ضغط الجمهور يجبر المسؤولين على وقف مذيع مصري عن العمل

المشاهد أصبح الرقيب الأول على الخطاب الإعلامي.
الاثنين 2021/02/22
المهنية تسبق النجومية

لم يفلح اعتذار الإعلامي تامر أمين عن تصريحاته التي اعتبرت إساءة لأهل الريف والصعيد في تهدئة غضب الجمهور، الأمر الذي دفع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى اتخاذ أقصى عقوبة وإلغاء ترخيص مزاولته المهنة.

دخلت الحكومة المصرية على خط أزمة الإعلامي تامر أمين الذي اتهم بإهانة سكان الريف والصعيد في برنامج تلفزيوني. وطلبت وزارة الدولة للإعلام من الجمهور وقف التصعيد والثقة في إجراءاتها لأنها لن تقبل المساس بأي شريحة في المجتمع والتعرض إليها بعبارات سلبية.

وقررت نقابة الإعلاميين سحب ترخيص مزاولة المهنة من أمين مقدم برنامج “آخر النهار” بقناة “النهار” الخاصة لخرقه ميثاق الشرف الإعلامي على خلفية اتهامه بإهانة مجتمع الصعيد، سكان جنوب مصر، وأهالي الريف في الشمال بأنهم يكثرون في إنجاب البنات و”شحنهن” للعمل خادمات في أحياء القاهرة لجلب المال، وذلك في تفسيره لأحد أسباب الزيادة السكانية.

ولم يفلح اعتذار أمين في تهدئة غضب الجمهور، وبلغ الأمر حد تقديم طلبات إحاطة من نواب الصعيد والريف داخل مجلس النواب لاستدعاء المسؤولين عن المنظومة، وعلى إثرها تحرك المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وقرر وقف برنامج “آخر النهار” وأحال المذيع إلى التحقيق، وهو ما فعلته إدارة القناة كمحاولة لنزع فتيل الأزمة.

وعكس ارتفاع نبرة غضب المشاهدين على منصات التواصل الاجتماعي والمطالبة بمحاكمة مذيع أخطأ في حق شريحة من المجتمع، حجم التذمر الجماهيري من الأداء الإعلامي بشكل يحول دون التماس الأعذار لأي سقطة.

واقتنع الكثير من المشاهدين بأنه لا سبيل لإقصاء الخارجين عن النص والمتجاوزين سوى بممارسة المزيد من الضغوط على صناع القرار الإعلامي لتطبيق بنود ميثاق الشرف دون حماية بعض الوجوه لأنهم من أصحاب النفوذ.

محمد المرسي: رضا الجمهور عن الرسالة الإعلامية الضمانة الأهم لاستمرارها

واعتادت الهيئات الإعلامية في مثل هذه الوقائع أن تكتفي بإنذار المذيع الذي أخطأ مع توجيه إنذار مماثل للقناة، لكن هذه المرة نجح ضغط الجمهور في وضع حد لتجاوزات أحد الإعلاميين، ما يعني أن المشاهد صار عنصرا فاعلا في المشهد الإعلامي ويقوم بدور القاضي الذي قد يحكم بأقصى عقوبة.

وأكدت جيهان يسري عميدة كلية الإعلام في جامعة القاهرة سابقا لـ”العرب” أن الوعي الجماهيري المرتبط بالحفاظ على القيم والثوابت المجتمعية ضرورة حتمية لتصحيح مسار الإعلام ووضعه على الطريق الصحيح، ويجب استغلال الفرصة من جانب المسؤولين لتكريس المهنية وتطبيق مواثيق الشرف.

وصدر ميثاق الشرف الإعلامي قبل أربع سنوات وتضمن عقوبات صارمة على المذيعين المتجاوزين، لكن لم يتم تفعيله لأسباب ترتبط بنفوذ بعض الإعلاميين وتكوين علاقات قوية مع صناع القرار ووجود مصالح بين جهات بعينها مع أصحاب القنوات، ورفض بعض الهيئات إقصاء وجوه مخضرمة يصعب الخلاص منها.

ويعني إلغاء ترخيص مزاولة المهنة للإعلامي أنه لن يتمكن من الظهور على الشاشة مرة أخرى، وهي رسالة شديدة اللهجة لباقي المذيعين مفادها أن التغطية على التجاوزات انتهت في ظل دخول الجمهور ضمن معادلة المحاسبة، وصار على من يطل التركيز على تصريحاته لأنها قد تقصيه من المشهد.

وحاولت بعض الأصوات الإيحاء بأن الاستناد إلى ميثاق الشرف لتكميم الأفواه يمثل انتكاسة لحرية الرأي والتعبير ضد من يحاول التغريد خارج السرب، لكن الأغلبية أيدت القرار بدافع أن ذريعة حرية الرأي لا يمكن أن تكون مبررا للتجاوز والإهانة والسخرية وتشويه الصورة، ومثل هذه الأفعال هي التي تقود إلى التحرك نحو فرض المزيد من القيود على الخطاب الإعلامي.

وقال أحد المذيعين لـ”العرب”، وطلب عدم الإشارة إلى اسمه، إن التحرك العاجل الذي جرى مع تامر أمين لم يكن ليحدث لولا ضغط الجمهور لعدم التغطية على الأزمة والتعامل معها برعونة، وهو ما منح صانع القرار الإعلامي المبرر الكافي لتطبيق ميثاق الشرف كما ينبغي وبدون ضغط الشارع لن يتكرر ذلك.

وما يبرهن على أن التحرك جاء استجابة لضغوط الجمهور أن عقوبات انتهاك ميثاق الشرف الإعلامي تكون على مراحل، وتبدأ بتوجيه إنذار للمذيع والقناة ثم التحقيق معه وتوقيع عقوبة بعدم الظهور لفترة وجيزة قد تكون لعدة حلقات، وأخيرا المنع من الظهور وسحب ترخيص مزاولة المهنة، لكن في حالة أمين جرى تطبيق أقصى عقوبة.

وارتبط التصعيد الجماهيري ضد المذيع بالعاطفة والدفاع عن شرف نساء الريف والصعيد بعيدا عن ميثاق الشرف الإعلامي، لكن ما أثار استفزاز البعض هو خروج بعض المذيعين للدفاع عن زميلهم وتصوير الأمر على أنه سقطة كلامية لا تستدعي كل هذا الغضب. ويبدو أن الجمهور أصبح يتمسك بأن يكون الرقيب الأول على الخطاب الإعلامي الموجه إلى الشارع وسط الصراع الدائر بين الهيئات المعنية بإدارة المشهد على هوية الجهة المنوط بها المحاسبة، فنقابة الإعلاميين تنسب لنفسها هذا الحق، ومجلس تنظيم الإعلام يقول إن ذلك من صميم صلاحياته، ووزارة الإعلام في خلاف مع الطرفين، حتى انشغل كل طرف بالبحث عن النفوذ.

ولفت محمد المرسي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة في تصريح لـ”العرب” إلى أن رضا الجمهور عن الرسالة الإعلامية هو الضمانة الأهم لاستمرارها، وتجاهل المتلقي يؤدي إلى زوالها وهو ما أدركه صانع القرار، فغضب المشاهد حتما سوف يؤدي إلى التوقف والتأمل في المحتوى وتغييره بعدما صار يتسبب في صدمة للجمهور.

التحرك العاجل الذي جرى مع تامر أمين لم يكن ليحدث لولا ضغط الجمهور لعدم التغطية على الأزمة والتعامل معها برعونة

وأوضح أن تكرار سقطات بعض المذيعين لن ينتهي طالما تمسك بعضهم بالقيام بكل الأدوار في وقت واحد، الإعلامي والباحث والمحلل والخبير، والدرس القاسي الذي قدمه الجمهور لهؤلاء أن يكون لكل منهم دورا محددا لا يخرج عنه وهو دور المذيع الذي ينقل المعلومة ويستعين بالخبراء والمتخصصين ومن لهم دراية بالملف ليتحمل كل منهم مسؤولياته، ولا يسقط الإعلامي نفسه في بئر التجاوزات والخروقات والتفوه بعبارات تضعه في خانة المغضوب عليهم، وهي الإشكالية التي يُعاني منها أغلب مقدمي البرامج على الشاشات المصرية.

وقالت جيهان يسري أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة لـ”العرب” إن المشكلة الحقيقية لكثير من البرامج أن مذيعيها يسترسلون في الحديث عن وجهة نظرهم ما يوقعهم في سقطات تثير ضغينة المشاهدين، والدرس المهم أن يعي كل إعلامي مدى تمسك الجمهور بأن يكون له دور في تقييم الأداء والمحاسبة، وقد لا يتنازل عن هذا المكتسب في أيّ أزمة.

والكثير من المذيعين لديهم قناعة بأن البرامج التي يطلون منها باتت ملكية خاصة بهم، يتحدثون فيها كما يشاؤون، ويمتدحون هذا ويكيلون الاتهامات إلى ذاك، دون اعتراف بأحقية الجمهور في التقييم أو اختيار الخطاب الموجه إليه.

ورأى وائل العشري أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة في تصريحات لـ”العرب” أن المستجد في المنظومة الإعلامية هو اقتناع الجهات المسؤولة عن إدارة المشهد بأنه صار من الصعب تجاهل صمت المشاهد وتمسكه بأن يكون له دور قوي في مراقبة الإعلام، ما يفرض على المسؤولين إعادة ترتيب المنظومة بصورة جيدة.

وبغض النظر عن كون الصورة الإعلامية قاتمة ويصعب تطويرها إلى الأفضل بسهولة، لكن يبدو أن دخول الجمهور طرفا في المعادلة سوف يغيرها لا محالة، حتى لو كان ذلك بتغييب بعض الوجوه التي اعتادت التجاوز، لأن هذه الفئة صارت تمثل عبئا على المهنة وخروجها من المشهد بداية لعودة ثقة المشاهد في الإعلام مرة أخرى.

18