كورونا فرصة لتصفية حسابات سياسية إلكترونيا في مصر

التوظيف السياسي لأزمة كورونا من جانب بعض المصابين المختلفين مع الحكومة يثير استياء الفريق الداعم لها والذي أثنى على الإجراءات التي تتخذها الدولة.
الأربعاء 2020/04/08
انتقام سياسي

القاهرة- تحولت الصفحات الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي لبعض المصابين بفايروس كورونا الخاضعين للحجر الصحي في مصر، إلى مادة للاستقطاب السياسي بين مؤيدي الحكومة ومعارضيها.

واستثمر عدد من المصابين والمحتجزين بالحجر الصحي متابعة الرأي العام لهم، لتوظيف الأمر وفق تقديراته الخاصة، فهناك من انشغل برصد السلبيات وإثارة الهلع، وآخرون ردوا بطمأنة المتابعين.

وقررت نقابة الموسيقيين، السبت، فتح تحقيق مع المطربة إيناس عزالدين ووقفها عن العمل والتلويح بشطبها، لاتهامها بإثارة الفزع والبلبلة وتشويه صورة الحكومة، في وقت يتطلب من المصريين التلاحم والالتفاف خلفها لمواجهة جائحة كورونا.

نسبت النقابة إلى عزالدين، أنها قامت بنشر مقاطع فيديو من داخل المستشفى الذي تُعالج فيه بعد اشتباه إصابتها بالفايروس القاتل، ذكرت فيه أنه لا يوجد الحد الأدنى من النظافة والرعاية الصحية، ما أثار حالة من الهلع لدى الجمهور.

وكانت مقاطع الفيديو أثارت ضجة على شبكات التواصل الاجتماعي، ما دفع مسؤولين للحديث إلى الرأي العام. وسار كثيرون على نهج عزالدين، بتصوير مقاطع فيديو من داخل الحجر الصحي، ادّعوا فيها وجود أغذية فاسدة ومعاملة سيئة من الأطقم الطبية، وكان هؤلاء من العائدين من الخارج، في محاولة للضغط على الحكومة لإخراجهم من العزل الفندقي الإجباري والسماح لهم بالعودة إلى منازلهم، وهو ما رفضته الجهات الرسمية.

ويقول معلقون إن ما يلفت الانتباه، هو أن منشورات بعض المحتجزين بالحجر الصحي تعكس تشدد أصحابها، مثل “يا حكومة كافرة”، “يا وزارة صحة الانقلاب”، “افتحوا القصور الرئاسية بدلا من هذه الفنادق غير الآدمية” وهي نفس الشعارات التي يرددها أنصار جماعة الإخوان.

وسار الإعلامي أحمد منصور، مذيع قناة الجزيرة القطرية، على نفس النهج، بنشر تدوينة هاجم فيها الحكومة لإرسالها مساعدات طبية إلى إيطاليا، في حين أن شعبها يموت ولا يجد الأطباء احتياجاتهم.

المثير للريبة، أن منصور نفسه، تباهى بموقف النظام التركي في تدوينة أخرى لأنها أرسلت مساعدات إلى إيطاليا عندما تخلت عنها أوروبا، ورغم أن تركيا بدت عاجزة عن مواجهة الوباء، وقد أظهرت أعداد المصابين والوفيات أن الأمور خرجت عن السيطرة.

وأثار التوظيف السياسي للأزمة من جانب بعض المصابين المختلفين مع الحكومة استياء الفريق الداعم لها، ما دفعهم للرد بمنشورات ومقاطع فيديو مغايرة، أثنوا فيها على الإجراءات التي تتخذها الدولة في منع انتشار الوباء وحسن المعاملة وتميز الفرق الطبية.

تكفي مطالعة الحسابات الشخصية للطرفين، المؤيد والمناهض للحكومة، لاكتشاف حجم المتابعة اللحظية لكل ما يتم نشره، ولكل منهما جمهوره الخاص الذي يصدّق الرواية وينشرها على نطاق واسع. ويتلقف أنصار جماعة الإخوان مقاطع الفيديو المناهضة لاستخدامها كأداة ضد النظام ومحاولة إثارة الرأي العام ضد الحكومة.

خالد برماوي: العراك السياسي بين المؤيدين والمعارضين على شبكات التواصل والمنابر الإعلامية، أفقد الأزمة إنسانيتها
خالد برماوي: العراك السياسي بين المؤيدين والمعارضين على شبكات التواصل والمنابر الإعلامية، أفقد الأزمة إنسانيتها

وقال خالد برماوي، الخبير في الإعلام الرقمي، إن الأزمة تكمن في أن كل طرف يلعب على وتر التعاطف الشعبي مع المصاب بفايروس كورونا، والأغلبية ترى أن كلامه مصدقا، لأنه في ظرف صحي وإنساني لا يسمح بالكذب، لكن التدقيق يبين أن وراء كلامه بعض الأهداف السياسية.

وأضاف لـ”العرب”، أن محاولة توصيف الأزمة العالمية على أنها خطأ حكومي، يعكس الإصرار على إصباغها بطابع سياسي هدفه الانتقام باللعب على مشاعر الناس التي لن تقبل بالتقصير، والخطورة أن بعض المنابر الإعلامية تمارس الدور ذاته، وجعلت الحسابات الشخصية للمصابين المعارضين مادة للحصول على معلومات تخالف بعض البيانات الرسمية.

وهذا ما جعل القطاع الأكبر من الناس على منصات التواصل تصنف منشورات الفريق المعارض على أنه انتقام سياسي، وأن بعض الأشخاص الذين من المفترض أنهم من المناوئين لكثير من قرارات الحكومة وتوجهاتها السياسية، أثنوا عليها، وكانت منشورات هؤلاء تحظى بمصداقية عالية.

وما يعمق الاستقطاب السياسي أن قنوات الإخوان التي تبث من تركيا وقطر، تلقفت المقاطع المصورة من بعض المصابين والمحتجزين في الحجر الصحي التي ركزت على سلبيات إجراءات مواجهة كورونا، واستخدمتها أداة لتشويه صورة المؤسسات الطبية في مصر.

وأثار تحويل الإعلام الإخواني للأزمة الإنسانية إلى انتقام سياسي من النظام المصري حفيظة الكثير من مستخدمي منصات التواصل، إلى درجة بلغت حدّ المطالبة بمحاكمة المصابين والمقيمين في الحجر الصحي بتهمة تغذية المنابر المعادية بالمعلومات، وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، بعدما كانت الأغلبية ترفع شعار الاصطفاف لعبور الأزمة.

وسارت القنوات الفضائية الرسمية على النهج نفسه، ببث التدوينات والفيديوهات الداعمة لإجراءات الدولة التي ينشرها المصابون والمحتجزون صحيا من مؤيدي الحكومة للرد على المنابر الإعلامية المحسوبة على جماعة الإخوان التي عمدت إلى إصباغ الأزمة الإنسانية بأخرى سياسية، في محاولة لاستعادة جماهيريتها.

وأكد خالد برماوي، أن العراك السياسي بين المؤيدين والمعارضين على شبكات التواصل والمنابر الإعلامية، أفقد الأزمة إنسانيتها، لأن التركيز على أمور هامشية بعيدا عن أساس المشكلة يجعل الأغلبية تفقد الشعور بالأمان والطمأنينة وتنظر إلى المستقبل بتشاؤم، ما يؤثر سلبا على صانع القرار، ويضاعف الضغوط الواقعة عليه من الطرفين.

19