 103 إمضاءات على عريضة سحب الثقة.
وأوضح الزّغمي في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية “إن النواب المؤيدين لعريضة سحب الثقة فضّلوا أن يكون تجميع الإمضاءات من كلّ كتلة برلمانية على حدة، بهدف أن يكون أولا التزاما أخلاقيّا من كلّ كتلة تجاه العريضة، وبهدف التحقّق من التوصل إلى العدد المطلوب لسحب الثقة وهو الأغلبية المطلقة أي موافقة 109 نوّاب، قبل إيداعها بمكتب الضبط بالبرلمان”.
وبين انسداد أفق الحوار و”حتمية” الخروج إلى الشارع، تدعو أطراف أخرى إلى تغليب مصلحة البلاد بإعلاء “صوت الحكمة” واللجوء إلى الحوار.
ورجّح النائب بالبرلمان مبروك كرشيد، الإثنين، أن يتمكن من أسماهم بـ”العقلاء” من إقناع الرئيس سعيد بضرورة المضي في حوار وطني وإنهاء الأزمة الراهنة.
وقال في تصريح لإذاعة محلية “وصلنا في تونس إلى وضع غير مسبوق أصبح فيه الحوار بين المؤسسات العليا في الدولة هو حوار الطرشان والرؤساء الثلاثة غير قادرين على الاستماع إلى بعضهم البعض ولن يلبوا طلبات بعضهم”، مشددا على “ضرورة الجلوس إلى الطاولة في إطار حوار وطني يكون على شاكلة الحوار الذي وُجد في سنتي 2013 و2014 ويهدف إلى تحديد الخيارات الأولية وتنظيم الدولة من جديد وإنهاء الأزمة من أصلها”.