فورة الطلب على العقارات تضع مصر أمام تحديات كبيرة

دخلت مصر في تحديات جديدة لمواجهة فورة الطلب على الوحدات السكنية خلال العقود الثلاثة المقبلة، نتيجة الزيادة السكانية الكبيرة، وتحتاج إلى بناء وحدات تفوق في حجمها عددا من الدول، فضلا عن الحاجة إلى قدرات مالية ضخمة لا يستطيع الجهاز المصرفي توفيرها لمواجهة الفورة المرتقبة.
القاهرة - كشفت دراسة أعدها المطور العقاري المصري هشام طلعت مصطفى عن حاجة السوق العقارية إلى نحو 30 مليون وحدة سكنية خلال العقود الثلاثة المقبلة.
وقالت مؤشرات الدراسة التي حصلت على تفاصيلها “العرب”، إن فورة الطلب على العقارات ضخمة ولا تستطيع الحكومة والشركات الحالية مواجهتها، فضلا عن أن الآليات القائمة لا تحقق التوازن بين العرض والطلب في السوق العقارية خلال الوقت الحالي.
وتأتي أهمية دراسة المطور العقاري المصري من أنه أول مستثمر من القطاع الخاص يقوم بتشييد أول مدينتين متكاملتين في شرق القاهرة، هما “الرحاب” و”مدينتي” اللتان تستوعبان حاليا نحو مليوني نسمة.
وتحتاج تلك الفورة إلى التفكير خارج الصندوق لطرح بدائل تمويلية، في ظل قيام الحكومة بتنفيذ مشروعات تنمية عمرانية، لكن القطاع الخاص يحتاج إلى تمويل طويل الأجل وسعر فائدة مناسب، حتى يتوافق سعر الوحدة مع مستوى الدخل.

هشام طلعت مصطفى: نحتاج إلى بدائل تمويلية و25 مليار دولار حصيلة ضريبية
وتفوق مستويات أسعار الإسكان المتوسط في مصر حاجز الـ102 ألف دولار، وهو مستوى سعري لا يتناسب مع المتوسط العام للدخل، الذي قدّره البنك الدولي للمصريين بنحو 11.8 ألف دولار سنويا، بما يعادل 986.6 دولار شهريا.
ولا يسمح البنك المركزي المصري ضمن مبادرة التمويل العقاري للأفراد بخصم أكثر من 40 في المئة من قيمة الدخل، بما يعادل نحو 394.6 دولار وهو معدل يفوق نسبة كبيرة من الفئات متوسطة الدخل.
وأوضح طلعت مصطفى أنه حال بناء نحو مليوني وحدة سكنية، فإن ذلك ينعكس على زيادة الناتج المحلى الإجمالي لمصر بنحو 128 مليار دولار، وزيادة الحصيلة الضريبية بنحو 25 مليار دولار، وتوفير فرص عمل تعزز معدلات نمو الاقتصاد.
وتطرح القاهرة مبادرات تصدير العقار رافدا لزيادة حصيلتها من العملات الأجنبية، وتصدير العقار يعني استهداف بيع الوحدات السكنية الفاخرة للأجانب عبر عمليات التسويق المتنوعة في المعارض الخارجية.
وبلـغ إجمالي عدد الوحدات السكنية التي شيدتها مصر العام الماضي بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء نحو 281.3 ألف وحدة، باستثمارات قدرها ستة مليارات دولار.
وجاء الإسكان الاقتصادي في المرتبة الأولـى طبقـا لنوعيـة البنـاء بنحو 151.7 ألف وحدة بنسبة قدرها 53.9 في المئة، وجاء الإسكان المتوسط في المركز الثاني بنحو 87.9 ألف وحدة بنسبة قدرها 31.3 في المئة، وجاء ثالثا الإسكـان فوق المتوسط بنحو 33 ألف وحدة بنسبة قدرها 11.7 في المئة، ثم الإسكان الفاخر بنحو 8.7 ألف وحدة بنسبة قدرها 3.1 في المئة.
وتفاقمت أوضاع القطاع العقاري بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في البنوك والتي لامست مستويات بلغت نحو 19.75 في المئة عام 2019 ثم انخفضت العام الجاري إلى نحو 9.25 في المئة.
وقال فتح الله فوزي رئيس لجنة التشييد والبناء في جمعية رجال الأعمال المصريين، إن “مصر تحتاج على الأقل إلى نحو 500 ألف وحدة سكنية سنويا، لكن ما يتم تنفيذه 300 ألف وحدة، وبالتالي هناك فجوة في حركة البناء قدرها 200 ألف وحدة تتراكم سنويا، ما يزيد من فورة الطلب على العقارات”.
وأضاف لـ”العرب”، أن “الوحدات السكنية التي ينفذها القطاع الخاص لا تتجاوز 20 في المئة من إجمالي الوحدات في مصر، وليست في متناول كافة المستويات، ولذلك تقوم الدولة بتوفير ودعم الإسكان الاجتماعي”.
وبلغ عدد حالات الزواج في مصر العام الماضي نحو 927.8 ألف حالة، ويستلزم هذا العدد وحدات سكنية لمواكبة الطلب على الإسكان، الأمر الذي يجعل الطلب على العقارات في تصاعد مستمر، ويزيد من تضخم أسعار الوحدات السكنية.
وغيرت الشركات العقارية خطط عملها بسبب الظروف الاقتصادية في البلاد واتجهت للتوسع في بناء وحدات إسكان فوق متوسط بمساحات تتراوح بين 80 مترا و150 مترا، وخصصت حيزا محدودا من نشاطها للإسكان الفاخر والفيلّات.
وتحتاج البلاد إلى تفعيل منظومة التمويل العقاري، التي لا تتناسب مع قدرة ودخل الأفراد، لأنه ثبت بالتجربة أن شركات العقارات تمنح مهلة سداد قدرها 10 سنوات أو أكثر، وبالتالي فإنها تمارس نشاط التمويل العقاري، وتنافس الشركات المتخصصة في عمليات التمويل بشكل كبير.

وسام عيسى: السوق تحتاج وحدات سكنية تناسب قدرات الأفراد
ورصدت مؤشرات غرفة التطوير العقاري تراجعا واضحا في معدلات القوة الشرائية على الوحدات السكنية.
ودعا وسام عيسى عضو الغرفة إلى إنشاء وحدات سكنية بمساحات صغيرة، تبدأ من 70 مترا ولا تتجاوز 120 مترا، سواء للقطاع الخاص أو القطاع الحكومي، من أجل تنشيط السوق وطرح وحدات تتناسب مع القدرات المالية للأفراد.
وأكد لـ”العرب” أن الحكومة تسببت في أزمة الإسكان من ناحيتين، الأولى أنها لا تمنح أراضي صالحة لتأسيس وحدات سكنية بمساحات صغيرة لشركات القطاع الخاص، وإنْ تم ذلك فإنه على نطاق محدود بنظام المشاركة، وبمساحات تصل إلى 400 فدان، ومن ثم تُلغي شركات العقارات المتوسطة والصغيرة.
أما النقطة الثانية فتتعلق بقيام الحكومة ذاتها بدور التاجر والمستثمر، إذ تبيع الأراضي لشركات التطوير العقاري بأسعار مرتفعة الثمن، وباتت أقرب إلى المتاجرة بالأراضي.
وما يزيد الأمور تعقيدا تصاعد الفجوة التمويلية في نشاط التمويل والاستثمار العقاري الذي يتطلب نحو 64 مليار دولار سنويا لإنجاز مهمة سد فجوة الإسكان المتصاعدة خلال العقود الثلاثة المقبلة، والتي تتمثل في أن نحو 60 مليون نسمة في حاجة إلى فورة في الإسكان ومشروعات البنية الأساسية المرتبطة بالتشييد والبناء.
وبلغ حجم الحزم المالية لشراء العقارات العام الماضي نحو 2.7 مليار دولار، منها 1.7 مليار دولار وفق مبادرات البنك المركزي لتمويل شراء العقارات بفائدة ثابتة قدرها 8 في المئة، وعلى فترات تصل إلى نحو 20 عاما.
وحصلت شركات التمويل العقاري على نسبة ضئيلة، نحو 800 مليون دولار، الأمر الذي يخرجها من المنافسة، بسبب شروط البنك المركزي التي تلزم منح عمليات التمويل للوحدات السكنية كاملة التشطيبات وجاهزة على السكن مباشرة، في حين أن أكثر من 95 في المئة من وحدات الإسكان يتم تسليمها للأفراد نصف تشطيب.