مجلة "الأقلام" العراقية أمام اختبار جديد بعد نصف قرن على صدورها

هل ستتغلب المجلة على العقبات وتستعيد بريقها الثقافي؟
الأربعاء 2021/06/09
المجلات أمام رهان صعب (لوحة للفنان سيروان باران)

كان للمجلات الثقافية العربية دور هام في الحراك الثقافي، حيث قدمت أهم الأسماء والتجارب الأدبية والفنية وأثارت العديد من القضايا الفكرية والفنية والأدبية الهامة، وكانت في صدارة المشهد الثقافي، لكن كل ذلك تراجع، فيما مازالت بعض المجلات تحاول أن تحافظ على وظيفتها الريادية على غرار مجلة "الأقلام العراقية".

شكّلت مجلة الأقلام العراقية، منذ صدورها في شهر سبتمبر سنة 1964، منبرا ثقافيا عربيا متميزا استقطب كبار الأدباء والكتاب العرب، وجاء في ترويستها أنها “مجلة فكرية عامة تصدرها وزارة الثقافة والإرشاد”.

صدر من المجلة خلال عقدها الأول 118 عددا نشر فيها 1123 كاتبا عراقيا وعربيا، نذكر منهم: نازك الملائكة، عبدالوهاب البياتي، سعدي يوسف، الطيب صالح، صلاح عبدالصبور، جمال الغيطاني، سهير القلماوي، طه باقر، مصطفى جواد، لويس عوض، علي الراعي، هاشم محمد الخطاط، عبدالرحمن منيف، غالي شكري، يوسف عزالدين، شكري محمد عياد، حميد سعيد، عبدالرحمن مجيد الربيعي، علي جعفر العلاق، سميرة عزام، ويوسف السباعي وغيرهم.

المجلة والأدب الحديث

نشرت مجلة “الأقلام” لقاءات مع فنانين كبار أمثال إسماعيل الشيخلي، أكرم شكري، حافظ الدروبي، شاكر حسن آل سعيد، عطا صبري، فائق حسن، فرج عبو ونزيهة سليم. كما تضمنت أعدادها مناقشة قضايا وإشكاليات فكرية وأدبية، منها “الأدب النسوي في العراق”، “التراث العربي وطريقة إعادة بنائه”، “الرواية في العراق”، “اللغة الأدبية ومسألة تطويرها”، وقد أسهم في هذه المناقشات شعراء وأدباء ومفكرون معروفون منهم لميعة عباس عمارة، سعدي يوسف، جبرا إبراهيم جبرا، فاضل العزاوي وغيرهم.

كما نشرت المجلة نصوصا مسرحية مهمة، أُنتج بعضها، ليوسف العاني، قاسم محمد، جليل القيسي، عبدالكريم برشيد، محيي الدين زنكنة، معد الجبوري، وليد إخلاصي، بنيان صالح، حمدة خميس، سعدون العبيدي، وآخرين.

وقد تباينت آراء الباحثين والدارسين في المواد والملاحق التي نشرتها، وتوجهاتها خلال المراحل التي مرّت بها طوال ما يزيد على نصف قرن من عمرها.

وفي هذا الصدد ذهب أحد الباحثين إلى أن المجلة “سارت على نهج لم تخرج عنه، يمكن أن تسميه سريعاً بالنهج الثقافي الأدبي لنظام الحكم، فقد كانت المجلة مغلقة على كتاب بعينهم، عرب وعراقيين، وقد أتحدث عن إحصائية سريعة لأسماء بعينها كانت المجلة ملتزمة بالنشر لهم، في المقابل جرى حرمان أغلب الكتاب الشباب، ومن هم سابقون عليهم ممن لا يتفقون مع النظام، أو ممن لدى النظام ملاحظات على ما ينشرون خارج المجلة”.

الحصار وذبول المكافأة وهيمنة الخطابات المؤدلجة والقطيعة العربية أسهمت في انغلاق المجلة وتحولها إلى منشور محلي

وأضاف الباحث نفسه أن المجلة، دخلت بعد سقوط النظام السابق عام 2003، مرحلة التخبط بحثا عن سياسة تتبعها في النشر، وكان عليها أن تواجه نفسها من جديد، فلمن تنشر، وما هي سمة النصوص، بل ما هي سمة النص “المعتبر” الذي تعتمده في النشر، والأهم من هو الذي يحدد هذه الأمور؟ لقد تُرك الأمر للعشوائية، وقطعاً لثقافة مدير التحرير وسياسته. ومن يقرأ أعداد المجلة حتى عام 2008 يلاحظ موتا سريريا لها، بل صارت تنشر نصوصا لم تكن تجرأ جريدة شعبية على نشرها؛ لضعفها وتفككها، ومثلها من دراسات مال أغلبها إلى لضعف وقلة الاعتبار!

وكتب الشاعر سامي مهدي، الذي تولى رئاسة تحريرها مدة، أن هيئة تحرير المجلة في بداية صدورها كانت منحازة إلى القيم المحافظة في الأدب، ففرضت انحيازها هذا على المجلة، ووقفت منذ البدء في الضد من القيم الجديدة في الأدب، لذا كان بينها وبين الجيل الجديد أكثر من سور. لكن المجلة سرعان ما انفتحت على الجديد من الشعر والقصة والفن التشكيلي، وكان لا بد أن تتغير، ويصبح الحديث فيها عن السياب وغير السياب حرا بلا قيود، وقد حدث ذلك أواخر الستينات من القرن الماضي وأوائل السبعينات، ومما يلفت النظر أنها صارت تضع في ترويستها أنها “مجل تعنى بالأدب الحديث”، وصار للأدباء والشعراء وكتاب القصة من الشباب مجال كبير في صفحات المجلة.

وخصصت الباحثة العراقية ولاء إسماعيل كتابها، الصادر عام 2017، لدراسة النقدية العراقية في مجلة الأقلام في ثلاثة فصول، متتبعة ما نشر فيها منذ عام 1990 حتى 2003، وبينت أنها اختارت هذه المجلة نموذجا لبحثها لأنها كانت قادرة على تمثيل الخطاب النقدي العراقي، واستيعابها للتوجهات النقدية الحديثة، وارتباطها بالتراكمات النقدية.

لكن المجلة عانت خلال العقدين الماضيين من التراجع والتوقف لأسباب مختلفة، واليوم يُعاد إصدارها من جديد بطموح يتسق مع أهميتها، فهل ستستعيد بريقها الثقافي، أم ستواجه عقبات؟

عودة المجلة

Thumbnail

يقول الشاعر والناقد عارف الساعدي، مدير عام دار الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة العراقية ورئيس تحرير الأقلام حاليا، “مرة كنت في مسقط في مهرجان أثير، وقد ذكرت الحادثة التي سأتحدث بها أكثر من مرة، فقد كانت جلسة نقدية تحدث فيها مجموعة من النقاد، من ضمنهم الدكتور الشاعر علي جعفر العلاق، ودار حديث بينه وبين الناقد السعودي المعروف الدكتور سعيد السريحي، وقد وجه العلاق سؤالا للسريحي مفاده: لماذا اختفى الحديث عن الحداثة وجدلها وتداعياتها بشكل لافت مقارنة بفترة السبعينات والثمانينات، فأجابه السريحي: توقف الحديث عن الحداثة يوم توقفت مجلة الأقلام وابتعدت عنا. كان جواب السريحي أشبه بالصدمة بالنسبة إلي، ذلك أنني بدأت استشعر أهمية مجلة الأقلام بالنسبة إلى المثقفين العرب ودورها الريادي في توجيه الفكر ونشر الجمال”.

ويؤكد الساعدي أن المجلة بقيت طوال سنوات الحصار، وما بعد 2003، مستمرة في الصدور، لكنها خافتة الحضور، فالقطيعة العربية أسهمت في انغلاق المجلة وتحولها إلى منشور محلي لا يعبر الحدود، وينشر فقط للمتواجدين أمام العين لأسباب كثيرة منها سياسية في زمن الحصار، وذبول المكافأة، وهيمنة الخطابات المؤدلجة، واستمرت القطيعة بعد 2003 أيضا، بل اتخذت أشكالا أخرى، لكن المجلة واصلت صدورها رغم تراجعها من شهرية إلى دورية إلى فصلية، ووصل الحال إلى عددين في السنة.

ويضيف الساعدي “أما الآن فإن الوضع مختلف، فلم تعد القطيعة كما كانت في السابق، والمجلة بعد أن استلمتُ إدارتها مع هيئة تحرير جديدة أصبحت منفتحة على خطابات متنوعة، دون حساسية سياسية أو فكرية، وهدفنا هو صناعة الجمال وتتبع مساقطه، وقد وجدنا استجابة عربية ممتازة جدا بدأت بأدونيس الذي دخلنا في حوار مطول معه، وكان منشرحا معنا تمام الانشراح، فضلا عن أسماء عربية مهمة كعبدالله الغذامي، ومنصف الوهايبي، وأسماء مهمة أخرى. وبهذا حققنا معادلة مهمة في هذا الإطار. وبقي شيء آخر يؤثر على عملنا وهو التسويق، فما زلنا فقراء في إيصال منشوراتنا للعالم العربي، وما زلنا نفكر بطرق عديدة لتذليل هذه الصعوبة، أملا بإعادة مشروع النشر العربي المشترك”.

ويرى القاص والروائي عبدالستار البيضاني رئيس تحرير الأقلام السابق أن المجلات الثقافية لا تتطور وتنتعش بالنوايا والأموال فقط، حتى إذا توفر لها كادر يمتلك ثقافة ووعيا مقرونين بخبرة مهنية صحفية تلتقط حساسية الحياة الثقافية ويتفاعل معها، إذ يُشترط مع هذين العاملين وجود مناخ أدبي وبيئة ثقافية متفاعلة، لأن هيئة التحرير أو رئيس التحرير لا يمكنه أن يكتب القصة والشعر والنقد وغيرها من الأجناس الأدبية بشروطه الإبداعية لكي يحقق نواياه في التطوير! والمحرر في المجلة لا يمكنه أن يعيد صياغة القصة أو القصيدة كما يفعل المحرر في الصحافة العامة، وتاريخ المجلات الأدبية العربية يؤكد لنا أن المجلات الفاعلة أنتجتها كوادر بسيطة، إن لم نقل من خلال جهود فردية، وليس مؤسسات ثقافية كبرى في كوادرها ومبانيها، كما نجد ذلك في مجلتي الآداب والكرمل“.

ويضيف البيضاني “عندما انتعشت مجلة الأقلام، في الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات، كانت توجد أجيال وأسماء أدبية كبيرة منتجة ومحتدمة في صراعاتها الفكرية والفنية ترفدها بنتاجاتها المستوفية لأرقى شروطها الفنية، مع وجود رصد نقدي يراقب كل شيء، إضافة إلى توفر كادر مهني من الأسماء المعروفة. ولكي يتحسس القارئ عمق الفجوة بين المرحلتين، أشير إلى أن أول قصة نشرت لي في مجلة الأقلام في بداية الثمانينات فُحصت من طرف ثلاثة قصاصين من ذوي الخبرة، إضافة إلى سكرتير التحرير الذي هو ناقد معروف. أما عندما تسلمت رئاسة تحرير المجلة في العام 2016 فلم يكن معي غير موظفتين فقط للمتابعة والتنضيد، ولا يوجد أي محرر أو فاحص”.

وفي الختام، يرجو البيضاني أن تتوفر جميع هذه الشروط لإدارة التحرير الجديدة، التي تعمل بجد على استعادة المجلة لمكانتها، وهي إدارة واعية وطموحة، ويأمل أن تجتاز جميع العقبات.

15