طارق لطفي فنان ملتزم يواجه الإرهابيين بأصعب الأدوار

يترقب عشاق الدراما الرمضانية في الوطن العربي المسلسل المثير للجدل “القاهرة – كابول”، الذي يقوم ببطولته الفنان المصري طارق لطفي، مع 15 ممثلا آخرين، لكن دائرة الاهتمام تتركز على الدور الأبرز في العمل، وهو شخصية المتطرف الذي نشأ وسطيا حتى صار قائدا لتنظيم إرهابي.
ومنذ أن طرحت شركة الإنتاج الفني “سينرجي” البوستر الخاص بالمسلسل لم يتوقف الجدل حول طبيعة الشخصية التي يؤديها لطفي، حيث ظهر بلحية طويلة رمادية اللون مع ربطة رأس، لتبدو الصورة شبيهة بتلك التي كان يطل بها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة على أنصاره.
وبدت الملابس التي يرتديها لطفي خلال المسلسل المرتقب، بالزي الأفغاني والمعطف المموّه، مماثلة لتلك التي عرف بها بن لادن، ما ترك لدى الجمهور انطباعا راسخا بأن العمل يناقش قضية تتعلق بتنظيم القاعدة ضمن خطة الحكومة المصرية للتوسع في أن يكون الفن أحد أسلحتها في حربها ضد الإرهاب.
تماهٍ مع الشخصيات
بغض النظر عن محتوى المسلسل، فالجمهور يترقب عرضه للتعرف على هوية لطفي فيه، باعتباره ممثلا عندما ينتسب اسمه إلى عمل فني يستحق المشاهدة، وهو الذي عرف طوال مشواره بقدرته على جعل المشاهدين يشعرون بأنه يؤدي شخصية حقيقية من شدة تماهيه مع الدور الذي يؤديه.
تماهي لطفي مع الشخصية التي يمثلها لا يرتبط فقط بالتصرفات والسلوكيات والمواقف، بل بالشكل والقوام الجسدي، فهو يتمسك بأن يضفي مصداقية على أي دور يؤديه. في “القاهرة – كابول” لا تملك وأنت أمام البوستر المطروح سوى أن تشعر وكأنك أمام بن لادن الحقيقي، في شكل اللحية ونظرة العين وطريقة رفع الإصبع وملامح الوجه والزي.
أما في مسلسل “شهادة ميلاد” الذي كان يؤدي فيه لطفي دور مريض سرطان، فقد أصر على الاستعانة بخبيرة تغذية إنجليزية لتساعده على أن يفقد قرابة 18 كيلوغراما من جسده، وحدث بالفعل، وظهر في صورة شخص مريض أنهكه المرض وجعله نحيفا ضعيف البنيان يتحرك بصعوبة، وأدى دوره بصدق واحترافية.
القاهرة – كابول

لم يكن اختيار لطفي لبطولة “القاهرة – كابول”، صدفة أو مغامرة من جانب الشركة المنتجة، فالقصة التي يتناولها المسلسل هي من ضمن ملفات أجهزة الاستخبارات المصرية، أي أن السيناريو تم وضعه بحرفية عالية، وهذه النوعية من الأدوار الفنية الحساسة تتطلب ممثلا يستطيع تحقيق الهدف وتوصيل الرسالة من وراء العمل كما ينبغي.
يريد العمل ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول تسليط الضوء على حرب الدولة ضد الإرهاب، من جانب تنظيمات محلية أو عابرة للحدود، والثاني إظهار نجاحات أجهزتها الأمنية في تحقيق التفوق بشكل يمكنها من استعراض إمكانياتها والتسويق لنفسها خارجيا ولفت انتباه الإقليم للتحديات التي تواجهها وانتصارها عليها.
وتواصل الدراما المصرية عملية فضح مخططات الإرهابيين عبر توعية المجتمعين المصري والعربي بكيفية استقطاب هذه التنظيمات لعناصرها وتجنيدهم وشحن عقولهم بأفكار متطرفة، ويتم تقريب الناس من توجهات هذه الفئة كي لا يقعوا فريسة لها ويكونوا أكثر فهما وإدراكا لألاعيبها وأهدافها.
يصعب توصيل هذه الرسائل إلا من خلال فنانين يمتلكون مهارات تمثيلية عالية؛ لأن نفور الجمهور من العمل أو تقبله للمضمون والتمسك بمتابعة كل تفاصيله من الحلقة الأولى إلى الأخيرة يرتبط بالشخصية التي تؤدي دور البطولة، خاصة عندما تدور الأحداث حول قضية مرتبطة بالسياسة.
الطيب والمثالي والشرير
يصنف لطفي ضمن نوعية الفنانين الذين إذا جسدوا شخصية طيبة هادئة جسدوها بسمات شخصية مثالية، لا تملك إلا أن تتعاطف معه طوال العمل وتتمنى عدم تعرضه لأيّ أذى أو إصابته بضرر، وعندما يجسّد دور الشرير فهو يدفعك إلى كراهيته وكأنه على رأس قائمة أعدائك في الحياة، ومع كل تصرف يقوم به يجذبك لاستفزازك.
قدّم دور الابن البار بوالديه والزوج المثالي في مسلسل “الحقيقة والسراب”، وقتها كان يقف أمام الكاميرا دون أن ينبس بكلمة، وهو يرى أمه القوية المتغطرسة تهين زوجته وتقسو عليها بطريقة لا تُحتمل، لكن ملامح وجهه دفعت بعض المشاهدين إلى البكاء. على النقيض تماما، كان في كل حلقة من مسلسل “سارة” يترك وراءه لعنات الجمهور على مواقفه وتصرفاته من شدة قسوته على عائلته، وكأنه إنسان انتزعت من قلبه كل معاني الآدمية، في تناقض غريب وشيق أيضا، عكس موهبته.
بالرغم من أن الكثير من الفنانين يجاهدون للنأي بأنفسهم عن الأدوار الشريرة، خوفا من تركها انطباعات سلبية، ظلّ لطفي من عشاق القوالب الفنية التي تجسد الشر، حيث تتيح له حرية القيام بأعمال ينبذها المجتمع دون أن يقيد نفسه بشخصية طيبة مثالية خطواتها وكلماتها محسوبة.
لطفي ممثل لا تستهويه البطولة المطلقة، ولم يسع إليها طوال مشواره الفني، فهو ليس من نوعية الفنانين الذين يسعون طوال العمل لأن يكونوا الأساس الذي يقوم عليه كل شيء، ويقحمون أنفسهم في كل مشهد.
ما يميزه أنه ممثل لا تستهويه البطولة المطلقة، ولم يسع إليها طوال مشواره الفني، فهو ليس من نوعية الفنانين الذين يسعون طوال العمل إلى أن يكونوا الأساس الذي يقوم عليه كل شيء، ويقحمون أنفسهم في كل مشهد، بل هو يقدس البطولة الجماعية ويراها عنوانا للنجاح.
لا يمكن أن ينسب نجاح أي عمل شارك فيه إلى نفسه حتى لو كان كل الحديث يدور عنه، فتراه يدين بالفضل لمن شاركوه من زملاء المهنة والكتاب والمخرجين والمنتجين، وحتى عمال الديكورات والكاميرات، هو شخصية تمتلك من التواضع ما يكفي لأن تجبر كل من يتعامل معها على احترامها لإيمانه بأن من ينسب النجاح إلى نفسه فاشل.
تتجلى قدراته في أنه يجيد التمثيل بلغة الجسد، وهناك مواقف يؤديها ببراعة بنظرة العين وحتى بالابتسامة، وملامح الوجه تكون وراءها الكثير من التفاصيل، فهو من القلائل الذين درسوا علم النفس خلال فترة التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة، ليكون أكثر قدرة على التمثيل بجسده. وهو يدرك أن أيّ فنان لم يدرس هذا العلم فاته الكثير ليصبح قادرا على تحليل الشخصية التي يجسدها، ويرى أن لغة الجسد إحدى أهم أدوات فن التمثيل، إذ تضفي المزيد من المصداقية على الأداء، وتزيل الحواجز بين الممثل والجمهور وتجعل المشاهد يعيش الحالة كما يعيشها الفنان، ويركز على كل التفاصيل ويقرأ ما بين السطور.
يعيش الشخصية، أحيانا، حتى خارج إطار العمل، ويقول عن ذلك “أحيانا أعود إلى منزلي وألتقي زوجتي وأبنائي، ولا تزال ملامح وتعبيرات الشخصية التي أجسدها مرسومة على وجهي، أتصرف وأتحدث مثلها، سواء كانت خيّرة أو شريرة، لا أتخلص منها بسهولة لأنني لا أمثلها بقدر ما أعيش معها”.
يتسم لطفي بالبساطة في التمثيل ومخاطبة الناس، فهو الذي ولد لأسرة بسيطة بمحافظة الدقهلية، شمال القاهرة، حيث كان والده موظفا حكوميا، وقد تعرض في بدايات حياته الفنية لعثرات كثيرة، ولمع نجمه في التسعينات من القرن الماضي، واختفى فجأة بعد أن أصيب بالإحباط، ثم قرر أن يجتهد ويحطم كل الصعاب.
كانت بطولته في فيلم “صعيدي في الجامعة الأميركية” عام 1998 باكورة نجوميته التي انطفأت قليلا، وابتعد عنها إلى درجة أنه كان يسأل نفسه “لماذا أبناء جيلي صاروا نجوما وأنا لا؟”، حتى قرّر أن يقسو على نفسه ويكافح ليحقق حلمه.
الصعود إلى القمة
فعل الكثير ليفرض نفسه على الساحة. خصص وقتا طويلا من يومه لمشاهدة المسلسلات الأرجنتينية والمكسيكية باعتبارها عالية الجودة وثرية بالأفكار وتظهر فيها قدرات الممثلين، ليبحث عن عوامل نجاح جديدة، وقرأ العديد من الكتب، وحصل على دورات فنية مكثفة، حتى أصبح قطعة صلصال يمكن تشكيلها على أي هيئة.
بدأ التمثيل خلال دراسته بمعهد الفنون المسرحية، حيث أدى عشرة مشاهد في مسلسل “الوصية”، وشارك في الجزء الرابع من “ليالي الحلمية”، وحصل على لقب أفضل وجه جديد عام 1993، وثاني أفضل ممثل في العام التالي مباشرة، لكنه لم يحصل على البطولة المطلقة إلا بعد 25 عاما من دخوله الفن، من خلال مشاركته المتميزة في مسلسل “بعد البداية” الذي كان بوابة عبوره لحجز مكانه في الصفوف الأولى.
يُحسب للطفي أنه فنان مغامر، يقتحم كلّ جديد في عالم التمثيل، فلا يتردد أمام أيّ عمل غير تقليدي وخارج الصندوق، فهو بطل فيلم “122” الذي يعد الأول الذي يمزج بين الرعب والخيال والأكشن والتشويق ويتم تقديمه بتقنية الـ”4 دي.إكس”، كمحاولة لتغيير مفاهيم السينما العربية.
يتمسك بأداء أدواره بطريقة أقرب إلى الواقعية، عرّض نفسه للأذى خلال الفيلم أكثر من مرة، إلى درجة أنه كان يتعاطى أدوية مخدرة كي لا يشعر بالألم عندما يتعرض للضرب المبرح، أو تمثيل مشهد يحتاج إلى حركات عنيفة أو قفزات خطيرة. ورغم أن لديه رهبة من الارتفاعات الشاهقة أو ركوب المصعد يرى أن الجمهور ليس له ذنب في ذلك، وعلى الممثل أن يتحمل الصعاب لبلوغ رضاء المشاهدين.
يصعب فصل العلاقة بين لطفي وجمهوره، وعرف عنه تمسكه بجملة من المبادئ التي يستحيل كسرها أمام الإغراءات المختلفة، فهو دائما يتعامل على أساس أنه رجل شرقي لا يمكن أن يؤدي عملا فنيا يتناقض مع قناعاته بدعوى حرية الفن أو حتمية كسر المحرمات.
رفض القيام بدور رجل مثلي الجنسية في مسلسل “كلام على ورق” مع الفنانة هيفاء وهبي، وقال إنه من المستحيل تقمّص الشخصية لاعتبارات كثيرة، على رأسها احترامه لنفسه وكيانه وجمهوره، ومن وجهة نظره لا يجوز مهما كانت المبررات نشر هذا الفكر وتسليط الضوء عليه بغض النظر عن وجود حالات مثلية من عدمه. وهو من أشد المعارضين لتقديم الفن القائم على البلطجة والخروج عن القانون وأخذ الحق بالقوة ونشر الفسق والعادات السيئة، يقول “إن الفن مرآة للشعوب وليس للواقع، وإذا كانت هناك وقائع شاذة لا يجوز تصويرها على أنها متأصلة في المجتمع فنحن نقر بوجودها، لكن مرفوض تماما فرضها أو إبرازها بطريقة تروج لها”.
لذلك كلّه كسب لطفي محبة الجمهور، فعندما تستمع إلى لقاءاته التلفزيونية أو تقرأ حواراته الصحافية تجد نفسك أمام فنان مثقف يجيد انتقاء كلماته كما ينتقي أدواره. لم يدخل يوما معركة كلامية أو يشتبك مع أيّ من زملاء المهنة، فقط اجتهد وتعلم واكتسب خبرات وفرض نفسه في بيئة غارقة في الوساطات.
قال عنه الفنان المخضرم صلاح عبدالله ذات يوم إن “طارق لطفي قصة كفاح يجب أن تدرس ويتخذه الممثلون الشباب قدوة”. وهو بالفعل كذلك، حيث عاد من الهامش إلى البطولة المطلقة، ومن القاع إلى المنافسة على القمة.