قصص على ألسنة الحيوانات والبشر تنشئ جيلا أفضل

ميمونة البلوشي: للقصة تأثير سحري يفوق تأثير الشعر والأناشيد.
الثلاثاء 2021/05/18
الأطفال قراء فطنون يحتاجون إلى قصص مبتكرة (لوحة للفنانة سارة شمة)

هناك إغفال خطير لأدب الطفل في مختلف الأقطار العربية، بناء على اعتقاد خاطئ بأن أدب الطفل أقل قيمة من الأدب الموجه للكبار، ولكن هذه الرؤية المغلوطة بدأت الكثير من البلدان العربية في تجاوزها إيمانا بضرورة أدب الطفل لبناء المستقبل، ومنها سلطنة عمان التي بدأت تشجع أكثر على التأليف للأطفال بشكل جديد ومبتكر.

مسقط - تسجل الكاتبة العمانية ميمونة البلوشي حضورها الأدبي هذا العام بمجموعة من القصص القصيرة الموجهة إلى الطفل، والتي تعانق روحه وعقله في آن واحد، حيث تتوجه الكاتبة إلى أدب الطفل بعد إصدارها سابقا لروايتين للكبار بعنوان “الجزء المفقود” و“اجتاحت جسدي فما ذنبي.. سقوط أخير”.

وجاء كتاب البلوشي الجديد للأطفال بعنوان “وجهني بقصة” ومن خلاله تبث الكاتبة رسائل تربوية إنسانية في هيئة قوالب قصصية قصيرة، تعززها بقراءات ورؤى شارحة لكل الأبجديات والرسائل في القصة القصيرة الواحدة، فهي تقدم إهداءها بنوع من التجلي عندما تقول “إلى صغاري الأطفال، أقدم لكم هذه القصص، فأنتم منهل للروح والسعادة، ومنكم تحظى الكائنات البشرية بالصفاء والنقاء، أحبكم”.

أساليب القصّ للأطفال

ميمونة البلوشي: القصة التقليدية تفشل في تعديل سلوك الطفل وتأثيرها لا يدوم
ميمونة البلوشي: القصة التقليدية تفشل في تعديل سلوك الطفل وتأثيرها لا يدوم

يأتي كتاب “وجهني بقصة”، في شكل رسائل إنسانية أدبية خالصة، على هيئة قصص متنوعة في مضامينها للأطفال الصغار، وهنا تفسر الكاتبة ميمونة البلوشي حول اختيارها للقصص القصيرة لمخاطبة الأطفال، أنها تستخدم أسلوبا ينبني على إثراء مخيلة الطفل ويحتوي على أفكار وأحاسيس تتفق مع مستويات نموهم المختلفة العقلية والوجدانية بعيدا عن أساليب التلقين.

وتؤكد أن القصة لها نتائج إيجابية غير محدودة، فهي تدفع الطفل إلى التحليل والتأمل الممتع، مشيرة إلى أساليب التربية المستقاة من الوحي في الكتاب والسنة، والتي من ضمنها الأسلوب القصصي، فالتربية بالقصة وتوصيل القيمة بالمثال من أفضل الأساليب وأكثرها نجاحا، لاسيما مع الأطفال، فهي طريقة تجعلهم ينجذبون إلى الأحداث ويصورونها في أذهانهم لتلامس واقعهم وما يمر أمامهم من أحداث ومشكلات.

وفي الشأن ذاته تضيف البلوشي “نعلم أن القصة من الممكن أن تصور في عمل مرئي يكفل للطفل وصول القيمة المرجوة والاستمتاع في آن واحد، كما يسهل حينها فهم الحالة الذهنية والحسية للشخصيات، وهذا ما يجعل التأثير أكبر وأنفع، في حين أن الطفل لا يجد متعته في قراءة مقال بسرد منهجي، وقد لا يجد ضالته فيه لصعوبة تحليل المقال واستنباط القيم من الصيغ المباشرة، حيث إن المقال لا يستطيع ملامسة كافة المستويات العقلية والحسية للطفل”.

وتضيف “لا ننسى أيضا أن الطفل بحاجة إلى واقع يعكس له حقيقة ما يعيشه، بمعنى آخر، أن الطفل حين تظهر لديه سلوكيات معينة مثلا إدمان الأجهزة الإلكترونية، يبدأ هنا المربي بإلقاء الأوامر والنصيحة وذكر مخاطر هذا السلوك، وهذا ما يجعل الطفل يمر بمرحلة من التشتت الذهني والصراع حول ما يراه واقعا يمتثل أمامه وما يُلقى عليه من توجيهات، وهنا المقال يزيد من حالة الصراع الذهني، وهنا لا أقصد الشمول، وأخص الأطفال دون سن الثامنة، بينما القصة يعتبرها الطفل واقعا يمثل ما حدث معه فيربط من خلاله الأحداث ويستنبط النتائج، وهذا ما يقلل التوتر الذهني الذي يمر به الطفل”.

التعمق في روح الكتابة ولغة طرح تلك القصص في الإصدار الأدبي الموجه للطفل، أمر غاية في التعقيد، وهنا تبين البلوشي أنها أرادت أن تكون لقصصها مقومات ومحفزات مساندة لها، كأن تكون أكثر التصاقا بالمحيط الأسري وقريبة من الطفل القارئ لها، وتوضح ذلك قائلة “جميع القصص تمثل قيما وسلوكيات نعيشها واقعا مع أطفالنا، وتحمل معاني تربوية محببة تهدف إلى غرس قيم إيجابية في نفوس الأطفال ونقل المعاني التربوية والاجتماعية بأبسط الطرق، وتُسهم في توسيع مداركهم وآفاق تفكيرهم، كما تؤهلهم ليخوضوا غمار الحياة بثقة عالية وشخصيات إيجابية غير متزعزعة”.

وتوضح الكاتبة أنها تعمدت استخدام الأسلوب التربوي المشوق والذي يوصل المعلومة والسلوك الصحيح بطريقة تجذب الطفل وتثري مخيلته، وقد تنوعت قصصها بين الطابع الخيالي والطابع الواقعي، فتارة بلسان الإنسان وأخرى بلسان الحيوان، بأسلوب سهل يحاكي طبائع الأطفال وأسلوبهم وينمي لديهم تبني السلوكيات السوية والسليمة، كما تذكر أن أسلوب القاص له دور كبير في إيصال الفكرة والمغزى من القصة، فلا بد أن يحاول الوالدان إثارة انتباه الطفل والتأثير عليه من خلال القص بأسلوب متميز جذاب، مع تغيير مستوى الصوت مدعما بحركات الوجه واليدين.

Thumbnail

المتتبع لإصدار كتاب “وجهني بقصة”، سيرى أن هناك قراءات أخرى ما بعد طرح القصة بأسلوبها الحقيقي، تعزز الرؤية التربوية والأدبية للكاتبة، وهنا تعلل البلوشي هذا الأمر بحديثها “في الوقت الذي هيمن فيه الكتاب على طباعة القصص المصورة الصغيرة لانتشال الأطفال من وحل السلوكيات غير الأخلاقية، أردت أن أظهر قصص الأطفال في هذا الإصدار بشكل جديد تصل من خلاله ثقافة التربية لتشمل المربي ولا تقتصر على الطفل”.

وتتابع الكاتبة العمانية “لا يمكننا تغيير فكر الطفل وسلوكه إذا كان المربي متشبثا بطرق تربوية خاطئة، قد تأخذ القصة منحنى جيدا لتعديل سلوك الطفل، ولكنها لن تدوم طويلا بل وستحدث انتكاسة مخيبة للآمال إذا كان المربي لا يحسن التعامل مع سلوك الطفل، لذا أردت أن أعزز كل قضية تعالجها القصة بطرق علاج يتبعها المربي كي يخرج بأفضل النتائج الممكنة، ويربي طفله بأكثر الأساليب نفعا لشخصيته وسلوكه. من هذا المنطلق يمكن أن يكون هذا الكتاب مصدرا قصصيا وتوجيهيا خفيفا ومرجعا مناسبا للأسرة لمعالجة بعض المشكلات اليومية مع الأطفال”.

أدب الطفل

"وجهني بقصة".. رسائل إنسانية أدبية خالصة
"وجهني بقصة".. رسائل إنسانية أدبية خالصة

يعلم القارئ والمؤلف العماني أن القصة القصيرة للأطفال حاضرة وناجحة في المجتمع التربوي والثقافي في السلطنة، ولأجل هذا تقوم البلوشي بربط ما جاء في هذه المجموعة بذلك المجتمع التربوي، مع توقعات أيضا لنتائج إيجابية يخرج بها الطفل بعد قراءة قصة توجيهية أدبية على وجه العموم.

وتقول “يجب أن نرى بأنه في الآونة الأخيرة بدأت تظهر أسماء عمانية في عالم قصص الأطفال في الساحة الأدبية العمانية، تجلى في ظهور عدد من الأعمال القصصية الموجهة للطفل، والتي تتسم بالتنوع والشمول، وتتماشى مع الثقافة العمانية وروح العصر، إلا أن هذا لا ينفي ندرة الأنشطة الأدبية في مجال أدب الطفل بشكل عام في السلطنة، والتي من الممكن أن تحدث فارقا لا يستهان به في تنشئة الجيل القادم”.

وفي الحديث عن كتابها الجديد تبين أنه يحتوي على “مجموعة من المشكلات المتكررة والتي قد تحدث في أغلب البيوت في مجتمعنا العماني، ففي ظل العصر الإلكتروني -كما يطلق عليه- والذي قد يؤثر سلبا على تنشئة جيل بقيم أخلاقية عالية، وفي ظل انشغال الوالدين بين مجريات الحياة في يومنا هذا، نجد أنه لا سبيل للطفل إلا اللجوء إلى نوبات من الصراخ والهلع والتوتر وإحداث المشكلات لإثبات الذات وجذب الانتباه ولا يجد الوالدان سبيلا أمامهم إلا التوبيخ والضرب، فمن هذا الباب يجد الكتاب نظرته الخاصة في التربية عن طريق الحوار والتجاهل والقصة، والذي قد يُسهم بشكل فعال بتقليص حجم المشكلات وإبطاء تفاقهما، مما يمكننا من الخروج بأجيال مفعمة بروح الثقة والشجاعة ويتحلون بالصفات الحميدة”.

وتؤكد البلوشي أن القصة التوجيهية كفيلة بتقويم سلوك الطفل دون توجيه الاتهام أو النقد بشكل مباشر، وقد توطد العلاقة بين الوالدين والطفل بشكل كبير، وتغرس في الطفل مهارات كثيرة منها الاستماع وتحفيزه على القراءة وإثراء حصيلته اللغوية، ناهيك عن ذلك الجانب الذي من الممكن أن يستغله الطفل بشكل خاطئ إذا لم يحسن تربيته وهو جانب الإبداع والتأمل، فلدى الطفل قدرة هائلة على التخيل الذي قد يحده على الكذب والذي قد يضمحل في ظل محاصرة الأجهزة الذكية.

في سياق أدب الطفل، توضح الكاتبة رأيها الشخصي، حول أيهما الأقرب إلى الطفل القصيدة الشعرية التي من الممكن أن تتحول إلى نشيد أم القصة القصيرة التي من الممكن أن تصبح عملا أدبيا مرئيا، وتقول “تعد القصة القصيرة من وجهة نظري الطريقة الأسهل والأبسط والأكثر فعالية للتأثير في الطفل وتقويم سلوكه، فللطفل عالمه الخاص

والقصص هي المفتاح الرئيسي لدخول هذا العالم، ونلاحظ تشبت الأطفال بأبطال القصص وتأثرهم بشخصياتها ومحاولة تقليدهم لها، أما بالنسبة إلى الشعر فهذا لا يقلل من حضوره في نفس وشخصية الطفل ولا يمكننا تجاهل تأثيره الإيجابي على الطفل، إلا أن للقصة تأثيرا سحريا يفوق الشعر والأناشيد لسهولة اقتناص الطفل دوره من بين شخصيات القصة، وسهولة تحليل واستنباط القيمة السلوكية”. وتضيف “قد يتفوق الشعر في الجانب التعليمي أكثر من التربوي، فإذا صح القول إن القصة لها منهجها في تعديل السلوك فهو له منهجه في إرساء المعلومة في عقل الطفل.

14