قانون الانتخابات الجديد يمهد لمعاقبة القوى السياسية التقليدية في الجزائر

الجزائر – بدأت أولى ارتدادات قانون الانتخابات الجديد في الجزائر تُسجل لدى أركان القوى السياسية، الطامحة لدخول معترك الانتخابات التشريعية المبكرة.
ففيما رحبت أحزاب سياسية بما أفرزه القانون المذكور، هزت تجاذبات بيت أعتى وأعرق الأحزاب في البلاد وهو حزب جبهة التحرير الوطني الذي برزت أصوات داخله تدعو إلى مقاطعة الاستحقاق المبكر.
وأفضى قانون الانتخابات الجديد المصادق عليه في مجلس الوزراء المنعقد في بحر هذا الأسبوع، إلى إطلاق تدابير جديدة غير مسبوقة في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية في الجزائر، فإلى جانب التصويت على اللائحة المفتوحة، تقرر رفع حاجز العتبة الانتخابية، وتعميم جمع التوقيعات على كل الراغبين في التقدم للاستحقاق الانتخابي.
وبمثل هذه الإجراءات يكون القانون قد وضع جميع القوى السياسية في نقطة انطلاق واحدة، ولم تعد هناك أحزاب تقليدية وأخرى حديثة النشأة، الأمر الذي يحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع ويكشف عن العمق الحقيقي للقوى السياسية، حيث كان يستفيد بعضها من أولوية التواجد، في حين علق البعض في المشاركة الأولى.
وينتظر أن تنزل جميع الأحزاب السياسية واللوائح المستقلة إلى الشارع من أجل الحصول على توقيعات الناخبين، في معركة يتساوى فيها الجميع، بعد التأكيد على قدرتها على استقطاب الوعاء الشعبي، في ظل اشتراط القانون لمناصفة المرأة مع الرجل في لوائح الترشيح وتحقيق مناصفة أخرى لعنصر الشباب وتحقيق ثلث المستوى الجامعي.
ويرتقب أن ينهي القانون المذكور هيمنة الأحزاب التقليدية على المشهد السياسي في البلاد طيلة العقود الماضية، ومن الاستفادة من انحياز الإدارة ودعم السلطة، كما لا يستبعد أن يفرز مفاجآت تحققها قوى مغمورة، لاسيما في ظل إصرار الشارع الجزائري على معاقبة الأحزاب التي انفردت بالسلطة.
فيما رحبت أحزاب بقانون الانتخابات الجديد، هزت تجاذبات حزب جبهة التحرير الذي برزت أصوات داخله تدعو لمقاطعة الانتخابات
وفي خطوة استباقية لمثل موقف مشابه، دعا النائب البرلماني في مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) محمود قيساري قيادة حزبه (جبهة التحرير الوطني) إلى عدم المشاركة في الانتخابات المنتظرة والتفرغ لترتيب الأوراق الداخلية وامتصاص غضب الشارع من الحزب.
وبرر قيساري دعوته بـ”عدم شرعية القيادة الحالية للحزب، وخطابها المستفز للشارع الجزائري طيلة الأشهر الماضية، سواء بالتصريحات غير المسؤولة أو مرونة موقفها تجاه السلطات الرسمية الفرنسية، والسكوت المريب عن محتوى بيان المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، الذي ساوى بين الضحية والجلاد، في إطار ما يعرف بملف تسوية الذاكرة بين البلدين”.
ولفت النائب البرلماني إلى أن جبهة التحرير الوطني هي القلعة الأولى للدفاع عن تاريخ وذاكرة الشعب الجزائري، وأن مواقف وتصريحات القيادة الحالية مخيبة ومتخاذلة وتساهم في القطيعة بين الحزب وبين الشارع الجزائري.
وطالب النائب البرلماني قيادة الحزب بـ”الاستجابة لنداء الشعب الذي طالب وسيطالب بضرورة انسحاب جبهة التحرير الوطني من الواجهة السياسية على الأقل في المحطة القادمة وضرورة التفرغ لتأطير وتنظيم الحزب بعيدا عن الوصوليين والانتهازيين”.
وشدد على “ضرورة إعطاء الشعب فرصة حقيقية للتغيير من دون جبهة التحرير، كما يرغب وعبّر وسيعبر عليه مرارا لتمكينه من خوض هذه التجربة السياسية فعليا، واستخلاص العبر منها للشعب والحزب على حد السواء”.
ويعتبر هذا التصريح “أشجع موقف” يصدر من داخل بيت الحزب الحاكم سابقا، استباقا لأي سيناريو عقابي سواء من طرف الشارع الغاضب ضد أحزاب السلطة السابقة أو من طرف القانون الانتخابي الجديد الذي يمهد لبلورة مشهد سياسي جديد في البلاد، بشكل ينهي مرحلة القوى التقليدية ويفتح المجال أمام أخرى مغمورة.
وكان قطاع عريض من الأحزاب الحديثة النشأة قد ركز انشغالاته في جلسات المشاورات السياسية التي فتحها الرئيس تبون على ضرورة مراجعة مسودة قانون الانتخابات بشكل يتيح لجميع القوى دخول المعترك الانتخابي، وإظهار قدراتها على التجذر الشعبي والحصول على نفس الفرص التي استحوذت عليها الأحزاب التقليدية.
كما يضيق التشدد الذي أقره القانون الخناق على المال السياسي الذي وظف في استقطاب أصوات الناخبين، وحوّل المهنة الانتخابية إلى مصدر للتربح غير المشروع كشفت التحقيقات الأمنية والقضائية عن ملفات ثقيلة تورطت فيها رموز كبيرة في أحزاب السلطة.