فرنسا تعود إلى الصديق المغربي لترميم علاقتها بالعرب والمسلمين

زيارة وزير الخارجية الفرنسي للمغرب تهدف إلى تخفيف التوتر الذي سببته أزمة الرسوم وتأسيس مرحلة أخرى في طريق التعاطي مع الشأن الديني بفرنسا.
الثلاثاء 2020/11/10
لودريان: حربنا ليست ضد الإسلام  الذي نحترمه

الرباط- اختتم وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جون إيف لودريان زيارته إلى المغرب الاثنين والتي تطرقت إلى العديد من الملفات وفي مقدمتها قضايا التطرف والإرهاب والهجرة غير النظامية والتنسيق الأمني بين البلدين وذلك على خلفية الهجمات التي هزت فرنسا مؤخرا.

ويرى مراقبون أن زيارة لودريان التي انطلقت الأحد جاءت لشرح موقف بلاده من “التطرف الإسلامي” وذلك بسبب التشنج الذي عرفته علاقات باريس بعدد من العواصم العربية مؤخرا في أعقاب حوادث إرهابية شهدتها فرنسا كانت دوافعها رسوما كاريكاتيرية نشرتها صحيفة شارلي إيبدو الساخرة بشأن النبي محمد وأيّدها الرئيس إيمانويل ماكرون.

وأكد لودريان، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عقب مباحثات أجرياها الاثنين، أن حرب فرنسا “ليست ضد الدين الإسلامي الذي تحترمه، بل ضد الإرهاب والأيديولوجيات المتطرفة”، مضيفا أنه “من الطبيعي العودة إلى الأصدقاء مثل المغرب في الأوقات الصعبة”.

إرهاب

وقالت الباحثة في العلوم السياسية، شريفة لموير لـ”العرب”، إن “زيارة وزير الخارجية الفرنسي للمغرب في هذه الظرفية بالذات هي محاولة للتخفيف من التوتر الذي أحدثته تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة ضد المسلمين.. وكان إعلان وزارة الخارجية الفرنسية قد أكد على أن الزيارة تتمحور حول تعزيز التعاون الثنائي، خاصة وأن برنامجها يشمل لقاءات مع شخصيات دينية وأماكن رمزية”.

وأوضحت لموير أن هذه الزيارة للمغرب “تؤسس لمرحلة أخرى في طريق التعاطي مع الشأن الديني بفرنسا وموضوع الإشراف على مساجد المسلمين هناك، لأنه ليس من مصلحتها أن تفقد حلفاءها خصوصا المغرب، لاسيما مع التضييق الذي تعرفه الجالية المسلمة بفرنسا في السنة الأخيرة، لذلك أولى بفرنسا إيجاد حل داخلي” على حد تعبيرها.

وكان المغرب قد أدان بشدة “الإمعان” في نشر رسوم الكاريكاتير المسيئة للنبي محمد (ص)، واستنكرت المملكة عبر بلاغ لوزارة الخارجية، “هذه الأفعال التي تعكس غياب النضج لدى مقترفيها”، مجددة التأكيد على أن حرية الفرد تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين ومعتقداتهم. كما أدانت كل أعمال العنف الظلامية والهمجية التي تُرتكب باسم الإسلام.

وبناء عليه، يرى مراقبون أن التصحيح الذي قام به ماكرون يتقاطع مع رؤية المغرب للإسلام ومقاربته لمحاربة الفكر المتطرف، وهذا ما يبدو جليا في الزيارة التي قام بها وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي إلى معهد محمد السادس لتدريب الأئمة المرشدين والمرشدات في الرباط، الذي أنشأه العاهل المغربي في 2015 ولقائه مع وزير الشؤون الإسلامية أحمد التوفيق.

وأظهرت باريس عزمها ترحيل كل أجنبي متطرف على أراضيها وذلك بعد الحادثتين الإرهابيتين التي شهدتها فرنسا مؤخرا. وفي هذا الإطار شدّد لودريان عند انتهاء زيارته للرباط على أن باريس ليست ضد حرية المعتقد وتستقبل أول جالية مغربية من الخارج. 

ويرى مراقبون أن فرنسا، التي تحتضن أكبر جالية مسلمة في أوروبا، دفعت ثمن احتضانها للعديد من الموالين لتيار الإسلام السياسي ما جعلها تُراجع سياساتها حيال الإسلاميين، وتعتزم قيادة حملة كبيرة ضدهم. ووصف لودريان، العلاقة مع المغرب بـ”الاستثنائية”، مشيرا إلى أنه تطرق مع نظيره المغربي إلى قضايا متعددة ذات الاهتمام المشترك.

وأكد مصدر دبلوماسي لـ”العرب”، أنه إلى جانب ملف قضايا الإسلام، بحث الوزير الفرنسي التعاون الأمني مع المسؤولين المغاربة في محاربة الإرهاب ومواجهة الفكر المتطرف، إلى جانب ملف الهجرة غير القانونية، خصوصا وأن كلا البلدين يواجهان معضلة إعادة عائلات الجهاديين الذين تم أسرهم أو قتلهم في سوريا والعراق.

وفي هذا الإطار شددت السلطات المغربية على أنها منشغلة بوضعية أفراد عائلات المقاتلين المغاربة المتواجدين بسوريا والعراق وتركيا، والتي تتطلب حسب تقرير لوزارة الداخلية، مقاربة شاملة لمعالجتها بتنسيق مع المصالح الأمنية والقطاعات المعنية والفعاليات الأخرى، باعتبارها أولوية قصوى في الاستراتيجية الوطنية التي اعتمدها المغرب لمكافحة الإرهاب ومصادر تمويله.

فرنسا

وفي سياق تعاطي المغرب مع الإرهاب وهي ظاهرة ذات الاهتمام المشترك مع فرنسا، قالت وزارة الداخلية في تقرير أعدته في إطار رصد منجزاتها برسم السنة المالية 2020، وتقديم ميزانيتها برسم سنة 2021، بالبرلمان، إن العدد المقلق للمقاتلين الأجانب ضمن التنظيمات الإرهابية في مجموعة من بؤر التوتر بسوريا والعراق، يشكل أحد أهم التحديات المطروحة، علما أن هؤلاء يسعون إلى التسلل إلى بلدانهم الأصلية بغية تنفيذ عمليات إرهابية، وكذلك تشجيع إنشاء خلايا نائمة تمكن من ضمان استمرار نشاط هذه التنظيمات الإرهابية.

وفي الوقت الذي استعادت فيه فرنسا مجموعة أطفال من أبناء المتطرفين الفرنسيين المحتجزين في مخيمات النازحين الواقعة تحت السيطرة الكردية في سوريا، فقد شجعت السلطات المغربية النساء المتواجدات في منطقة النزاع على العودة لأنهن لم يحاربن، إذ أكد عبدالحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية (الجهاز الأمني المغربي لمكافحة الإرهاب) عن إطلاق استراتيجية لإعادة النساء والأطفال المغاربة من بؤر التوتر، مشيرا إلى أن أولئك النسوة لم ينتقلن إلى تلك البؤر للقتال وإنما لمرافقة أزواجهن.

4