في حضرة شيخ الأندية التونسية

قلعة الكؤوس، الترجي الرياضي التونسي، على موعد مع التاريخ مجددا قد لا يتكرر كثيرا لتدوين اسمه بالذهب في سجل أعرق أندية القارة السمراء في حال توج لرابع مرة خلال مسيرته في أدغال أفريقيا ببطولة دوري الأبطال في نهائي عربي مثير مع الوداد البيضاوي المغربي على ملعب رادس.
سيكون نيل اللقب للمرة الثانية على التوالي، كإنجاز تاريخي، لم تسبقه له سوى ثلاثة أندية أفريقية هي الأهلي المصري في 2012 و2013 وتي بي مازيمبي الكونغولي في 2009 و2010 وإينمبا النيجيري في 2003 و2004، أفضل هدية لعشاق شيخ الأندية المحلية، في خضم الاحتفالات بمئوية تأسيس الفريق الذي يلقب بـ”المكشخة”.
الملفت وسط ذلك كله أن معين الشعباني سيفتح أبواب المجد على مصراعيها كونه أصغر مدرب في القارة يقود فريقا محليا للتتويج بكأس أقوى بطولة في أفريقيا مرتين متتاليتين، وهو ما يجعله يتربع على عرش لائحة المديرين الفنيين، الذين مروا في تاريخ “نادي القرن”، وحتى بين مدربي نوادي أفريقيا.
من المؤكد أن الحصول على لقب قاري جديد سيعيد دغدغة مشاعر مشجعي شيخ الأندية التونسية انطلاقا من معقله في باب سويقة وسط العاصمة، أين تم تأسيس النادي، بالبعد التاريخي والرياضي، ويثبت للجميع هيبته وهيمنته المطلقة على رياضة كرة القدم في الوقت الحاضر.
“غول أفريقيا”، ومنذ التصفيات التأهيلية في مجموعته في الموسم الحالي وحتى نهائي الذهاب في العاصمة الرباط لم يذق طعم الخسارة، وهذا إنجاز قاري كبير في حد ذاته لم يسبق أن حققه، وقد ينسيه مؤقتا أنه أول ناد على مستوى العالم ينال بطولة الدوري المحلي سبع مرات متتالية بين عامي 1998 و2004.
هذه المدرسة الكروية العريقة تعتبر من أكثر الأندية التونسية تتويجا، فخزائنه تتلألأ بقرابة 45 كأس محلي وقاري وعربي ودولي أبرزها 28 لقبا في الدوري المحلي، وهو يسير بثبات نحو الحصول على بطولة الموسم الحالي، فضلا عن 3 ألقاب في دوري أبطال أفريقيا، و3 ألقاب عربية، وكأس الأفروآسيوية.
لم تكترث “الدولة الترجية” طيلة مسيرتها للاضطرابات السياسية والأمنية وحتى الاقتصادية، التي مرت بها البلاد، وأكبر دليل على ذلك ما عاشه النادي في موسم 2010-2011، حيث كان الأكثر نجاحا في تاريخه بعد فوزه بكل الألقاب الممكنة حينها، وهي الدوري والكأس المحليين، فضلا عن دوري أبطال أفريقيا لكرة القدم.
تظل الفترة الممتدة بين 1993 و1998 الأبرز في تاريخ “المكشخة” من حيث النتائج بقيادة رئيسه الأسبق سليم شيبوب، حيث استطاع الترجي في عهده الحصول على كل الألقاب الممكنة داخليا وخارجيا، بفضل الإمكانيات المالية الهائلة، التي تم توفيرها.
ولعل تطوير البنية التحتية، من ملاعب ودعم لوجستي، كان عاملا مهما للتألق، وخاصة بعد تطوير مقره الجديد في قلب العاصمة، والذي يطلق عليه اسم “حديقة المرحوم حسان بلخوجة”، تكريما لذكرى هذا الدبلوماسي التونسي، الذي توفي في 1981 وهو لا يزال على رأس الترجي.
تلك المسيرة الحافلة بالإنجازات تأتي امتداد لعمل كبير قام به 15 رئيسا للنادي منذ عام 1919 آخرهم الرئيس الحالي حمدي المؤدب، الذي يقوده منذ 13 عاما، إذ حقق الترجي أول ثنائية محلية في تاريخه موسم 1988ـ1989 بالفوز بلقبي البطولة والكأس مع المدرب البولندي أنتوني بتشنزاك وكان رئيس المكشخة في ذلك الوقت الهادي الجيلاني.
لا تقف مسيرة الحمراء والصفراء، التي اعتبر المرحوم عبدالرحمن الهيلة في وقت من الأوقات حينما كان عضوا في إدارة النادي خلال منتصف القرن الماضي، قيادة الترجي أصعب من إدارة وزارة أو مؤسسة اقتصادية كبيرة، عند ذلك الحد، فالترجي لديه ترسانة من الألقاب في رياضات أخرى مثل كرة اليد والطائرة والسباحة والجودو وغيرها.
الترجي يتمتع بقوة جذب اجتماعية منقطعة النظير، وهو ما انعكس في تنوع شرائح المشجعين الذين يتابعونه بشغف واهتمام كبيرين، أكسبته تقديرا أكبر حتى من كبار المنافسين محليا وقاريا، لذلك فإن حفاظ النادي على سمعته وسط ركام الفوضى السياسية والاقتصادية، التي تعيشها البلاد، يعد بمثابة شمعة متوهجة تضيء درب تونس في المحافل الرياضية.
من الرائع أن نطلق على الترجي “صاحب السعادة” حتى يكون ضمن الألقاب، التي يحملها باعتباره أحد أعرق الأندية في العالم، التي عزفت سيمفونيات الإبداع الكروي في تاريخ الساحرة المستديرة بفضل العشرات من اللاعبين، الذين انضموا لـ”الجمعية” طيلة قرن من الزمن.