كورونا يحول استعمال مواد التنظيف إلى هوس مضر بالصحة

دفعت حالة الهلع من تفشي فايروس كورونا النساء للإقبال على شراء وسائل التنظيف وأدوات التعقيم والمطهرات بكميات كبيرة وتخزينها خشية نفادها، لكن الإفراط في استعمالها بشكل عشوائي وبكميات هائلة حرصا منهن على القضاء على الفايروس أوقعهن في مشكلات صحية أوشكت أن تودي بأسرهن إلى الموت.
رافق الإعلان عن الحالات الأولى للإصابات المؤكدة بفايروس كورونا المستجد ارتفاع في معدل شراء مواد التنظيف وأدوات التعقيم بمختلف دول العالم، اعتقادا من النساء بأن كثرة تنظيف المكان قد تقضي على الفايروس نهائيا.
وقال مسؤول بأحد الفضاءات التجارية الكبرى في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء إن الإقبال على مواد التنظيف ارتفع مرة ونصف المرة عن الأيام العادية، كما أكدت مواقع إعلامية أن النساء الجزائريات أصبحن يضاعفن كمية المواد المطهرة، ظنا منهن أنه كلما زادت، كان مفعولها أقوى على الجراثيم، دون دراية منهن بمخاطر الاستعمال السيء لتلك المواد. وأشارت إلى أن مواد التنظيف تحتوي على عناصر كيميائية خطيرة على صحة الإنسان حتى بالشم فقط وليس بالملامسة.
وأكدت ريحينا فيلبس، الخبيرة الأميركية في إدارة الأزمات وأخطار الأوبئة أنه لا يمكن العثور على مواد تنظيف أو مناديل معقمة لأن الناس في حالة ذعر.
وقالت فيلبس إن الناس الآن مهووسون بشراء جميع أنواع مستلزمات التنظيف، خاصة معقمات اليدين وذلك من أجل مكافحة الفايروس، مشيرة إلى أن كل ما يحتاج إليه الشخص في هذه الأزمة هو المبيِّض وصابون اليد للتنظيف وتطهير المنزل.
وكشفت دراسة دولية أن النساء اللاتي يستخدمن مواد التنظيف بشكل منتظم قد يواجهن تدهورا أكبر في وظائف الرئة مع مرور الوقت.
وقال الباحثون إن المرأة التي تستخدم مواد التنظيف مرة واحدة أسبوعيا على الأقل تكون عرضة لتدهور الرئة أكثر من التي لا تفعل ذلك.
وأكد الخبراء أن أدوات التنظيف تحتوي على مواد تؤثر على الخصوبة وتقلص فرص الإنجاب، سواء لدى المرأة أو الرجل، وهذا بمجرد تكرار ملامستها خاصة إذا كان تركيزها مرتفعا.
وأشاروا إلى أنه توجد بمواد التنظيف مادة “الأمونيا” التي تسبب مشكلات في التنفس خاصة لدى المصابين بحساسية الأنف، وأيضا عنصر “الديوكسان” المصنف من طرف بعض المختصين في خانة المواد المسببة للسرطان.
كما أكدوا أن مادة الكلور تحدث حروقا على مستوى الجلد، قد تصل لتورمات عند الإفراط في استخدامها دون واقيات. وفي دراسة نشرتها كلية الفيزيائيين والجراحين في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة تم التأكيد على أن هنالك ما يقارب سبعة ملايين حالة تسمم تسجل في أميركا سنويا نتيجة استخدام هذه المواد في المنزل، وأن 75 في المئة من هذه الحالات تخص أطفالا تحت سن السادسة.
وأكدت حنان المزوغي امرأة في عقدها الخامس أن استعمالها المتكرر لمواد التنظيف منذ أن تم الإعلان عن خبر تفشي فايروس كورونا أصابها بالتهاب في اليدين لأنها كانت تنظف دون استعمال قفازات.
وقالت لـ”العرب” “كنت أعتقد أن استعمالي لمادة الكلور دون ارتداء قفازات سيحميني أكثر من الجراثيم والفايروسات لأنه سيقضي عليها دون حواجز، لكن ذلك أدى إلى اهتراء جلدي، ما جعلني غير قادرة حتى على مسك الأشياء”. وأضافت أن إدمانها على استعمال مطهر الكلور جعلها تلتجئ الى استعمال المراهم لتخفيف حدة الالتهابات.
وقد أكد الدكتور سليم الخضري الطبيب المختص في أمراض الجلدة أن الاستعمال المفرط لمواد التنظيف وخاصة “الجفال” (مطهر به تركيز عال لمادة الكلور) من شأنه أن يصيب الجلد بالجفاف والإكزيما.
وقال إن المواد الموجودة بمطهر الكلور هي التي تتسبب في تهيج الجلد وتقرح البشرة، موصيا بترشيد استخدام وسائل التنظيف وضرورة استعمالها مع أساليب الوقاية كارتداء القفازات.
وأكد عبدالعزيز بن جعفر، الرجل الستيني، أن استعمال زوجته المفرط لمواد التنظيف أدى إلى إصابته بضيق التنفس، خاصة وأنه كان يشتكي من قبل من الحساسية مما استلزم استعانته بدواء يخفف من التهاب الشعب الهوائية.
وقال “مند انتشار فايروس كورونا أصيبت زوجتي بهوس النظافة وأصبحت تتنقل في كامل أرجاء البيت مصحوبة بقطعة قماش مبللة بماء الجافال تأتي بها على أركانه وعلى مقابض الأبواب ولوح النوافذ وكل ما من شأنه أن يكون مصدرا لاختباء الفايروس حسب اعتقادها”.
وأضاف “لم أفلح في إقناع زوجتي أن مجرد استعمال معقم يمكن أن يقضي على الفايروس وأن ارتداء الكمامات أنجع من الاستعمال العشوائي لمواد التنظيف”.
وأشار إلى أنها كانت تفرض على أفراد الأسرة أن يغمسوا سيقانهم في كمية من الماء مخلوطة بالجافال والخل، ظنا منها أن الفايروس يمكن أن يكون قد اختبأ في أحذيتهم وتسلل منها إلى سيقانهم وبالتالي وجب القضاء عليه بتلك الخلطة.
وقد التجأت بعض النساء إلى إعداد مستحضرات منزلية وخلطات شديدة الخطورة تتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك أمام نفاد مواد التعقيم والتنظيف من الأسواق والمحلات التجارية. وقد حذر مصباح لحول الأستاذ الجامعي و الباحث في البيولوجيا بجامعة جيجل الجزائرية من استعمالها، مشيرا إلى أنها تحتوي على تركيبات سامة تؤثر على صحة وسلامة من يحضرها ومن يستعملها.
وقال إنه من غير المعقول أو المقبول أن يتم خلط ماء الجافال والكحول والخل، داعيا إلى ضرورة استعمال مواد التنظيف والتعقيم العادية التي ضبطت تركيبتها بنسب معينة. وأشار الباحث إلى أن تلك الخلطات تعتبر خطيرة، مؤكدا أن الخل ليس مطهرا وخلطه مع مادة الجافال أو الكحول يشكل مادة سامة.
وأوضح فيليب ديكى أستاذ السموم الأميركي، أن منتجات التنظيف الأكثر خطورة على الإطلاق هي منظفات الصرف المسببة للتآكل ومنظفات الأفران ومنظفات المرحاض الحمضية، حيث يمكن أن تسبب حروقا شديدة على العينين والجلد، وإذا تم بلعها تسبب حروق الحلق والمريء.
وقال ديكى إن المكونات ذات السمية الحادة العالية هي الكلور والأمونيا، التي تنتج الأبخرة وتهيج العيون والأنف والحلق والرئتين، مشيرا إلى أن استخدامها من قبل الأشخاص الذين يعانون من الربو وأمراض القلب والرئة يشكل خطرا على صحتهم.
وأشار إلى أن هاتين المادتين الكيميائيتين تشكلان تهديدا إضافيا من حيث تفاعلهما مع بعضهما البعض أو مع مواد كيميائية أخرى لتنتج غازات تدمر الرئة، وأن الجمع بين المنتجات التي تحتوي على الكلور والأمونيا ينتج غاز الكلورامين السام.
وأكد أن العطور التي تضاف إلى العديد من منتجات النظافة، أبرزها منظفات الغسيل والألياف النسيجية، قد تسبب آثارا حادة مثل تهيج الجهاز التنفسي والصداع والعطس أو الحساسية والربو.
وحتى تكون عملية التنظيف ناجعة ودون مخاطر نصحت فاطمة نبعة الأخصائية النفسية والناشطة في منظمة الأمم المتحدة للطفولة بألا تبالغ النساء في استخدام المعقمات والمطهرات وأن يلتجئن لقشر الليمون ونبات الخزامى عند تنظيف الأرضيات لقدرتهما الهائلة على التطهير.
وقالت نبعة إن الطريقة المثالية للتنظيف والتطهير تكون باستخدام المياه النظيفة والدافئة لشطف بقايا المنظفات المنزلية ثم التطهير باستعمال مبيض منزلي، إضافة إلى فتح المنازل يوميا لتهوية المكان.