صراع الهوية يتعمق في تونس بتحويل مقر جمعية حقوقية إلى مدرسة

منظمات وأحزاب تستنكر تحركات رئيس بلدية الكرم فتحي العيوني وتُطالب بمحاكمته.
الاثنين 2020/12/14
مناخ يتسم بالتوتر والانقسامات

تونس - فجر إعلان رئيس بلدية الكرم التابعة لولاية تونس، فتحي العيوني، تحويل مبنى المقر الفرعي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهي من أعرق المنظمات الحقوقية في البلاد، إلى مدرسة قرآنية جدلا واسعا، حيث اعتبر البعض أن هذه الخطوة ستعمق الانقسامات بين التونسيين وذلك في وقت عاد فيه الصراع الهووي (بين إسلاميين وعلمانيين) إلى الواجهة وبقوة.

ويرى مراقبون أن هذه التحركات الاستفزازية التي دأب عليها العيوني ستعمق صراع الهوية في تونس، خاصة أنها تزامنت مع بروز خطابات تحريضية تُهين المرأة من داخل البرلمان، علاوة على إنشاء العيوني نفسه صندوقا للزكاة في خطوة لاقت استنكارا واسعا.

منير الشرفي: فتحي العيوني متشدّد لا يؤمن بالدستور بل يؤمن بالخلافة
منير الشرفي: فتحي العيوني متشدّد لا يؤمن بالدستور بل يؤمن بالخلافة

وأفادت الرابطة بتعرّض مقرّ لها في مدينة الكرم إلى الخلع وتغيير الأقفال، وتحويله إلى مدرسة قرآنية دشّنها رئيس بلدية الكرم فتحي العيوني المثير للجدل بحضور نائبيه، مشيرة إلى أنّها ستلاحق العيوني قضائيا.

ووصفت هذا التصرف بـ”اعتداء لا أخلاقي ولا إنساني ولا قانوني”، من قبل العيوني، مؤكدة أن ما تم كان بدون موجب قانوني.

وأكدت الرابطة في بيان نشرته على صفحتها بفيسبوك، أن رئيس البلدية قام بخلع مقر الرابطة ورفع كل محتوياته إلى وجهة غير معلومة، وتم تغيير الأقفال واقتلاع 3 يافطات باسم الرابطة وتغييرها بأخرى تحمل اسم مدرسة قرآنية.

والعيوني هو سياسي محسوب على حركة النهضة الإسلامية دائما ما يثير الجدل بسبب قراراته التي يرى فيها مراقبون ضربا لمدنية الدولة، حيث قام في وقت سابق بتدشين صندوق للزكاة، كما هدد الرئيسَ قيس سعيد بسبب دخوله مدينة الكرم ’’دون إعلامه‘‘ ما قوبل باستنكار واسع.

ويفسّر متابعون للشأن التونسي تأسيس مدرسة قرآنية على غرار إعلان صندوق للزكاة، بأنه محاولة لتمرير أجندات سياسية وتكريس انتماءات أيديولوجية بعينها.

واستنكر المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة ما وصفه بسلوكيات يمارسها العيوني ”تُظهر العداء لكل مظاهر المدنية في مدينة الكرم“.

واعتبر المرصد في بيان نشره على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، أنّ ”فتحي العيوني جعل مدينة الكرم إمارة إسلامويّة مستقلّة عن الدولة التونسية المدنية“.

بشرى بالحاج حميدة: ما وقع جريمة قانونية ونطالب بمحاكمة العيوني
بشرى بالحاج حميدة: ما وقع جريمة قانونية ونطالب بمحاكمة العيوني

وقال منير الشرفي، رئيس المرصد “إن ما وقع ضرب لمبدأ حقوق الإنسان، والرابطة مؤسسة عريقة ووجودها في تونس أساسي للدفاع عن كل المبادئ الكونية لحقوق الإنسان، والعيوني متشدد ولا يؤمن بالدستور والمبادئ بل يؤمن بالخلافة”.

وأضاف الشرفي في تصريح لـ”العرب”، “هذا القرار ينافي حقوق الإنسان وهو ضد المساواة، ونحمّل وزير الداخلية مسؤولية ما يجري” مطالبا الحكومة والأطراف المسؤولة بالتدخّل الفوري “من أجل مقاضاة المُعتدي وإرجاع المقر إلى فرع الرابطة واستعادة محتوياته”.

كما أشار المتحدث إلى “أن العيوني سبق له أن أسس صندوقا للزكاة مخالفا للقانون، ولا نعرف أين ذهبت الأموال التي أخذها من الزكاة”.

وتطالب شخصيات سياسية وحقوقية بمحاسبة العيوني، لتجاوزه ’’الصارخ‘‘ لقيم الدولة المدنية ومخالفة القانون.

وأفادت الناشطة السياسية والحقوقية، بشرى بالحاج حميدة، أن “ما وقع جريمة قانونية بعد التصرف في مبنى باستغلال النفوذ والسلطة، فضلا عن الاستيلاء على الوثائق الموجودة فيه”.

وأضافت في تصريح لـ”العرب”، “أطالب القضاء التونسي بأن يتعامل مع هذا التجاوز بطريقة شفافة ونزيهة دون تدخلات أو ولاءات ومحاكمته طبقا للقانون” مشيرة إلى أن العيوني لا يؤمن بحقوق الإنسان واحترام القانون، علاوة على كونه يتعامل بمكيالين كرئيس بلدية وطرف سياسي.

ونشرت 5 أحزاب يسارية، من بينها حزب التيار الشعبي، وحزب العمال بيانا على فيسبوك، وصفت فيه الاستيلاء على مقر الرابطة بـ“الممارسة الميليشياوية الخطيرة“ وتصفية حسابات قديمة.

وفي خطوة مماثلة، كان العيوني قد أعلن في يونيو الماضي عن إنشاء صندوق للزكاة خاص بالبلدية التي يرأسها في خطوة أثارت ردود فعل كثيرة لكنها أجمعت على المطالبة بضرورة وقف عمل هذا الصندوق ومنع أي محاولات لإضعاف الدولة وسحب صلاحياتها لفائدة مجموعات أو كيانات موازية وكذلك تهديد مدنية الدولة.

ويرى المعارضون لصندوق الزكاة، أن العيوني يعمل على الاستفادة من ثغرات قانونية لتمرير هذا المشروع، وتمكين النهضة من باب جديد لتكديس الأموال بهدف توظيفها في الاستقطاب الشعبي والالتفاف على تراجع شعبية الحركة بسبب فشلها في إدارة البلاد خلال تسع سنوات من الحكم سواء بشكل مباشر أو عن طريق شركاء تتحكم فيهم لخدمة أجنداتها.

ولم يكتف العيوني بذلك، بل تطاول على الرئيس التونسي في علاقة بأدائه صلاة الجمعة في مدينة الكرم، في تصريح لقي رفضا من أوساط تونسية، فيما اعتبره الكثير تدخلا غير مسبوق في تصرفات الرئيس وصلاحياته.

وصرح العيوني في وقت سابق أن زيارة سعيّد إلى منطقة الكرم لأداء واجبه الديني يوم الجمعة، دون إعلامه، حركة لا دستورية.

4