عمل توثيقي يبني جسراً بين ثقافتين عريقتين

موسوعة ترصد سيرة التبادلات الثقافية والأدبية منذ القدم بين الحضارتين الصينية والعربية، والترجمات الصينية الأولى للأدب العربي.
الجمعة 2019/09/06
ثقافتان عريقتان تنهلان من بعضهما البعض

يحظى الأدب الصيني اليوم بمتابعة هامة من القراء العرب، كما يحظى الأدب العربي بانتشار هام في الصين، ولكن الاهتمام بالأدب الصيني عربيا والأدب العربي صينيا، ليس وليد اليوم، بل هو قديم قدم الحضارتين العريقتين، وهو ما تثبته موسوعة “تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية” التي نشرت مؤخرا.

تم مؤخرا تدشين موسوعة “تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية” والتي قام بتأليفها الأساتذة الصينيون تشي بو هاو ودينغ شو هونغ وتسونغ شياو فاي، الذين نجحوا في إظهار عمق التبادلات الأدبية والثقافية بين الصين والدول العربية، وهو ما يبشر بمستقبل مشرق في العلاقات بين الجانبين.

وقد بدأ بترجمة موسوعة “تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية” إلى اللغة العربية المستشار الثقافي المصري السابق في بكين الدكتور حسين إبراهيم بالمشاركة مع الدكتور نجاح أحمد عبداللطيف في عام 2016 الذي صادف عام التبادل الثقافي المصري الصيني، حيث شهد حفل توقيع مخرجات حقوق النشر للنسخة العربية للموسوعة.

تبادلات ثقافية

بعد ثلاث سنوات تم إطلاق الموسوعة في نسختها العربية، وقد شارك في نشر هذا العمل الذي يورّث ويرسخ روح التعاون والتبادل على طول طريق الحرير، ويبني مستقبل المصير المشترك للبشرية، كل من مؤسسة دار نشر شاندونغ التعليمية، ومؤسسة دار الحكمة للاستثمار الثقافي والنشر، ومؤسسة منشورات ضفاف، ومؤسسة منشورات الاختلاف، ومؤسسة دار الأمان للنشر والتوزيع.

وترصد موسوعة “تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية” مسيرة التبادلات الثقافية والأدبية منذ القدم بين الحضارتين الصينية والعربية، والترجمات الصينية الأولى للأدب العربي، كما يسلط الضوء على الأدب الصيني في الدول العربية، ورحلة التبادلات بين الأدباء العرب والصينيين والأحداث التاريخية التي واكبت محطات حركة التبادلات الأدبية بين الجانبين.

كما ترصد موسوعة “تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية” التاريخ الطويل للأمة العربية في التواصل التجاري والثقافي والأدبي مع الصين، حيث عرفت الصين العرب منذ القرن الثاني قبل الميلاد مع رحلة المبعوث الصيني تشانغ تشيان إلى الغرب في عصر الإمبراطور هان وو دي، ثم عبر طريق الحرير البري القديم وطريق الحرير البحري “طريق التوابل” اللذين شهدا تدفقا للتجار العرب على الصين لتنتعش التبادلات الثقافية والأدبية إلى جانب التجارية بين الجانبين يوما بعد يوم.

هذا العمل يورث ويرسخ روح التعاون والتبادل على طول طريق الحرير، ويبني مستقبل المصير المشترك للبشرية

ويذكر الدكتور حسين إبراهيم أن من أوائل المترجمات عن العربية كانت في عام 1890، حيث ترجم ما آن لي “البردة” للبوصيري، ونشرها في مدينة تشينغدو في نسخ مطبوعة على ألواح خشبية باللغتين العربية والصينية. وتبعها عدد من الإسهامات الجليلة في التبادلات الثقافية الصينية العربية، منها ترجمة “ألف ليلة وليلة” ورائعة ماو دون “منتصف الليل”.

 وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، ومع تعزيز الروابط الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول العربية، تطورت التبادلات الثقافية والأدبية لتصل إلى ذروتها بعد إطلاق العنان لسياسة “الإصلاح والانفتاح”، حيث تطوّر تعليم اللغة العربية في الصين بشكل ملحوظ، وأقبل عدد من أساتذة الجامعات والباحثين المتخصصين ومحبي الأدب العربي على ترجمة الأعمال الأدبية العربية من مصادرها.

ويضيف أنه إلى جانب تراجم القصة والشعر والأعمال الشعبية كانت هناك أيضا تراجم لتاريخ الأدب، منها ترجمة لو شياو شيو وياو جيون ده لكتاب هاميلتون كيب “موجز تاريخ الأدب العربي” عن الإنكليزية، وترجمة لي تشن تشونغ كتاب “تاريخ الأدب المصري المعاصر” للعالم المصري شوقي ضيف، وترجمة تشي بو خاو لكتاب حنا الفاخوري “تاريخ الأدب العربي” وترجمة وانغ وينهو، ويوان يي فن لكتاب أحمد هيكل “الأدب القصصي والمسرحي في مصر”.

 وبعد الإصلاح والانفتاح، تطور تعليم اللغة العربية في الصين بسرعة شديدة، وأقبل عدد من أساتذة الجامعات والباحثين المتخصصين ومحبي الأدب العربي على ترجمة الأدب العربي ترجمة مباشرة بعد أن كانت ترجمة النصوص العربية يعتمد معظمها على الترجمة من الروسية والإنكليزية.

ويؤكد حسين إبراهيم أن هناك قواسم مشتركة كثيرة بين المسيرة التاريخية للصين والمسيرة التاريخية للبلدان العربية، لذلك، عندما نشرع في اختيار الأعمال الأدبية العربية التي نقدمها للقارئ الصيني، لا بدّ وأننا سنصادف موضوعات تلقى تعاطفا وتجاوبا منه؛ مثل النضال من أجل التحرير الوطني، وقضايا الريف والأرض، والأعراف الإقطاعية، والقيود على النساء تلك الأعمال الأدبية التي تصور المجتمع والأسرة والحياة، وتستكشف الفلسفة والرمزية وغير ذلك.

ولقد بدأ عالَم الأدب الصيني ينتبه للأدب العربي الحديث في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين؛ فترجمت أعمال لجبران، وطه حسين، ومحمود تيمور وقليل من الأدب القديم والحديث.ويوضح إبراهيم أنه في الخمسينات ترجمت رواية الكاتب اللبناني جورج حنا “كهان الهيكل”، والمجموعة القصصية “دماء لا تجف” لعبدالرحمن الخميسي، ثم “عودة الروح” لتوفيق الحكيم، و”الأرض” لعبدالرحمن الشرقاوي، و”هاتف المغيب” لجمال الغيطاني، و”المصابيح الزرق” للسوري حنا مينة، و”موسم الهجرة إلى الشمال” للسوداني الطيب صالح، و”رجال تحت الشمس” للفلسطيني غسان كنفاني، و”الخبز الحافي” للمغربي محمد شكري، و”ريح الجنوب” للجزائري عبدالحميد بن هدوقة، والمجموعة القصصية “طرب” للكاتبة السعودية الأميرة مها محمد الفيصل وغيرها من الأعمال.

موسوعة تسلط الضوء على الأدب الصيني في الدول العربية
موسوعة تسلط الضوء على الأدب الصيني في الدول العربية

ويلفت إبراهيم إلى أن الأمة العربية أمة شعر؛ وبخلاف المعلقات التي أشرنا إليها من قبل، فإن إنجازات العرب من الأدب العربي في القرون الوسطى كان أعظمها من الشعر والذي ينافس في جماله الشعر في عصر أسرة تانغ في الصين.

الأدب الصيني

تتناول الموسوعة من الجانب الآخر لترجمات العرب من الصينية إلى العربية ، ففي الأدب الكلاسيكي الصيني كنوز معروفة في العالم كله، وقد أولى العلماء العرب اهتماما كبيرا بالكلاسيكيات الصينية؛ فقد ترجموا “محاورات كونفوشيوس” و”كتاب الطاو” عدة مرات على أيدي مترجمين مختلفين.

كما ترجموا كتاب “تشوانغ تسو”، و”كتاب التغيرات”، وكتاب “فن الحرب لسون تسي بين”، و”كتاب الشعر “وترجموا أيضا أشعار لي باي ودوفو، وبايجيو يي، وتاو يوان مينغ، ولي تشينغ تشاو، ووانغ واي، ولي شانغ يين وغيرهم من الشعراء. وهناك أيضا تراجم مبسطة لـ”قصص الأساطير الصينية” و”الأساطير الصينية القديمة” و”رحلة إلى الغرب” و”على حافة الماء” و”حلم المقصورة الحمراء”.

أما ترجمات الأدب الحديث فهي غزيرة، ففي البداية كانت هناك ترجمة “تشيو يوان” لقَوَه موَه روَه، والتي كتب لها المقدمة الكاتب المصري عبدالرحمن الشرقاوي. كما قدمت إلى القارئ العربي ثلاثية باجين “التيار الجارف”، و”المقهى” للاوشي، و”منتصف الليل” لماو دون، و”عاصفة رعدية” و”شروق الشمس” لتساو يو. ومعظم أعمال لوشيون قد ترجمت إلى العربية أيضا مثل “سيرة أكيو”، و”كونج إي جي”، و”يوميات مجنون”، و”الدواء” وغيرها.

 ولقد انتبه الباحثون العرب لأهمية ترجمة الأعمال الأدبية الصينية المعاصرة في التعريف بالمجتمع الصيني وحياة شعبه وسلوكياته فترجموا «أغنية الشباب» لتشانغ شيان موا، و”زهرة السوسن” لرو تشي جيوان و”الحب لا ينسى” لتشانغ جييه، و”المرأة نصف الرجل” لتشانغ شيان ليانغ و”جنازة مسلم” لهدى وغيرها من الروايات الصينية المعاصرة.

وترجمت أيضا الأعمال المهمة لأديب نوبل الصيني مويان، وأعمال لجيل الوسط من أدباء الصين مثل يوهوا وسوتونغ وليوجين يون شيو تسي تشن وجي دي ماجيا وغيرهم، ووصلت الأعمال الأدبية الصينية المترجمة إلى حوالي 150 عملا أدبيا، فقد استهوى الأدب الصيني القديم قطاعا كبيرا من القراء العرب والباحثين، حتى الآن.

وبسبب اختلاف الدول العربية في ظروف كل دولة وقوتها، كان هناك تفاوت من دولة إلى أخرى في حجم الأبحاث وتراجم الأدب الصيني؛ فتراجم مصر ولبنان وسوريا والعراق للأدب الصيني ودراساتها فيه، كثيرة نسبيا وجيدة إلى حد كبير، أما في سائر الدول العربية فالأمر ليس كذلك. وعلى أي حال شهدت التراجم عن الصينية تطورا ملحوظا محققة إنجازات لا بأس بها ولا تزال، وعلى الرغم من عدم التكافؤ بين التبادل العربي الصيني في الأدب، إلا أنه يبقى “تبادلا” بما تعنيه الكلمة.

14