عقوبات جماعية بإيقاف بث قنوات تلفزيونية في كردستان

تتالت عمليات وقف القنوات التلفزيونية في إقليم كردستان العراق في الآونة الأخيرة متخذة ذرائع متعددة، في حين أنها غالبيتها ذات خلفية سياسية. ويتم القفز على القوانين لتصفية الحسابات بين الأحزاب عن طريق استهداف الصحافيين ووسائل الإعلام التابعة للخصوم.
أربيل - أوقفت السلطات في إقليم كردستان العراق بث خمس قنوات تلفزيونية محلية دفعة واحدة بسبب “مخالفة لوائح البث”، في قرار جدد الانتقادات ضد حكومة الإقليم التي تسير في نهج متصاعد نحو التضييق على وسائل الإعلام وإصدار أحكام قضائية مشددة على الصحافيين.
وذكرت وزارة الثقافة والإعلام في الإقليم “بسبب انتهاك قانون الطباعة والنشر وتجاهل التعليمات الخاصة بعرض البرامج الخيرية، قررت المديرية العامة للإعلام والطباعة والنشر في وزارة الثقافة إيقاف بث عدد من محطات التلفزيون المحلية”.
وأضافت أن القنوات المشمولة بالقرار هي “تصوّف” و”خيزان” و”آسمان” و”روز” و”داهين”، مشيرة إلى أنه تم تنبيه تلك القنوات مرارا إلى مخالفاتها في بث البرامج الخيرية، لكنها لم تكترث للأمر.
وتابعت الوزارة أنها قررت إيقاف بث تلك القنوات بموجب قانون تنظيم ترددات البث الفضائي في إقليم كردستان، على أن يتم تنفيذ قرارها اعتبارا من تاريخ صدوره.
بلقيس والي: المحاكمات المعيبة في إقليم كردستان ليست بالأمر الجديد
وتتولى دائرة الإعلام والمطبوعات والنشر التابعة لوزارة الثقافة والشباب والرياضة، منح ترددات البث للإذاعات والتلفزيونات ومنح إجازات عمل القنوات أو مكاتبها، ومن ضمن عملها المطبوعات والنشر.
كما تتولى مراقبة عمل وسائل الإعلام، استنادا إلى تعليمات عام 2014 الخاصة بعمل القنوات التلفزيونية والإذاعات، والمتعلقة بالإشراف على عمل هذه المؤسسات، وتنص المادة الخامسة من التعليمات على أن أربع جهات مسؤولة عن متابعة أو محاسبة المؤسسات الإعلامية التي تخرج عن حدود وإطار هذه التعليمات والقواعد العامة للمجتمع، وهذه الجهات هي المحاكم، والإدعاء العام، ونقابة الصحافيين، ودائرة الإعلام الحكومية.
وتستطيع هذه الجهات الأربع مراقبة أو تقديم شكوى على أي برنامج أو محتوى مسيء في أي إذاعة أو تلفزيون في الإقليم، وتقوم غرفة خاصة في دائرة الإعلام والمطبوعات والنشر بمتابعة ومراقبة كل القنوات العاملة بكردستان، والتي لديها إجازة عمل وتقرر في حالة وجود مخالفة لإحدى القنوات وترفعها إلى مدير عام الإعلام.
وأوضح مدير عام دائرة الإعلام والنشر والمطبوعات في الإقليم شيروان عولا في تصريحات لوكالة الأنباء العراقية، “في حالة وجدوا مخالفة لإحدى الإذاعات أو القنوات التلفزيونية لدينا إجراءات تبدأ بإرسال كتاب تنبيه للجهة المخالفة، وفي حالة استمرار القناة على المخالفة أو التجاوز لدينا صلاحية لإيقاف البث أربعا وعشرين ساعة”.
وأضاف عولا “إذا استمروا بعدها بنفس المخالفة نوقف بثهم أسبوعا، وإذا تكررت المخالفة بعدها ترفع بهم شكوى إلى المحكمة”.
لكن غالبا ما يتم تجاوز هذه النصوص، ويتم القفز على الإجراءات القانونية من قبل السلطات الأمنية، التي تتدخل لإسكات الصحافيين ووسائل الإعلام لأسباب سياسية بالدرجة الأولى.
واقتحمت القوات الأمنية الكردية “الأسايش” مقر قناة “أن.آر.تي” التي تبث من مدينة السليمانية في ديسمبر الماضي، حيث أوقفت بثها عنوة بعد الاعتداء على مسؤول البث وأجبرته على إيقافه، كما كسرت بعض الأجهزة الخاصة بالقناة. ولم تغادر القوات الأمنية بكاملها، بل بقيت مجموعة منها لمنع الموظفين من الدخول.
والقناة مملوكة لشاسوار عبدالواحد قادر، رئيس حزب الجيل الجديد المعارض، وتذرعت وزارة الثقافة والرياضة والشباب بخصوص إيقاف بث القناة بعدم “التزامها بالمعايير الصحافية في وصف القوات الأمنية الكردية بالميليشيات وقطاع الطرق”.
وقبل عدة أشهر أغلقت حكومة إقليم كردستان مكتبي القناة ذاتها في أربيل ودهوك، على خلفية تغطيتها احتجاجات للمدرسين اندلعت في دهوك.
وأدانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” وقتها عملية الإغلاق من قبل حكومة إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أن القناة كانت الوحيدة التي قدمت تغطية مفصلة لدعوات الاحتجاج ضد تفشي الفساد.
وقال بيان المنظمة الدولية “لم يكن لدى السلطات الكردية أمر قضائي وفرضت الإغلاق فقط في أربيل ودهوك، وهما المنطقتان الخاضعتان لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، ما أثار مخاوف من كون الإغلاق له دوافع سياسية”.
وأشارت المنظمة إلى أنه “يجب أن يكون الصحافيون قادرين على عرض جميع وجهات النظر، بما فيها تلك التي تعارض السلطات، دون خوف من الاعتقال”.
كما أوقفت وزارة الثقافة بث ست قنوات تلفزيونية، بشكل مؤقت، في فبراير 2020 لبثها برامج مخالفة للتعليمات، مهددة بإغلاقها نهائيا وإلغاء رخص عملها في حال تكرار المخالفات التي عوقبت من أجلها.
19 قناة تلفزيونية فضائية و86 قناة محلية مرخصة في إقليم كردستان وتدفع رسوما سنوية
وقالت مصادر من داخل إحدى القنوات المعاقبة إن وزارة الثقافة في الإقليم تتخذ من “المخالفات” ذريعة، للقيام بإغلاق القنوات التلفزيونية التي يتعارض نهجها مع الأحزاب المسيطرة على الشؤون السياسية في الإقليم. ومنحت وزارة الثقافة في إقليم كردستان رخص عمل لـ19 قناة تلفزيونية فضائية و86 قناة محلية، وتتقاضى منها رسوما سنوية، وقد عوقبت قنوات لعدم دفع الرسومات.
وسجل الإقليم ارتفاعا ملحوظا في عدد الانتهاكات والمخالفات بحق الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، والتي تنوّعت ما بين إغلاق المؤسسات وتشويش الأجهزة والمعدات الخاصة بالبث والإرسال، إضافة إلى ضرب الصحافيين وإهانتهم وتوقيفهم ومصادرة معداتهم.
واعتبر مراقبون أن عدم التزام المؤسسات الأمنية والحكومية في الإقليم بالقانون الخاص بالعمل الصحافي، بمثابة النقطة الأكثر إشكالية والتي تسجل ضدهم مع استمرار الانتهاكات بحق الصحافيين، وهذا ما يعطي مؤشرا سلبيا على حرية الصحافة في كردستان.
ولا تزال أصداء محاكمة ستة صحافيين وناشطين في فبراير الماضي، مستمرة حتى الآن بسبب الأحكام المشددة التي صدرت بحقهم، واستنكار المنظمات الدولية للأحكام “المعيبة” و”تسيس القضاء” في الإقليم.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن الإجراءات في محكمة أربيل الجنائية شابتها انتهاكات خطيرة لمعايير المحاكمة العادلة، بالإضافة إلى تدخل سياسي عالي المستوى.
وقالت بلقيس والي، الباحثة العراقية في الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش، “المحاكمات المعيبة في إقليم كردستان ليست بالأمر الجديد، لكن التباهي بأبسط مبادئ العدالة لمعاقبة أشخاص يُزعم أنهم يخططون لتظاهرة هو مستوى جديد من الانحطاط”.