عودة مفاوضات سد النهضة على وقع تحذيرات مصرية لإثيوبيا

القاهرة - انطلقت في القاهرة الأحد، وعلى مدار يومين، جولة جديدة من محادثات سد النهضة، تركز على آليات الملء الأول للسد وتشغيله، بعد أن تعطلت الاجتماعات بسبب تفاعلات الحراك السوداني وسقوط نظام الرئيس عمر حسن البشير، وتأخر تعيين وزير جديد للري.
ويأتي اللقاء الثلاثي وسط سلسلة من التصريحات المصرية المحذّرة مما أسمته بـ”استمرار حالة التراخي في حسم ملف سد النهضة”.
وشدّد وزير الخارجية المصري سامح شكري، الأحد، على ضرورة أن يتم الاتفاق مع إثيوبيا حول سد النهضة في أقرب فرصة لعدم خلق واقع مادي وفرض إرادة طرف على الآخر.
وأشار شكري إلى أن الاجتماع الجاري حاليا بين وزراء الري في البلدان الثلاثة يأتي بعد انقطاع حوالي عام و3 أشهر، وهي فترة تجاوزت ما كان مُقررا، وتركت الأمور معلّقة لفترة كبيرة. ولفت إلى أن “الأربع سنوات الماضية لم يتم خلالها تحقيق تقدّم ملموس حول ملء وتشغيل السد”.
وأحاطت مصر وزراء الخارجية العرب، الثلاثاء الماضي لأول مرة، بـ”صعوبات” تواجه مفاوضات السد، ووجود “مراوغات” من إثيوبيا.
وأعرب نائب وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية، السفير حمدي لوزة، عن عدم ارتياح القاهرة لطول أمد المفاوضات الخاصة بسد النهضة.
وأشار في اللقاء الذي دعا إليه سفراء الدول الأوروبية المعتمدين لدى القاهرة الخميس، إلى أنه أطلعهم على آخر مستجدات المفاوضات الخاصة بسد النهضة.
وقدّمت مصر للجانب الإثيوبي طرحا لقواعد ملء وتشغيل السد يحقق أهداف إثيوبيا في توليد الكهرباء من سد النهضة ويحفظ في نفس الوقت مصالح القاهرة المائية، مبنيّا على مناقشات تمت بين البلدين، والالتزامات الواردة في اتفاق إعلان المبادئ الموقع بالخرطوم في 23 مارس 2015، وقضى باتفاق الدول الثلاث على قواعد الملء والتشغيل لسد النهضة.
وتضمّن الاتفاق 10 مبادئ أساسية لحفظ الحقوق والمصالح المائية والتعاون على أساس التفاهم والمنفعة المشتركة وعدم التسبب في ضرر لأي من الدول الثلاث.
ويرى مراقبون أن تصريحات المسؤولين في مصر، تبدو “حاسمة ومقلقة”، وتهدف إلى استثمار الظروف الراهنة في السودان، والضغط على إثيوبيا للعودة إلى طاولة التفاوض من جديد وقطع الطريق أمام أي مماطلة لإنهاء أزمة مستمرة منذ قرابة ثمانية أعوام.
ويقول متابعون إن صورة السودان الجديد الساعي إلى تصفير الأزمات الإقليمية يمكن أن تصب في صالح حلحلة أزمة السد، في حضرة رئيس وفدها وزير الري ياسر عباس، وهو أكاديمي ومعروف عنه آراؤه المتزنة والخبرة التي راكمها في التعامل مع ملف المياه والفيضانات.
وأشار الأكاديمي في معهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، ماهر شعبان إلى أن عودة الأطراف الثلاثة تنطوي على رؤى جديدة ومرنة عن ذي قبل، فقدوم آبي أحمد كرئيس للحكومة في إثيوبيا غيّر مفهوم السلام في المنطقة، وما يحدث في السودان الآن يوفر دفعة قوية للعمل بوتيرة سريعة في المفاوضات.
وأضاف إلى “العرب” أن أهم إيجابيات اجتماعات القاهرة، هو عودة التفاوض بعد فترة طويلة من التوقف، فمن الضروري طرح أزمة السد بشكل مستمر، ولا بد أن تكون القضية حاضرة؛ باستمرار فحالة الخمول تعقّد الحلول التوافقية.
وترفض القاهرة ما تعتبره فرض وصاية أو رؤية أحادية دون اكتراث بمصالح الآخرين أو اهتمام بتجنّب الأضرار التي تقع على دولتيْ المصب، خاصة مصر التي تعتمد على نهر النيل كشريان لحياة المواطنين.
وأكد وزير الري المصري محمد عبدالعاطي أنّ أيّ أعمال تتم في أعالي النيل يجب أن تكون بالتنسيق بين دول المنبع ودول المصب، وبلاده لديها حساسية للأعمال “غير المنسقة” التي تؤثر على إيرادات نهر النيل، وأي انخفاض سيؤثر سلبيا على أمنها المائي.
وأجّلت القاهرة اجتماعا سداسيا مع إثيوبيا والسودان بحضور وزراء الريّ والخارجية ورؤساء الاستخبارات في الدول الثلاث، لاستكمال مفاوضات سد النهضة للشهر المقبل لبحث التوصل إلى اتفاق، مطالبة بأهمية وضع جدول زمني للمفاوضات.
وأكدت أهمية الانتهاء من المفاوضات وفقا لبرنامج زمني محدد، خاصة أنها وجهت الدعوة بناء على مطلب الجانب الإثيوبي بتعديل موعد الاجتماع السداسي بين الدول الثلاث.
وتقول أديس أبابا إن التعاون بين البلدين يسير بصورة جيدة، وهناك مفاوضات جارية تشمل السودان أيضا، وستصل إلى توافقات مرضية خلال الجولة المقبلة من المفاوضات.
وتؤكد إثيوبيا أن الأعمال المتبقية، هي الأشغال الهيدروميكانيكية وتركيب التوربينات الـ14 لتوليد الطاقة، وسوف تقوم إثيوبيا بتركيب أول توربينين خلال حوالي عام، على أن يكتمل تركيبها تدريجيا ليتسنّى لها دخول مجال الإنتاج مع اكتمال بناء السد عام 2023.
ويشير الإعلام الإثيوبي، على غرار موقع “ذا ريبورتر إثيوبيا” إلى أن أديس أبابا مستمرة في تبنّي سياستها الخارجية المتزنة، القائمة على مبدأ تحقيق التنمية دون إيذاء آخرين، وليس في صالحها المماطلة، لأنها تسعى إلى تحقيق حسم الخلافات في الملفات الخارجية، باعتبارها وسيلة لمزيد من الاستقرار السياسي. وشدّد سفير إثيوبيا لدى القاهرة دينا مفتي قبل أيام على رغبة بلاده العمل والتعاون المشترك مع مصر لنقل علاقات البلدين إلى التعاون الشامل بدلا من اختزالها في سد النهضة.
وكشفت التصريحات القادمة من إثيوبيا والسودان حرص البلدين على التوصل إلى صيغة إيجابية تقترب من رؤية القاهرة، وحسم قضية سد النهضة في غضون أسابيع قليلة.