قضاة الجزائر ينؤون بأنفسهم عن الحراك الشعبي

الجزائر – لا تزال الحركة الاحتجاجية للقضاة الجزائريين تحيد بنفسها عن الخلفيات والدلالات السياسية للإضراب الذي تشنه منذ أكثر من أسبوع، رغم أن أبرز المطالب المرفوعة تدخل في صلب التغيير السياسي، والانحياز العلني لنقابة نادي القضاة للحراك الشعبي في البلاد.
ونفى الناطق الرسمي لنقابة نادي القضاة سعدالدين مرزوق، أن تكون للحركة الاحتجاجية التي يشنها القضاة الجزائريون، أيّ أبعاد سياسية أو محاولة لركوب موجة الحراك الشعبي، ولاسيما في ظل غياب قاطرة قيادية له إلى حد الآن.
وشدد في اتصال لـ”العرب”، على أن “تماهي المطالب الشرعية المرفوعة من طرف الفاعلين في قطاع القضاء، مع المطالب المرفوعة من طرف الشارع الجزائري، لا يفضي بالضرورة إلى استنتاج الأبعاد أو الدلالات السياسية للحركة الاحتجاجية”.
وتعد نقابة نادي القضاة (قيد التأسيس) أول الفاعلين في القطاع الذين أعلنوا انحيازهم للحراك الشعبي في أسابيعه الأولى ودعمهم له، كما قرروا حينها مقاطعتهم لتأطير عملية الاقتراع في الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الرابع من يوليو الماضي، قبل أن يتم إلغاؤها من قبل السلطة، تحت ضغط المعارضة السياسية والحراك الشعبي.
واستبعد المتحدث فرضية أي هيكلة أو تموقع للقضاة في قيادة الحراك الشعبي، على اعتبار أن الحركة الاحتجاجية رغم ثقلها وتأثيرها تبقى حركة فئوية، وأن الاحتجاجات الشعبية لها أجندتها وآلياتها، والفضل يرجع إليها في تحرير المجتمع وكسر قيود الخوف على الجميع.
وجاء الإضراب المفتوح، الذي شل المؤسسات القضائية في البلاد منذ أكثر من أسبوع، تلبية لنداء نقابة القضاء (أكبر النقابات الناشطة في القطاع)، ليثير عدة استفهامات حول خلفيات تزامنه مع الوضع السياسي السائد في البلاد، وتنامي التصعيد المناوئ للسلطة خلال الأسابيع الأخيرة. ويطالب القضاة بتحرير العدالة ومراجعة علاقة السلطة القضائية بالسلطة التنفيذية ويتناقض خطاب السلطة الحالية بشأن تحرير القضاء من الضغوط والأوامر، مع الشعارات التي يرفعها القضاة وتوحي بأن السلطة القضائية لا تزال تحت هيمنة السلطة التنفيذية.
ونظم القضاة الجزائريون، وقفة احتجاجية ضخمة، الاثنين، أمام مبنى المحكمة العليا بالعاصمة، للتنديد بحادثة اقتحام قوات الأمن، الأحد، مقر محكمة وهران، أين تم تعنيف وضرب القضاة المحتجين، والفتح القسري للمكاتب والأبواب الموصودة بسبب الإضراب.
وأعلنت النقابة في بيان جاء في أعقاب الحادثة، عن “وقف الحوار مع الحكومة، واشتراط رحيل وزير العدل بلقاسم زغماتي من على رأس الوزارة، للعودة إلى المسار الحواري”.
وصرح رئيس النقابة يسعد مبروك، للصحافيين، بأن “ما وقع في مجلس قضاء وهران هو انزلاق خطير وممارسة غير مسبوقة في تاريخ القضاء، الذي أهين أمام الملأ، وعليه فإن النقابة قررت وقف الحوار مع الحكومة، ولا عودة عن الإضراب والاحتجاج إلا بتنحية الوزير بلقاسم زغماتي”.
وشكلت حرب البيانات والبيانات المضادة، أحد تجليات الأزمة التي يتخبط فيها القطاع، رغم ارتداداتها على الوضع العام في البلاد، حيث لم تتأخر الوزارة الوصية في إصدار بيان لها، يعلن فيه أن محكمة تيبازة (غربي العاصمة)، قضت بعدم شرعية الإضراب الذي يشنه القضاة.
وبررت المحكمة قرارها بما أسمته بـ”غياب الإشعار المسبق، وعدم ضمان الحد الأدنى من الخدمة العمومية، والاحتلال الشرعي لأماكن العمل والاعتداء على حرية العمل”.

وفي خطوة لاحتواء الوضع، أعلن المدير العام للشؤون القانونية بوزارة العدل عبدالحفيظ جعرير، عن “مباشرة الوزارة لعملية تحقيق حول ما جرى في مجلس قضاء وهران، وأن المعلومات الأولية تفيد بأن مجموعة من القضاة منعوا زملاءهم من الدخول إلى الجلسة للنطق بالتأجيل”. وأضاف في تصريح للإذاعة الحكومية، أن “شل القطاع بأكمله تترتب عليه انعكاسات خطيرة، فلا يحق له بأي حال من الأحوال أن يوقف الخدمة العمومية لأنه موجود في هذا المكان لخدمة المواطن، وما كان هذا ليحدث لو تحلى القضاة بالحكمة وتغليب العقل، فبأي حق يا سيادة القاضي تمنع زميلك من الدخول إلى الجلسة لتأجيلها أو تسبهم؟”.
وحظي القضاة المضربون بدعم وتأييد من طرف اتحاد المحامين، والاتحاد العربي للقضاة، حيث تم التنديد بما وصف بـ”هيمنة السلطة التنفيذية، ولما يتعرض له قضاة الجزائر”.
ويرى متابعون للشأن الجزائري، أنه يصعب التمييز في الحركة الاحتجاجية للقضاة بين ما هو مهني اجتماعي، وبين ما هو سياسي متصل بالأوضاع التي تعيشها البلاد، فحركة التغييرات والتحويلات الداخلية الكبيرة، هي قطرة أفاضت الكأس.
وساهمت القبضة الحديدية المشتدة بين الطرفين، في تغذية احتجاجات الحراك الشعبي، الذي بات يعتبر تمرد القضاة على السلطة، سيفقدها إحدى الأذرع التي كانت تسلطها على الشارع طيلة الأشهر الماضية، لينضاف بذلك إلى الإضرابات المنتظرة في الأفق، على غرار إضراب عمال شركة “سونالغاز” (الكهرباء والغاز)، وموظفي البنوك والمصارف ابتداء من العاشر من هذا الشهر.