قيس سعيد يحل البرلمان أم البرلمان يعزل الرئيس

صعوبات تعترض مساعي حلفاء النهضة في انتخاب المحكمة الدستورية.
الخميس 2021/01/28
باتجاه الاختبار الأصعب

تونس - دخلت الأزمة السياسية في تونس مرحلة جديدة إثر موافقة البرلمان على التعديل الوزاري المثير للجدل الذي اقترحه رئيس الحكومة، هشام المشيشي، حيث صوت 144 نائبا برلمانيا لصالح الفريق الحكومي الجديد الذي أعلنه المشيشي.

ولم يترك مرور هذا التعديل والجدل الذي رافقه الفرصة أمام أي تهدئة بين رئيس الحكومة ومن ورائه رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وبين رئيس الجمهورية قيس سعيد، وكلاهما بات أمام وضع يدفع إلى التصعيد، والتفكير في حلول قصوى مثل مرور الرئيس سعيد إلى حل البرلمان، أو أن يعمل التحالف البرلماني الموسع على خطة لعزل الرئيس.

منجي الحرباوي: التهديدات بعزل الرئيس تهدف إلى إجباره على القبول بالأمر الواقع
منجي الحرباوي: التهديدات بعزل الرئيس تهدف إلى إجباره على القبول بالأمر الواقع

ولم يُنه هذا التصويت الجدل المتفاقم حول الأدوات التي يملكها الرئيس قيس سعيد في مواجهة الواقع الجديد لحكومة هشام المشيشي التي باتت مرتهنة بحزامها البرلماني والسياسي المكون من حركة النهضة الإسلامية (54 نائبا) وحزب قلب تونس (30 نائبا) وكتلة الإصلاح الوطني (18 نائبا) وائتلاف الكرامة (18 نائبا) ونواب مستقلين.

وفيما لم يصدر إلى حدود كتابة هذا التقرير أي تعليق من الرئيس سعيد على تزكية البرلمان لهذا التعديل الواسع، الذي شمل 11 حقيبة وزارية من بينها الداخلية والعدل، تتزايد التكهنات بأن الرئيس التونسي قد يمر في خطوة حاسمة إلى حل البرلمان في ظل الدعم الشعبي الواسع الذي يحصل عليه خلال هذه الأزمة.

في المقابل، يلوح الحزام السياسي للمشيشي بعزل الرئيس سعيد، وهي عملية لا يمكن أن تتم إلا بتركيز المحكمة الدستورية المعطلة منذ سنوات بسبب عدم توفر الغالبية اللازمة لتمريرها (145 نائبا).

ويبدو، وفقا لمراقبين، أن الحزام الداعم للمشيشي بعث برسائل مشفرة للرئيس من خلال هذا التعديل مفادها أنه قادر على تركيز محكمة دستورية والبدء بإجراءات عزله بعد أن صعّد من خطابه ضد حركة النهضة الإسلامية ورئيس الحكومة.

وكان الرئيس سعيد قد هدد بعدم السماح لبعض الوزراء، الذين شملهم التعديل الوزاري، وتحوم حولهم شبهات تضارب مصالح أو شبهات فساد، بأداء اليمين الدستورية أمامه ما يحول دون مباشرتهم لمهامهم.

وفيما سعى بعض الخبراء في القانون الدستوري للتقليل من حدة وطأة هذه الأزمة الدستورية، التي باتت تلوح في الأفق، صعّدت مكونات الحزام السياسي الداعم للمشيشي مهددة بعزل الرئيس.

وقال النائب البرلماني عن حزب قلب تونس، عياض اللومي، إنه “في صورة رفض رئيس الجمهورية تأدية اليمين للوزراء الذين نالوا ثقة البرلمان، فإنّه سيعرض نفسه للمساءلة بسبب خرقه للفصل 88 من الدستور”.

وأضاف اللومي في تصريحات أعقبت تهديده بعزل الرئيس خلال الجلسة المخصصة للتصويت على التعديل الوزاري أن “رفض قيس سعيّد تأدية اليمين من قبل الوزراء الجدد هو بمثابة الخرق الجسيم للدستور، وهو ما تترتب عليه جملة من الإجراءات منها عزل رئيس الجمهورية (…) وهذا الأمر مطروح بجدية”.

نبيل حجي: انقسامات بين داعمي المشيشي تصعّب مهمة المحكمة الدستورية
نبيل حجي: انقسامات بين داعمي المشيشي تصعّب مهمة المحكمة الدستورية

وفيما سعت حركة النهضة إلى النأي بنفسها عن هذه الخطابات التصعيدية مع الرئيس عبر تصريحات تخفف من حدة الأزمة المتفاقمة، لم يتوان حلفاء المشيشي عن تصعيد لهجتهم حيال الرئيس.

وقال عماد أولاد جبريل النائب البرلماني عن الكتلة الوطنية “اليوم صوت واحد كافٍ لعزل الرئيس”، في إشارة إلى التوافقات التي مكنت الترويكا الجديدة من تحصيل 144 صوتا في البرلمان.

ويرى مراقبون أن الأزمة ستتعمق على وقع هذه التهديدات المتبادلة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ما يُنذر بحالة انسداد للأفق السياسي في البلاد خاصة مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية والسياسية.

وقال البرلماني السابق والقيادي بحركة نداء تونس منجي الحرباوي إن “حكومة المشيشي أخذت شرعية هشة من ائتلاف هش ليس له أي تصورات ورؤية يمكن أن تتقدم بالبلاد. تمرير هذا التعديل سيعمق وينكأ الجرح بين رأسي الدولة، (أيْ) بين الحكومة ورئاسة الجمهورية”.

وأضاف الحرباوي في تصريح لـ”العرب” أن “التهديدات والتصريحات المتشنجة التي نتابعها بشأن عزل الرئيس وكذلك من قبل الرئيس قيس سعيد ستعمق الأزمة، وهؤلاء يستبقون الأحداث لفرض الأمر الواقع على رئيس الجمهورية قيس سعيد، وفي النهاية لا الأخير قادرا على حل البرلمان ولا هم قادرين على عزله”.

وبالرغم من أن الكثير من الأوساط السياسية رجحت أن تكون هناك تفاهمات بين مكونات الحزام السياسي والبرلماني للمشيشي من أجل تسريع وتيرة تركيز المحكمة الدستورية، فإن العملية تبدو صعبة لعدة اعتبارات في مقدمتها التوافق على الأسماء التي ستشغل مناصب داخل المحكمة.

وقال النائب البرلماني نبيل حجي لـ”العرب” إن “الانقسامات الموجودة بين الأطراف الداعمة لحكومة المشيشي حول المحكمة الدستورية تصعب مهمتها في تركيز هذه المحكمة (…)، مثلا كتلة الإصلاح الوطني وتحيا تونس هما ضد مرشح ائتلاف الكرامة والنهضة لعضوية المحكمة الدستورية”.

وتُشهر حركة النهضة وحلفاؤها في كل مرة ورقة المحكمة الدستورية في وجه الرئيس سعيد لمنعه من تأويل الدستور كما يشاء، وفقا لمراقبين، حيث هدد الغنوشي في وقت سابق بتقليص عدد النواب المطلوب من أجل تمرير أعضاء المحكمة.

وينتخب البرلمان أربعة أعضاء للمحكمة الدستورية ينبغي حصولهم على 145 صوتا، ويقوم لاحقا المجلس الأعلى للقضاء ومن بعده رئيس الجمهورية بتعيين كلّ منهما لأربعة أعضاء ليقع بذلك تركيز هذه الهيئة التي تختص بالنظر في دستورية مشاريع القوانين وغيرها.

وبموازاة هذه التطورات تتوالى الدعوات التي تناشد الرئيس سعيد نزع فتيل هذه الأزمة قبل أن تأخذ أبعادا أخرى والتسريع بإجراء الحوار الوطني الذي قد ينهي الأزمة السياسية والاقتصادية التي ترزح تحت وطأتها البلاد، لاسيما في ظل التشنج الذي بلغته العلاقات بين جل الأطراف.

وقال نبيل حجي إن “عدم قبول الرئيس أداء بعض الوزراء اليمين الدستورية أمامه سيدخل تونس في انسداد سياسي ومأزق نرجو ألا نكون فيه بالرغم من أن حكومة المشيشي لا مستقبل لها منذ البداية، فهذه الحكومة ليس لها أي برنامج أو رؤية وهي تخضع لابتزاز كبير”.

ودعا منجي الحرباوي إلى تغيير نظام الحكم المعتمد حاليا في تونس من خلال حوار وطني “كحل وحيد” للأزمة التي تعيشها البلاد، ويكون “خارج البرلمان والسلطة التنفيذية ويقوده المجتمع المدني”.

1