صفحات فيسبوك مواقع الكترونية حرة تتحدى السلطات

صحفيون يتجهون إلى صفحاتهم الرسمية على مواقع التواصل، لإبداء الرأي والنقد بعيدا عن القيود المفروضة عليهم في مؤسساتهم.
الخميس 2018/11/29
فيسبوك المنصة الإعلامية الوحيدة التي تمتلك أداة ضغط قوية على صناع القرار

ضاعف نجاح مواقع التواصل الاجتماعي بمصر في إحداث صدى جماهيري لقضايا ومطالب الناس وملامستها، من أزمات المواقع الإخبارية الإلكترونية، التي تدفع فاتورة خضوعها لسياسة تحريرية قائمة على الموالاة للحكومة، أكثر مما تركز على القضايا التي تخاطب الجماهير وتتحدث بلسان القراء.

القاهرة - نجح فيسبوك، على وجه الخصوص، كأحد أشهر مواقع التواصل وأكثرها تأثيرا في مصر، في إجبار مؤسسات حكومية رسمية للتجاوب مع مطالب وهموم الناس، حتى أصبح تقريبا، المنصة الإعلامية الوحيدة التي تمتلك أداة ضغط قوية على صناع القرار.

وتعيش أكثر المواقع الإخبارية أزمة حقيقية، ترتبط بأنها تابعة لمؤسسات صحافية لها خط تحريري لا يمكن تجاوزه، فهي لا تنتقد المسؤولين والجهات الحكومية، ولديها الكثير من المحظورات، حتى في ما يتعلق بمطالب وآراء الناس، ما أتاح لمنصات التواصل الاجتماعي، أن تقوم بدور الصحافة الإلكترونية، وأصبح كل شخص يتعامل مع حسابه الشخصي، باعتباره صحافيا مستقلا، أو صاحب رأي وقضية، يطرحها للجمهور حتى يتفاعل معها.

توحي طريقة تعامل الكثير من المسؤولين مع الصحافة الإلكترونية، بأنهم يعتبرونها مجرد نشرة إعلامية، لذلك لا يبدون اهتماما بالقضايا المثارة من خلالها، كما أن اهتمام هذه المواقع بنقل نبض الناس على صفحات التواصل، يؤكد أن المنصات الإلكترونية أصبحت المحرك الرئيسي للإعلام الرسمي، وإحدى أهم وسائل جمع المعلومات.

كان أصحاب المظالم والمطالب يلجأون إلى الصحافي لتبني قضاياهم، والكتابة عنها، لتوصيل أصواتهم إلى المسؤولين، وهو ما لم يعد موجودا الآن، بعدما أصحبت صفحات التواصل بديلا أكثر إيجابية.

وعكس تدخل مصطفى مدبولي رئيس الحكومة، الاثنين، لتعديل جدول امتحانات الصف الأول الثانوي العام، استجابة لضغوط أولياء الأمور والطلاب على فيسبوك، وتبنيهم حملة لذات الغرض، حجم التأثير الذي أصبحت تتمتع به مواقع التواصل الاجتماعي.

وتبنى رواد فيسبوك، السبت، قضية الطالبة بسملة عيد، ذات البشرة السمراء، التي سخر منها معلمها، وكتب على السبورة المدرسية “بسملة طالبة سوداء”، وطلب من التلاميذ إعراب الجملة، ما دفع طارق شوقي وزير التعليم إلى التدخل، والاتصال بالطالبة، ودعاها لمكتبه، واعتذر لها عن تصرف المعلم الذي وُجّه إلى التحقيق الفوري، وفي اليوم التالي زارتها محافظة الإقليم بمدرستها.

أزمة الحكومة تظل مع منصات التواصل من حيث أنها ما زالت تعتبرها “أحد أسباب الخراب الاجتماعي”، لأنها تسلط الضوء فقط على السلبيات

مع كل استجابة حكومية لرأي أو قضية تثار على منصات التواصل، وتحديدا فيسبوك، يتراجع رصيد الصحافة الإلكترونية عند الجمهور، ما يدفع كل صاحب مشكلة لعرضها بشكل شخصي على صفحته الرسمية، ويدعم موقفه بالوثائق، سواء بمجموعة صور أو مقاطع فيديو، حتى تكون ردة الفعل أقوى، والانتشار أوسع.

واتجه الكثير من الصحافيين إلى صفحاتهم الرسمية على مواقع التواصل، لإبداء الرأي والنقد وحشد الرأي العام الإلكتروني لتبني وجهات نظرهم، بعيدا عن القيود المفروضة عليهم في مؤسساتهم، وغلق المجال أمامهم للتغريد خارج السرب بكتابة موضوعات تواجه غالبا بالرفض، أو التحريف والتعديل لتكون مناسبة للسياسة التحريرية التي تحظر نقد المسؤولين.

وأكد أحمد سيد (اسم مستعار)، وهو صحافي مصري بأحد المؤسسات الصحافية القومية (حكومية)، أنه أصبح يهتم بنشر أخبار المصدر المسؤول عن تغطيته، وينتقد المسؤولين، عبر صفحته الخاصة بفيسبوك، لأن الجهة التي يعمل فيها بلا تأثير أو جماهيرية، أما النشر على مواقع التواصل، فيتيح له التواصل المباشر مع الجمهور دون وسيط، ما يضفي واقعية أكبر على ما يكتبه.

وتحدث صحافي آخر، مع “العرب”، قائلا “أتعرض في مرات كثيرة للكتابة بشكل إيجابي عن الوزارة التي أقوم بتغطيتها، مع حظر نشر أي سلبية.. لست وحدي، بل الكثير من زملائي في المواقع الإخبارية يتعرضون لنفس المواقف، ونتعرض للإهانة والسباب على صفحات التواصل الاجتماعي، وأحيانا نضطر لكتابة الموضوعات من دون اسم، لأن الجمهور عرفنا بأننا نكتب على صفحاتنا حقائق يصعب نشرها في الموقع”.

ويكتشف المتابع لحسابات الصحافيين المصريين، أنها تحولت إلى نسخة مواقع إلكترونية مصغّرة، من حيث التأثير والمتابعة وغزارة المعلومات والقضايا التي يطرحونها للنقاش، وهي ظاهرة انتبهت إليها الحكومة، وقررت أن تتعامل مع الحساب الشخصي للصحافي الذي يزيد عدد متابعيه عن 5 آلاف شخص، كموقع إخباري، ويجوز للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إغلاق حسابه، إذا كتب معلومات مغلوطة، أو تسبب في إثارة البلبلة.

وتظل أزمة الحكومة مع منصات التواصل من حيث أنها ما زالت تعتبرها “أحد أسباب الخراب الاجتماعي”، لأنها تسلط الضوء فقط على السلبيات، وأصبحت بيئة خصبة للمعارضة والهجوم على مؤسسات الدولة، لكنها أيضا تدفع فاتورة تأميم الإعلام وتضييق الخناق عليه، ليكون منصة تسع كل الآراء والتوجهات بشكل مؤسسي، بعيدا عن الفوضى والعشوائية.

19