كش وزير

تكرر الحكايات المروية الكثير عن مصير الوزراء. التاريخ يحجز مكانة مهمة للخلفاء والملوك والأمراء، لكنه يضع على الحاشية وفي هوامشه مآلات الوزراء. الوزير وفق مفهوم الحكم في العصور الإسلامية هو رئيس الحكومة. صاحب الديوان هو المكافئ للوزير في العصر الحديث. الاثنان، نادرا ما ينصفهما التاريخ. الكثير منهم انتهوا نهايات مأساوية على أيدي “زعماء” تلك العصور.
غضب الخليفة هارون الرشيد من البرامكة وتحديهم لسلطته وإسرافهم (المكافئ التاريخي للفساد) قصة قرأناها وشاهدناها دراميا. لا شك أن مشهد توجيه الخليفة أمره لسيافه مسرور بأن يأتيه برأس جعفر البرمكي، صديق أمير المؤمنين ونديمه ووزيره، كان مروعا. طار رأس جعفر وطارت معه سلطة البرامكة. وعد ولا تتردد كم مرة طارت رؤوس الوزراء بسيف أو حبل أو رصاصة.
الوزير مهنة مغرية. جاه في بلد فقير، وجاه ومال في بلد ثري. وإذا عاش الوزير في عصر مستقر، فإن فرصه بالبقاء على مكتبه تكون أطول. الزعماء يعطونهم الوقت الكافي كي يعملوا وينفذوا التوجيهات، أو أن يكونوا مقربين فينتقلوا من وزارة إلى أخرى. في عصور الاضطراب، يتحول الوزراء إلى قفازات للملوك والرؤساء يستخدمون ثم يرمون. في عصور الكوارث، يصبح الوزير منقاش نار يحمل الجمر نيابة عن “الكبير”. كل العتب على الوزير.
السنوات الأخيرة أصبحت مهنة الوزير مهنة مكروهة. ليس من الناس، فهم لا يرضون، وإن رضوا فإنهم يملون الوجوه، بل من المستوزرين أنفسهم. كانوا يخافون الملوك والرؤساء، وفي بعض الأحيان وسائل الإعلام. اليوم تجدهم مرعوبين من البوستات والتغريدات على الوسائط الاجتماعية. تهم الفساد مثلا تسبق الاستيزار. تهم التقصير جاهزة مهما كان الأداء. ما لا يجرؤ المغرد على قوله عن الزعيم، يمطر به الوزير.
في بلد دمره قادة الطوائف مثل لبنان، ما معنى أن تكون وزيرا وماذا يمكن أن تفعل؟ إذا كنت تقبل بالوظيفة، فعليك أن تتوقع تكسير بيتك أو مدخل المبنى الذي فيه شقتك. في بلد المحاصصات والفساد مثل العراق، لن تنجو من تهم الفساد والمحسوبية مهما فعلت ومهما قلت.
صحيح “إن خليت قلبت”، لكن كل شيء مقلوب أصلا في العراق. حتى في بلد مستقر مثل مصر، صارت وظيفة الوزير مكروهة. قبل أيام نشرت “العرب” تقريرا عن صعوبة العثور على وزير يقبل بـ”البهدلة” لشعب لسانه (أو بوستاته) يفرقع مثل السوط وصاحب نكتة مثل الشعب المصري. “الله الغني”.
وكي لا يزعل وزراؤنا، فالوظيفة مكروهة بدورها اليوم في الغرب. وزراء الحكومة البريطانية يجلدون يوميا إعلاميا على كل هفوة في ملفات بريكست أو كوفيد أو ما يرتكبه جونسون باسمهم من معاصٍ. لا أحد يرحمهم، حتى من استوزرهم. هل تذكرون ماذا فعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بكل وزرائه الأساسيين؟ كان يهينهم بتغريداته، ثم يطلق عليهم رصاصة الرحمة بفصلهم بتغريدة. البارحة نقرأ عن وزير أفغاني انتهى يوزع البيتزا على دراجة في ألمانيا. أطلب بيتزا، وخذ سيلفي مع وزير سابق ببلاش.
في عالم اليوم لا تزال حركة “كش ملك” صعبة لأنها تعني الانقلاب وتغيير الأنظمة. ما أسهل حركة “كش وزير”.