كُتاب خارجون عن القانون

في مكان آخر وفي كل اللحظات يكون هنا كُتاب يأتون إلى الإبداع وإلى الكتابة من ردهات الجريمة وأقبيتها السرية، طالعين علينا بأعمال قد تحظى باهتمام الرأي العام الثقافي أكثر مما تحظى بها الأعمال الإبداعية الكبرى والخالدة.
السبت 2018/07/21
اللص الشهير المعروف بالمثقف

تَبخَّر رضوان الفايد مخلفا وراءه حكاية هروب جديدة من سجنه الفرنسي، لم يستطع بعد عتاةُ المحققين تفكيك خيوطها. إنه اللص الشهير المعروف بالمثقف، بفضل خرجاته الإعلامية، حيث اعتاد أن يكون ضيف برامج التلفزيون الفرنسية الشهيرة، وأيضا بفضل كتابه “اللص”، الصادر قبل ثماني سنوات. في هذا الكتاب، يحرص الفايد على تقديم صورته كمجرم لا يترك وراءه أي قطرة دم وعلى إعادة رسم مساره، حيث هاجم أول بنك وهو ما زال تلميذا في الثانوي، مستلهما تجربته من أفلام الجريمة وأيضا من قراءاته للروايات البوليسية، وأيضا من طبيعة شخصيته. وهو على الأقل ما يشهد به الصحافي الفرنسي جيروم بيرا، الذي ساهم في إعداد كتاب الفايد، حيث يقر بأن الرجل شاب أنيق ولطيف وليس من نوع شبان مدينة مارسيليا الفرنسية الذين يمكن أن يتقاتلوا بسبب حفنة مخدرات.

وإذا كانت مخيلتنا كقراء قد تعلقت بأبطال الروايات من المجرمين أو الخارجين عن القانون، ومنهم أرسين لوبين الذي كان يُعرف باللص الظريف وهي الشخصية التي أطلقها الروائي الفرنسي موريس لوبلان، أو شخصية زورو التي كان قد أبدعها الروائي الأميركي جانستون ماكولي، رغم الصورة الخيرة للشخصية، ففي مكان آخر وفي كل اللحظات يكون هنا كُتاب يأتون إلى الإبداع وإلى الكتابة من ردهات الجريمة وأقبيتها السرية، طالعين علينا بأعمال قد تحظى باهتمام الرأي العام الثقافي أكثر مما تحظى بها الأعمال الإبداعية الكبرى والخالدة.

إنهم الذين يأتون من عالم الجريمة أو التجسس أو الخيانة. أما ما يجمعهم فهو رغبتهم في البحث إما عن تبرئة ما أو عن صك غفران، أو عن المزيد من الأضواء من باب الانتعاش، أو نيتهُم في التحايل على الرأي العام في انتظار ارتكاب جرائم أخرى. وفي جميع الأحوال، ينسج كل هؤلاء كتابةً قد تبدو مختلفة ومتفردة، إذ تفوح منها روائح الجرائم، وإن كانت هناك نصوص تظل استثنائية بفضل حبكتها وقيمتهما الإبداعية، كما هو الأمر بالنسبة لرواية “معجزة الوردة” للكاتب الفرنسي الشهير جون جونيه التي يدون فيها حياته داخل السجن الذي ولجه في الثالثة عشرة من عمره.

ولأنه لا حدود لعوالم الجريمة، قد لا يبدو غريبا أن يصير نص روائي دليلا على ما اقترفه صاحبه في الواقع. أما الحكاية فتعود إلى العقد السابق، حيث تم الوصول إلى تفكيك خيوط جريمة كان ضحيتها رجل أعمال، بسبب التشابه بين أحداثها وبين تفاصيل ما جاء في رواية “أموك” للكاتب البولوني كريستيان بالا الصادرة بعد ثلاث سنوات على ارتكاب الجريمة. ولم يكن القاتل سوى الكاتب نفسه.

إذا كان كل هؤلاء يشتركون في جرائم مادية تُخلف في جميع الأحوال ضحايا من لحم ودم، فثمة آخرون يرتكبون جرائم يومية باسم الكتابة وداخلها، بدون عقاب.

15