كهربة النقل طموح تونسي معلق حتى إشعار آخر

نتيجة بطء التحول الأخضر، وخاصة على مستوى التنقل الذي يعد مشكلة مزمنة بالنسبة للسكان، تبدو تونس ببساطة متخلفة عن ركب السيارات الكهربائية والهجينة التي بدأت تشق طريقها في العديد من البلدان، بما في ذلك عدد محدود من الدول العربية، مثل الإمارات والسعودية والأردن ومصر والمغرب، لأسباب كثيرة أهمها غياب إستراتيجية مقنعة يمكن التعويل عليها أو تحمل في طياتها بعض التفاؤل.
هذه الفئة من وسائل النقل لا تلقى رواجا بين التونسيين. هذا صحيح، فالأرقام الرسمية تعطينا فكرة واضحة عن ذلك، ولا يسعنا سوى تفكيكها مع إسقاط فرضية التشكيك فيها لأنها صادرة من جهات حكومية. لك أن تتخيل أن هناك 150 سيارة كهربائية فقط تجوب الشوارع، وعلى الأرجح مُلاكها هم من ميسوري الحال. هذا الرقم بعيد جدا عن المستهدف، الذي وضعته الدولة وحددته بخمسة آلاف سيارة في نهاية عام 2025، و50 ألف سيارة مع حلول 2030.
لماذا يعزف التونسيون عنها؟ وهل وفرت الحكومة البنية التحتية الخاصة بها مع ما يتماشى مع أهدافها؟ الإجابة عن هذين الاستفسارين ليس فيهما أي اجتهاد، وبإمكان أي تونسي عادي أن يستخلص ذلك بالقول: لا، فكل ما نسمعه من المسؤولين حول إعداد أرضية لذلك سواء قانونية أو استثمارية أو بتقديم الدعم، مجرد كلام عام لا يتجاوز حدود الاستهلاك الإعلامي أو الكلام الإنشائي.
كهربة النقل في شوارعنا يفترض أن تكون التزاما قبل أن تكون خيارا، ما دام ثمة من يفكرون فيها ويريدون تنفيذها ليس لأنها مهمة لتنشيط تجارة هذا القطاع الناشئ، بل لأنها مهمة في دورة مسح البصمة الكربونية
الأمر الآخر هو ما فائدة الدراسات التي يقوم بها فريق موسع يتكون من عدة وزارات على رأسها وزارة الانتقال الطاقي، بالشراكة مع الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة والشركة التونسية للكهرباء والغاز (ستاغ) وغرفة وكلاء السيارات، إذا لم تتم الاستفادة منها وترجمة محتواها على أرض الواقع لتظهر تونس أنها جادة في جعل التنقل الكهربائي جزءا مهما ضمن شبكة النقل التي تشكو من التهالك.
بحكم قربنا من حياة الناس اليومية، فمن النادر أن تلمس من خلال أحاديث التونسيين أن ثمة من يفكر في امتلاك مركبة تعمل ببطارية الليثيوم أصلا، لأنهم يعتقدون أن إدخال السيارات الكهربائية في التنقل تحد معقد يتطلب نهجا متعدد الأبعاد. بينما تشكل الاستثمارات في البنية التحتية والسياسات الحكومية التحفيزية والتعليم العام أمورا ضرورية للتغلب على العقبات التي تعيق التحول المبتكر والنظيف.
لنكن واقعيين أكثر، فرغم بعض المبادرات للتشجيع على امتلاك طراز كهربائي أو هجين، تبرز عوامل رئيسية تعطينا لمحة بأن هذه النوعية تكافح من أجل ترسيخ مكانتها في السوق المحلية، أولها ندرة محطات الشحن، وحاليا، تظل إعادة الشحن بمثابة صداع للسائق، إلى درجة أن الخدمة المجهزة بهذه المحطات يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة، ثم إن الكثيرين لا يعرفون أماكنها، إما بسبب ضعف الدعاية من قبل الجهات المعنية، أو ربما لتقصير من وسائل الإعلام.
في تونس لا يوجد سوى 50 محطة شحن فقط من هدف يبلغ 160 محطة بنهاية العام 2025، وهو عدد غير كاف إلى حد كبير لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمستخدمين المحتملين. وعلى سبيل المقارنة مع البلدان المغاربية، تعمل الجزائر على استكمال تركيب ألف نقطة شحن في 2024، بينما يقوم المغرب بتعزيز البنية التحتية للشحن، حيث يمتلك حاليا 152 نقطة فقط، وهو يسعى لزيادة المحطات لتبلغ 5 آلاف بحلول 2028.
أما المطب الثاني، فيتمثل في الكلفة الباهظة، حيث إن أسعار السيارات الكهربائية لا تزال مرتفعة مقارنة بالمركبات التقليدية ليس في تونس فقط، ولكن في كل أسواق العالم أيضا، ما يجعلها غير متاحة للكثيرين رغم أن الدولة تشجع الراغبين في امتلاك واحدة منها بدعم مالي يبلغ 10 آلاف دينار (3270 دولارا). كما أن أسعار الوقود مثل البنزين والديزل لا تزال نسبيا معقولة بالنسبة للتونسيين، مما يقلل من الحافز للانتقال إلى الكهرباء.
إن كانت الدولة واعية فعلا بأن برنامجها بالإمكان تحقيقه رغم كل المنغصات عندما ننظر إلى دول المقارنة في منطقتنا العربية، فهذا جيد للدخول في مرحلة التنفيذ بتذليل الصعوبات الكثيرة والمعقدة
ثالث الأسباب يتمحور في شقين يبدوان مترابطين نوعا ما، وهو نقص الوعي بفوائد السيارات الكهربائية تزامنا مع انتشار معلومات غير دقيقة حولها يمكن أن يعيق قبولها أساسا، والخوف من امتلاك طراز يعمل بالبطارية، حيث قد يثير نقص مراكز الصيانة وقطع الغيار الخاصة بهذه الفئة القلق لدى المستهلكين، وبالتالي قد يصرفون النظر عن الشراء، وهو وضع يجعل من تنفيذ خطط الحكومة أمرا بالغ الصعوبة في غياب الاقتناع بالمبررات.
إذا، السلطات والقائمون على التنفيذ يواجهون مأزقا في طريق خفض تكاليف استهلاك الأنواع التقليدية من الطاقة (نفط، غاز، فحم) في قطاع النقل عموما والذي يأتي ثانيا في الاستهلاك باستحواذه على قرابة ثلث استهلاك الطاقة النهائي، وأكثر من 50 في المئة من استهلاك الموّاد النفطية. كما يحتل المرتبة الثانية على مستوى انبعاثات الغازات الدفيئة بأكثر من 25 في المئة من الانبعاثات إجمالا.
إن كانت الدولة واعية فعلا بأن برنامجها بالإمكان تحقيقه رغم كل المنغصات عندما ننظر إلى دول المقارنة في منطقتنا العربية، فهذا جيد للدخول في مرحلة التنفيذ بتذليل الصعوبات الكثيرة والمعقدة، ولكن لو ثبت العكس فإني أجزم بأننا لن نرى المركبات الكهربائية كوسائل للتنقل المستدام تسير على طرقاتنا مع نهاية الأجندة قصيرة المدى التي تم إقرارها في الغرض.
باختصار، كهربة النقل في شوارعنا يفترض أن تكون التزاما قبل أن تكون خيارا، ما دام ثمة من يفكرون فيها ويريدون تنفيذها ليس لأنها مهمة لتنشيط تجارة هذا القطاع الناشئ، بل لأنها مهمة في دورة مسح البصمة الكربونية، لكن هذا الطموح الآن معلق حتى إشعار آخر.