غياب الإرادة السياسية يحوّل تونس من منتج عالمي للفوسفات إلى مستورد

تواصل أزمة الفوسفات تثير أسئلة كثيرة لدى التونسيين لاسيما في ما يتعلق بالجهات المستفيدة من التعطيل المتواصل للإنتاج.
الأربعاء 2020/11/04
معالجات حكومية "جوفاء"

تونس - يطرح عجز الحكومات التونسية المتعاقبة منذ ثورة 14 يناير 2011 على حلحلة أزمة الفوسفات التي تُراوح مكانها، الكثير من التساؤلات خاصة وأن هذا الملف حوّل تونس من ثالث منتج عالمي قبل سنة 2010 إلى مستورد للفوسفات في العام 2020.

ويرى مراقبون أن غياب الإرادة السياسية وعدم الاستقرار السياسي من أبرز الأسباب الكامنة وراء عدم حلحلة هذا الملف رغم ما يكتسيه من أهمية حيث بإمكان هذا القطاع أن يجنب تونس العديد من الهزات الاجتماعية والاقتصادية وذلك من خلال استقطاب طاقة تشغيلية مهمة.

وبعد أن كانت تونس ثالث منتج لمادة الفوسفات عالميا قبيل الثورة، وتحديدا في 2010 بإنتاج فاق 8 ملايين طن، أصبح الإنتاج في هذا القطاع في البلاد معطلا ومتعثرا، لأسباب تتعلق باحتجاجات منادية بالتشغيل وغيرها.

وخلال وقت سابق من العام الجاري، لجأت تونس ولأول مرة في تاريخها، إلى استيراد الفوسفات من الجارة الجزائر بسبب تعطل إنتاجها.

وأواخر الشهر الماضي، وصلت إلى الميناء التجاري بمدينة قابس جنوب شرقي تونس، سفينة مُحملة بـ16500 طن من مادة الفوسفات، قادمة من ميناء عنابة الجزائري.

وفي تصريحات سابقة له، أعلن عبدالوهاب عجرود، الرئيس المدير العام للمجمع الكيميائي التونسي، أن البلاد اتبعت خطة لتوريد 500 ألف طن على دفعات من الفوسفات، ما يعادل مخزون استهلاك شهر لوحدات التحويل التابعة للمجمع.

ويبدو أن ملف الفوسفات أُقحم في “المعركة السياسية” بتجاذباتها وصراعاتها المتواصلة، ما جعله أحد أبرز الملفات المطروحة على الحكومات المتعاقبة التي لم تقدر على حله إلى حدّ هذه اللحظة، ما سبب اضطرابا في وتيرة الإنتاج والتعطيل المتواصل.

حاتم المليكي: لم نر مقاربة حكومية واضحة لحل أزمة الفوسفات
حاتم المليكي: لم نر مقاربة حكومية واضحة لحل أزمة الفوسفات

ولم تلق الدعوات الشعبية المتتالية والمنادية بضرورة التسريع في إيجاد حلول لمعضلة توقف الإنتاج، صدى حكوميا أو سياسيا، واقتصر صناع القرار في كل مرة على اعتماد معالجات “جوفاء” دون نجاعة ملموسة تقضي بتجاوز الأزمة.

ويرى المحلل السياسي خالد عبيد في تصريح لـ”العرب”، أن “ما نشهده اليوم هو من تداعيات النظام السياسي القائم في تونس والذي قننه دستور 2014، ما يجعل الحكومة ضعيفة وغير قادرة على فعل أي شيء، وهذا يرتدّ على قدرتها على إصدار قرارات لا تقدر على تحملها”.

وأضاف عبيد “ليست هناك حكومة ولن تكون هناك حكومة قادرة على إنهاء حالة الفلتان الموجودة التي تنذر بانهيار الدولة ومؤسساتها.. والمسألة متعلقة بنظام الحكم الموجود والذي أفرز هكذا سلوكيات تمنع إنتاج الفوسفات والنفط، وطبيعة نظام الحكم تجعل المواطنين يتجرّأون على الدولة لأنها غير قادرة على أخذ القرارات اللازمة”.

وأثار تواصل أزمة الفوسفات أسئلة كثيرة لدى التونسيين لاسيما في ما يتعلق بالأطراف التي تقف وراء هذا التعطيل المتواصل للإنتاج والجهات المستفيدة. وتحمل أطراف سياسية حكومات ما بعد الثورة مسؤولية تردي الأوضاع في قفصة وتوقف إنتاج الفوسفات بالمناجم.

وقال النائب بالبرلمان حاتم المليكي إن “أزمة الفوسفات متواصلة منذ سنة 2008 وهي من الصعوبات الحقيقية للحكومات المتعاقبة التي عجزت على حلها والاستثمار فيها”.

وأضاف المليكي في تصريح لـ”العرب”، “أصبحت الحكومة في مواجهة مباشرة مع المواطنين، ولم نر مقاربة واضحة للتمييز الإيجابي ولا تفعيلا لسياسة الدولة طيلة 10 سنوات، ولاحظنا ضعف الحكومة عبر استجداء المواطنين الذين يعانون الفقر والبطالة والتهميش”.

وأشار إلى أن الملف أثر مباشرة في الجانب الاقتصادي والمالي، حيث أصبح “النقص في الإنتاج مصدر نفقات للدولة والحكومة عاجزة عن حلها”.

ودعا المليكي حكومة هشام المشيشي إلى الذهاب إلى الحوض المنجمي قفصة (جنوب) ومواقع إنتاج الفوسفات ومفاوضة المحتجين مثلما حدث مع معتصمي الكامور جنوب البلاد، “فأما أن يتم توظيف المسألة واستغلالها من حكومة إلى أخرى فلن نجد لها حلولا مطلقا”.

وسبق أن أكد هيكل المكي، رئيس لجنة المالية بمجلس نواب الشعب، في تصريح لـ”العرب”، بأنه “يجب أن يعود الإنتاج.. والدولة أيضا يجب أن تعود إلى هناك بخطاب آخر ورؤية استشرافية إيجابية للمنوال التنموي”. قائلا “تتحمل حركة النهضة المسؤولية لأنها شاركت في كل الحكومات المتعاقبة”.

وتُعدّ ولاية قفصة أكبر منطقة منتجة للفوسفات في تونس. ويتركّز الإنتاج في الحوض المنجمي وتحديدا في أربعة مواقع وهي المظيلة والرديف وأم العرايس والمتلوي التي تنتج لوحدها 75 في المئة من الفوسفات التونسي.

وشركة فوسفات قفصة، ذات صبغة صناعية متخصصة في إنتاج الفوسفات، تأسست عام 1987، برأس مال 268 مليون دينار (95.7 مليون دولار)، وتشغّل 7400 عامل بطاقة إنتاج حالية تصل إلى 8.3 ملايين طن.

4