غياب الثقافة الجنسية يشرعن لظاهرة الاغتصاب بين الأزواج

استسهال الرجل للمعاشرة بالإكراه يؤسس لكيان أسري مفتقد للعواطف.
الجمعة 2021/07/02
التفاهم والمودة أصل العلاقة الزوجية

يترتب عن انعدام الثقافة الجنسية لدى أغلب الأزواج عدم إدراك للمخلفات النفسية والجسدية التي تقع على المرأة بسبب المعاشرة بالإكراه. ذلك أن استمرار تعامل الذكور مع أجساد النساء باعتبارها ملكية خاصة يزيد من معاناتهن. وقد تصبح الأزمة أعمق عندما ترهب الأسر فتياتهن باسم الدين وتجبرهن على ضرورة معاشرة الزوج متى شاء وكيفما أراد.

عندما تزوجت المصرية سماح إبراهيم، صاحبة الثلاثين عاما، لم تكن تُدرك حجم المعاناة الجسدية والنفسية التي سوف تواجهها على يد زوجها الذي لم تكن تعرفه، بل أجبرها والدها على الزواج منه، لصلة القرابة بين العائلتين، حيث اعتاد شريك حياتها أن يقيم معها العلاقة الحميمية عنوة ولو كانت مريضة أو حالتها المزاجية مضطربة.

كثيرا ما توسلت سماح لزوجها بأن تكون علاقتهما الجنسية قائمة على التراضي والتشارك والاحتياج المتبادل، لكنه لم يبال بكل ذلك، لدرجة أنه كان يعاشرها في أوقات الخصام.

وقالت لـ”العرب” “في بعض الأوقات نتشاجر ولا نتكلم، وعند الدخول إلى فراش النوم أفاجأ بإصراره على المعاشرة، وعندما أرفض يقوم بإجباري وتهديدي بالشكوى لأسرتي”.

أضافت الزوجة المسكينة أنها عندما تحدثت مع والدتها كان ردها بأن “ذلك حلال الرجل يطلب زوجته متى وكيفما شاء، وعليها الاستجابة في أيّ ظرف، حتى لا تلعنها الملائكة وتنام وزوجها غاضب عليها وتدخل النار، وأنها لو ماتت على غضب شريك حياتها منها فهي بذلك عاصية ولو علم الجيران بفعلتها سوف تفضح نفسها”.

عنان حجازي: غياب الثقافة الجنسية عند الكثير من الأزواج سبب في العنف الجنسي

اضطرت الأربعينية للاستسلام أمام ترهيب والدتها وتهديد زوجها فكانت في كل مرة تستجيب للعلاقة الحميمة دون لوم أو عتاب أو تذمر ولا تشعر بلمساته أو تتأثر بما يفعله. فقط تفكّر في كيفية الخلاص من هذا العبء النفسي الذي تسبب في تدمير حياتها مبكرا، وعندما طلبت من أهلها الطلاق تعرضت للطرد وقررت الاستسلام.

تعيش الكثير من الزوجات نفس المعاناة، إذ لا يمتلكن جرأة الإفصاح عن الاغتصاب الذي يتعرضن له على أيدي أزواجهن، وقد تشتكي إحداهن لصديقتها أو شقيقتها، لكنها لا تملك شجاعة المواجهة والرفض العلني باعتبارها من تملك جسدها، لكن المعضلة في تفكير أسر ما زالت تتعامل مع العلاقة الزوجية باعتبارها رهينة لمزاج الرجل.

يعاني أغلب الأزواج في المجتمعات العربية من انعدام الثقافة الجنسية وترتب على ذلك استمرار تعامل الذكور مع أجساد النساء باعتبارها ملكية خاصة دون إدراك للأبعاد النفسية والجسدية التي تتسبب فيها المعاشرة بالإكراه وبلوغ الأمر حد الاغتصاب، ما أثار جدلا واسعا في المجتمع المصري الأيام الماضية.

ظل الحديث عن الاغتصاب الزوجي من المحرمات داخل الأسرة العربية ويتم التطرق إليه على استحياء حال وصوله إلى الفضاء العام، وهو ما جرى مع واقعة اتهام مصممة الأزياء المصرية ندى عادل لزوجها السابق، بأنه كان يغتصبها حتى انفصلت عنه وطالبت في فيديو نشرته على منصات التواصل كل الزوجات بالانتفاضة ضد المعاشرة بالإكراه.

ما يعكس خواء العقول من الحد الأدنى للثقافة الجنسية أن هناك نساء ورجالا لا يعترفون بالاغتصاب الزوجي ويرون أن المصطلح يروج لتمرد النساء على الرجال، وتتردد نفس العبارات بأن جسد الزوجة ملك لزوجها يطلبه وقتما شاء، ولا يوجد شيء اسمه “العلاقة تبدأ بالمشاعر المتبادلة” وتجوز المعاشرة من طرف واحد.

قالت الإعلامية المصرية منى أبوشنب صاحبة مبادرة “تعدد الزوجات”، إن الزوجة لا يحق لها الامتناع عن زوجها، لأن العلاقة الحميمة ليست على مزاجها، والشرع أحلّ له الاستمتاع بها في أي وقت حتى لا يسير في طريق الخيانة أو يتزوج عليها، معتبرة ما يتم الترويج له عن الاغتصاب الزوجي “دلع بنات” لا يجوز التركيز عليه.

وعندما سألتها “العرب” عن حق الزوجة في قبول العلاقة بنوع من التراضي وتبادل المشاعر الدافئة، أجابت “وماذا لو استمرت حالتها المزاجية السيئة لأيام؟ ليس مطلوبا من الرجل أن يكون تحت رحمة زوجته، ومن ترفض باستمرار لأي سبب عليها طلب الطلاق، لكن لا تتلاعب بمشاعر شريك حياتها وتتحجج بأنها غير مستعدة”.

الأكثر من ذلك أن هناك علماء دين من خريجي المؤسسة الأزهرية يدافعون عن حق الرجل في معاشرة زوجته بالإكراه، ويصفون من يروجون لحقها في القبول أو الرفض باعتبارها مالكة جسدها بأنهم “رجعيون” ويحاولون تطبيق الثقافة الغربية، والمعضلة أن لهؤلاء جمهور يصدق ما يروجون له ويحرضون عليه باغتصاب الزوجة.

تابوت الاغتصاب الزوجي من المحرمات داخل الأسرة العربية
تابوت الاغتصاب الزوجي من المحرمات داخل الأسرة العربية

ذكر الداعية الأزهري عبدالله رشدي عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن المنددين بالاغتصاب الزوجي منبطحون للغرب، وامتناع الزوجة عن رجلها دون عذر حرام شرعا، وفاعلته ملعونة، ولزوجها تأديبها على ذلك بالضرب غير المبرح، بعد وعظها وهجرها، وهي الفتوى التي تلقفها البعض لتبرير مواقفهم العدوانية تجاه الزوجات.

وعندما دخل الأزهر على خط الأزمة كان موقفه مثيرا للريبة، فلم يحسم الأمر وينصف الزوجات بشكل واضح، بل أمسك العصا من المنتصف وقال في بيان صحافي، “الشرع حرّم امتناع الزوجة عن زوجها بغير عذر، والعكس صحيح بالنسبة للرجل”، رغم اعترافه في البيان ذاته، بأنه “لا دلالة على وجود أحاديث تجيز إيذاء الزوجة إذا رفضت العلاقة”.

ورأت عنان حجازي استشارية العلاقة الأسرية والصحة الجنسية أن غياب الثقافة الجنسية عند الكثير من الأزواج سبب رئيسي في العنف الجنسي، ويصعب مواجهة هذه التصرفات دون توعية ورفع ستار الحرج عن إثارة القضية ومناقشتها، لأن هناك سيدات يعانين نفسيا وجسديا لعدم تفهم الرجال طريقة تمام العلاقة الحميمة وتوقيتاتها.

وأوضحت لـ”العرب” أن الأصل في العلاقة الحميمية أن تصاحبها مشاعر متبادلة بين الزوجين حتى يدوم الحب والتلاقي والتفاهم والمودة لا أن يتعامل أيّ طرف مع الآخر كملكية خاصة، يشبع منه رغباته الأحادية بغض النظر عن مخاطر ذلك على حياة الشريكين، لأنها غالبا تصير جامدة ويشوبها الخلل وانعدام العاطفة.

الكثير من الزوجات يعشن نفس المعاناة إذ لا يمتلكن جرأة الإفصاح عن الاغتصاب الذي يتعرضن له على أيدي أزواجهن

صار الحديث عن تدريس الثقافة الجنسية من المحظورات في أغلب البلدان العربية، وليس في مصر وحدها، وكلما تم فتح الملف تنتفض الأسر المحافظة ضد دعوات نشر التوعية بأي شيء يرتبط بالجنس، حتى لو كان الهدف نبيلا وإنسانيا، ويؤسس لحياة زوجية سعيدة مستقرة خالية من المنغصات والعنف، تكرس التفاهم المتبادل.

أمام الجهل بالحد الأدنى من المعلومات الجنسية قد تجد رجلا يتمسك بالعلاقة الحميمية ولو كانت زوجته مصابة بالتهابات شديدة في الجهاز التناسلي أو حاملا في شهور متقدمة وتحتاج إلى راحة لتجنب النزيف، ومهما بررت الزوجة صعوبة العلاقة يحتمي الرجل بأحاديث وفتاوى دينية مشكوك في صحتها توصمها بالعاصية لترضخ له.

تزداد أزمات الزوجات الرافضات للعنف الجنسي عندما يكون الأهل غير متفهمين للفكرة من الأساس، وقد تتعرض للاعتداء البدني والطرد، كأنها ارتكبت فضيحة بحق أسرتها لمجرد أنها لا تتقبل العلاقة الحميمية في أوقات بعينها، وهي وقائع تعيشها بعض المجتمعات، خاصة الريفية والشعبية والبيئات التي يسود الجهل بين سكانها، وتقدس سطوة الرجل على المرأة.

أكد جمال فرويز استشاري الطب النفسي بالقاهرة أن التثقيف بإنسانية العلاقة الجنسية يجب أن يبدأ من سنوات المراهقة، لأن إصلاح عقليات أرباب الأسر قد يكون صعبا، وربما شبه مستحيل، بالتالي فإنه يجب تأهيل الصغار، أزواج المستقبل، بأن العلاقة الحميمة قائمة على تبادل المشاعر والإشباع العاطفي من الطرفين.

وأشار لـ”العرب” إلى أن الإشباع الجنسي من طرف واحد معناه اغتصاب، وهذا يجب أن يتعلمه الشباب والفتيات مع تثقيفهم بخطورة العلاقة القائمة على العنف والترهيب، لأنها تضرب الكيان الأسري ولا تؤسس لعائلة ناجحة متفاهمة، وتترك وراءها ذكريات سيئة عند الزوجة يصعب نسيانها، إذ لا بد أن يعرف أزواج المستقبل الفارق بين العلاقة الحميمة والشهوانية.

أغلب الأزواج في المجتمعات العربية تعاني من انعدام الثقافة الجنسية وترتب على ذلك استمرار تعامل الذكور مع أجساد النساء باعتبارها ملكية خاصة
أغلب الأزواج في المجتمعات العربية تعاني من انعدام الثقافة الجنسية وترتب على ذلك استمرار تعامل الذكور مع أجساد النساء باعتبارها ملكية خاصة

 

21