قطر تطوي ملف الناشط الكيني المعتقل ضمن إجراءاتها لتحسين سمعتها

الدوحة – أغلقت السلطات القطرية ملف العامل الكيني مالكوم بيدالي الذي تسبّب اعتقاله منذ مايو الماضي على خلفية تعرّضه في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لأوضاع العمال الأجانب في قطر وما يتعرّضون له من اضطهاد، بانتقادات حادّة لأوضاع حقوق الإنسان في الدولة الخليجية الثرية التي تستعد لاحتضان نهائيات كأس العالم 2022.
وجاء إطلاق سراح مالكوم والسماح له بمغادرة البلاد ضمن جهود متسارعة تبذلها قطر لتحسين سمعتها الدولية وتخفيف حدّة الانتقادات الحقوقية الموجّهة إليها قبل انطلاق المناسبة الرياضية العالمية الأكثر شعبية واستقطابا للأضواء.
وكان حارس الأمن الكيني قد واجه تهمة تلقّي أموال من جهة أجنبية بغرض نشر معلومات مضلّلة بعد نشره تغريدات على تويتر عن وضع العمّال في قطر. ورغم استخدامه اسما مستعارا فقد تمكّنت السلطات القطرية من تحديد موقعه عبر رابط على الإنترنت بحسب المنظمات واعتقلته من مقرّ إقامته في الرابع من مايو الماضي.
وأعلنت منظمة ميغرانت رايتس الحقوقية التي تعنى بشؤون العمال المهاجرين عبر العالم أنه “بعد 15 أسبوعا من اعتقاله وإخفائه قسريا واستجوابه دون محام واتهامه أخيرا بأنشطة متعلقة بمنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي تم السماح لبيدالي بمغادرة قطر في السادس عشر من أغسطس بعد دفعه غرامة كبيرة”، دون توضيح لمقدار الغرامة أو الوجهة التي سافر إليها.
وكانت قطر أعلنت في التاسع والعشرين من مايو الماضي أن بيدالي اتّهم رسميا “بارتكاب جرائم تتعلق بمدفوعات تلقاها من جهة أجنبية لإنتاج وتوزيع معلومات مضللة داخل دولة قطر”.
وأجرت الدوحة سلسلة من الإصلاحات على قوانين العمل منذ اختيارها في 2010 لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم والتي تطلّبت خطة إعمار ضخمة اعتمدت بشكل رئيسي على العمال الأجانب الذين عملوا في ظروف قاسية كلفت البعض منهم حياتهم فيما تعرّض آخرون لانتهاكات جسيمة وثّقتها العديد من التقارير الدولية.
وينشط على الأراضي القطرية قرابة المليوني عامل أجنبي يشارك الكثير منهم في بناء منشآت نهائيات كأس العالم، بينما تنشط أعداد متزايدة في قطاع الحراسة الذي تضاعفت الحاجة إليه ومعها تضاعفت الانتهاكات بحق العاملين فيه وهو الموضوع الذي أثاره بيدالي وكلفه أشهرا من السجن وغرامة مالية.
ميغرانت رايتس: أطلق سراح بيدالي بعد خمسة عشر أسبوعا من اعتقاله وإخفائه قسريا واستجوابه دون محام
وتنشط في قطر أكثر من سبعين شركة أمن خاصة تشغّل عمالا مهاجرين يتمّ جلبهم من شرق وغرب أفريقيا مع وعد بوظائف آمنة ورواتب مجزية. ويقوم معظمهم بتسليم رسوم كبيرة لوكلاء التوظيف في بلدانهم الأصلية لتأمين الوظائف.
ويقول هؤلاء إنه بمجرد وصولهم إلى قطر يجدون أنفسهم في مساكن ضيقة وقذرة ويعملون لفترات طويلة مع أيام راحة قليلة ويضطرون إلى الوقوف لساعات في درجات حرارة شديدة.
وفي قضية الكيني بيدالي لم تواجه الدوحة فقط اتهامات بالتعرض لحرية الرأي والتعبير وكتم الأصوات الناقدة، بل واجهت سلطاتها أيضا شبهة ممارسة الاحتيال الإلكتروني الذي مكنها من تحديد مكان وهوية الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي رغم تخفيه وراء اسم مستعار.
وعمل بيدالي 12 ساعة في اليوم كحارس أمن. وفي أوقات فراغه كان يكتب مقالات تحت اسم مستعار هو “نوح” عن تجاربه كحارس أمن ويطالب بتحسين أماكن إقامة العمال وظروف عيشهم.
وفي آخر أفريل الماضي ظهر لفترة وجيزة متحدثا في مؤتمر عبر الفيديو مع المجتمع المدني والجماعات النقابية عن تجربة عمله في قطر. وبعد ساعات فقط من انتهاء المؤتمر أرسل مستخدم تويتر إلى بيدالي رابطا نقر عليه لاحقا بعد أن بدا أنه مقطع فيديو من هيومن رايتس ووتش. لكن بدلا من ذلك ذهب هذا الرابط ببيدالي إلى موقع يشبه يوتيوب “ربما سمح للمهاجمين بالحصول على عنوان آي بي الخاص به، والذي كان من الممكن استخدامه لتحديد هويته وتحديد مكانه”، على حد قول منظمة العفو الدولية.
وقال بيل ماركزاك الباحث في مؤسسة “سيتيزين لاب” الذي توصل أيضا إلى نفس النتيجة التي توصلت إليها منظمة العفو الدولية إنّه “في غضون 10 دقائق تقريبا يمكن لأي تقني تقريبا إنشاء موقع ويب لالتقاط عنوان آي بي لأي شخص ينقر على الرابط. والجزء الصعب هو تحويل عنوان آي بي إلى اسم وعنوان حقيقيين”.
ويتطلب ذلك عادة الوصول إلى المعلومات الخاصة التي يحتفظ بها مزودو خدمة الإنترنت والتي لا يمكن الوصول إليها عادة إلا لهم أو للحكومات.
وعلق تويتر لاحقا الحساب الذي استخدم للاحتيال على بيدالي.
ولم يخالف بيدالي في إثارته قضية أوضاع العمّال الوافدين في قطر الحقائق التي أصبحت مشهورة إلى حدّ كبير وموثقّة في تقارير صحافية وحقوقية كثيرة أوردت صنوفا من اضطهاد هؤلاء العمال والاعتداء على حقوقهم تراوحت بين ظروف إقامتهم الصعبة وعدم قدرة كثيرين منهم على الحصول على مستحقاتهم المالية من مشغّليهم، وبين ظروف العمل الخطرة والشاقّة التي أودت بحياة المئات من العمّال الأجانب في قطر.
ولفت توقيف العامل الكيني الانتباه إلى الحدود الضيّقة للتعبير في قطر التي تدير وسائل إعلام تسلّط أضواءها على الخارج وتتبنى بقوة قضايا حقوق الإنسان والحريات العامّة، لكن فقط في دول أخرى.