مخاوف من استنساخ تجربة الكامور في واليات تونسية أخرى

حكومة هشام المشيشي ترضخ للمحتجين بتوقيع اتفاق يُنهي تعطل الإنتاج في جنوب البلاد.
الاثنين 2020/11/09
املحتجون يقطفون ثمار ضغطهم

تونس – يثير لجوء الحكومة التونسية برئاسة هشام المشيشي إلى التهدئة مع ’’محتجي الكامور‘‘ جنوبي البلاد والاستجابة لمطالبهم مخاوف من فرضية استنساخ تجربة هذا الاعتصام والاحتجاجات في محافظات أخرى خاصة وأن البلاد تمر بأزمة اقتصادية حادة.

وأكدت الحكومة، الأحد، على استئناف شركات الطاقة في محافظة تطاوين أعمالها بشكل طبيعي، بعد انقطاعها منذ يوليو الماضي، وذلك بعد التوصل إلى حل لأزمة توقف الإنتاج في منطقة الكامور بجنوب البلاد.

ونقلت إذاعة “تطاوين“ المحلية، أن المحتجين انسحبوا من محطة ضخ البترول والغاز بالكامور، وتولت السلطات المحلية استئناف ضخ المحروقات، بما مكن الشركات العاملة من استئناف نشاطها.

وجاء استئناف عمل هذه الشركات بعد إعلان الحكومة التونسية، التوصل إلى ”اتفاق نهائي“ مع المحتجين، قائلة إنه “يقرّ حزمة من الإجراءات لدفع الاستثمار والتشغيل وتحسين ظروف عيش المواطنين بولاية (محافظة) تطاوين‘‘ وذلك بعد تصعيد متبادل بين الطرفين جعل البعض يترقب ردة فعل قوية من الحكومة التي قال رئيسها في وقت سابق ’’لم يعد مقبولا تعطيل الإنتاج (..) سنُعيده بقوة الدولة‘‘.

بوجمعة الرميلي: حلول الحكومة في الكامور نقطة سوداء، كيف للدولة أن ترضخ للاستفزاز
بوجمعة الرميلي: حلول الحكومة في الكامور نقطة سوداء، كيف للدولة أن ترضخ للاستفزاز

وتضمنت بنود الاتفاق الجديد ”تشغيل 215 شخصا بشكل فوري في الشركات البترولية بالصحراء، وتشغيل مئات آخرين على مراحل ابتداء من العام المقبل“، إضافة إلى ”تشغيل ألف عامل جديد بشركة البيئة والبستنة (حكومية) خلال العام الجاري، وإقرار مبلغ 80 مليون دينار تونسي (29 مليون دولار) لمصلحة صندوق الاستثمار بالمنطقة‘‘.

واندلعت أزمة الكامور لأول مرة في محافظة تطاوين، في الفترة بين 23 أبريل و16 يونيو 2017 احتجاجا على الوضع التنموي المتردي هناك.

ويرى مراقبون أن حكومة المشيشي سعت لشراء ودّ المحتجين والتأسيس لهدنة سلم اجتماعي، وهو ما جعلها تواجه انتقادات لاذعة خاصة بعد توعدها ’’من يعطل الإنتاج في وقت سابق‘‘.

ويُضيف هؤلاء أن هذا الواقع الجديد قد يحفز ناشطين في محافظات أخرى على توقيف الإنتاج في بعض المنشآت على غرار شركة فوسفات قفصة (جنوب) وغيرها في استنساخ لتجربة الكامور.

وأفاد الناشط السياسي والقيادي السابق بحزب نداء تونس بوجمعة الرميلي، بـ”أن حكومة المشيشي وجدت إرثا وافقت عليه تحت الضغط، ما أثار استياء كبيرا من التونسيين بعد رضوخها للمطالب”.

وأضاف الرميلي “هناك نوع من البراغماتية للحل المتوصل إليه، ويبقى نقطة سوداء”، متسائلا “كيف للدولة أن ترضخ وليس فقط لأن هناك ولايات (محافظات) أخرى تريد أن تتحرك؟ بل إن الدولة التي تتوفر على جملة من النواميس والقوانين لا يحق لها الرضوخ لأي كان”.

وتابع “نرفض كل من يضغط على دولته لكسر العرف الذي يرتكز عليه الشعب التونسي، ويجب على الجميع أن يتعقل، والجهات الداخلية يحق لها التمسك بحقوقها في التنمية والتشغيل.. فالكثير عبّر عن استيائه من استجابة الدولة بعد عملية استفزازية، ولا يمكن للجهات أن تعيد هذا المثال”.

وتتخوف الأوساط السياسية من بروز أزمة جديدة شبيهة بسيناريو “الكامور” خصوصا بعد ما توعدت الحكومة منذ أيام باستعمال القوة ثم سرعان ما تراجعت، ما يعكس نوعا من “الضعف” أو “التراخي” في تطبيق القانون.

وقال الجامعي والباحث في العلوم السياسية محمد الصحبي الخلفاوي في تصريح لـ”العرب”، “البلاد في وضعية اقتصادية صعبة تستوجب عودة النشاط الطاقي وغيره، لكنها وجدت نفسها بين أمرين التفاوض السلمي أو إنفاذ القانون”.

وأضاف الخلفاوي “إذا تدخلت الدولة بالقوة في الكامور فسيخلق ذلك حالة من الغضب الشعبي، وأعتقد أنه لا توجد إرادة جماعية للتدخل بالقوة في الكامور وكان لا بد من إيجاد حل سلمي وهذا قد ينتقل إلى ولايات (محافظات) أخرى على غرار قفصة وصفاقس وقابس والشمال الغربي في علاقة بالسدود، وما نراه الآن من شراء للسلم الاجتماعي هو في الحقيقة موجود منذ 2011 لأن الحكومات استعملت حلولا ظرفية مع الأزمات”.

وتابع “المشيشي تنقصه الحنكة السياسية خصوصا في الجانب الاتصالي لأنه لم يلق استجابة من المؤسستين العسكرية والأمنية لمواجهة المحتجين، ويمكن أن يكون ذلك حلا وسط التصريحات وآلية الضغط بعد أخذ ورد.. وخلال الأيام القادمة يمكن أن تنتقل عدوى الكامور لجهات أخرى”.

الحكومة خيرت الرضوخ
الحكومة خيرت الرضوخ

وكان المحتجون في محافظة تطاوين قد أغلقوا في 17 يوليو الماضي، محطة ضخ البترول والغاز في منطقة الكامور، التي يمر منها كامل إنتاج حقول النفط في الصحراء إلى محطات أخرى في بقية جهات البلاد. وقال رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي، إن ذلك يكلف تونس خسارة تبلغ 800 مليون دينار (292 مليون دولار).

ومن المنتظر أن توقف الحكومة المتابعات القضائية في حق من قادوا الاعتصام السلمي، مع تعهد المعتصمين بعدم التعرض للثروات المحلية في حال قيامهم بتحركات احتجاجية مستقبلا.

وعطّل المحتجون الإنتاج في المواقع النفطية بمحافظة تطاوين للمطالبة بتطبيق وعود حكومية تعود إلى عام 2017 (عهد حكومة يوسف الشاهد) بتوظيف آلاف العاطلين وإنشاء صندوق استثمار لصالح الجهة.

وجرى في 16 يوليو إثر استقالة حكومة إلياس الفخفاخ إغلاق منصة الأنابيب التي تنقل نصف الإنتاج النفطي التونسي في موقع الكامور.

وبدأت حكومة هشام المشيشي منذ أسابيع حوارا مع ممثلين عن المنطقة بينهم مسؤولون نقابيون وأعضاء من “تنسيقية اعتصام الكامور” التي نظمت الاحتجاجات وعطلت إنتاج النفط.

وأعلن رئيس الحكومة في بيان نشر ليل الجمعة السبت “التوصل إلى حلّ نهائي بولاية (محافظة) تطاوين (…) وعليه فإن استئناف النشاط بالنسبة إلى الشركات العامة بالمجال الطاقيّ في الجهة سيتم بصورة طبيعية انطلاقا من يوم السبت (القادم)”.

ويشمل الاتفاق خاصة توظيف نحو 700 من سكان تطاوين وتمويل صندوق استثمار ومنح ألف قرض لإنشاء مشاريع في المنطقة.

وأوضحت “تنسيقية اعتصام الكامور” على صفحتها بفيسبوك أنه بموجب الاتفاق ستمول الدولة سنويا صندوق الاستثمار بـ80 مليون دينار (نحو 25 مليون يورو) وتوظف ألف شخص بحلول نهاية 2020.

وتتجاوز نسبة البطالة في تطاوين 30 في المئة، وهي من بين أعلى النسب لدى محافظات البلاد، كما أدت أزمة وباء كورونا وتداعياتها إلى إلغاء آلاف الوظائف وعطلت التجارة الحدودية التي تمثل مصدر رزق لكثير من العائلات. ويناهز إنتاج تونس النفطي 40 ألف برميل يوميا، يستخرج نحو 55 في المئة منه من حقول تطاوين.

4