سوق العقارات التونسي عالق في مأزق لهيب أسعار المنازل

تكاليف التشييد وغياب الحوافز يكبلان المطورين ويقصيان الطبقة الوسطى من دائرة امتلاك مسكن.
الاثنين 2021/09/13
الأزمة تتفاقم والدولة عاجزة عن حلها

يواجه سوق العقارات في تونس معضلة كبيرة، ولم تتمكن البرامج الحكومية في السنوات العشر الماضية من إعطائه حوافز تساعده على الخروج من المأزق الذي ظل عالقا فيه وقد أكدته آخر المؤشرات حول لهيب أسعار المنازل والشقق، ويتوقع الخبراء أن تدفعه العديد من التقاطعات إلى نقطة أكثر حساسية قد تفاقم متاعبه.

تونس – يمر قطاع العقارات في تونس حاليا بأزمة غير مسبوقة عكستها أحدث المؤشرات حول نشاطه نتيجة تداخل العديد من العوامل التي أثرت على أسعار المساكن مما يشي بأنه سيدخل مرحلة من الركود هي الأقسى له منذ سنوات طويلة.

وتكشف الأرقام الذي ساقها معهد الإحصاء الحكومي في وقت سابق هذا الشهر مدى الصدمات التي يتعرض لها القطاع وقد تدخله في أزمة عميقة قد لا يفلح أحد من المسؤولين في حلها قريبا، خاصة في ظل الأزمة الصحية التي كبلت المحاولات المحتملة لإنعاشه.

وتظهر البيانات الرسمية أن مؤشر أسعار العقارات في البلاد ارتفع بواقع 15.4 في المئة خلال الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي في وقت تكافح فيه تونس أزمة سكن حادة وارتفاعا كبيرا في أسعار الإيجارات.

فهمي شعبان: القطاع يعاني من مشاكل متداخلة أثرت على تعافيه
فهمي شعبان: القطاع يعاني من مشاكل متداخلة أثرت على تعافيه

وقد انعكست دوامة تضخم الأسعار على الإيجارات التي ارتفعت بشكل لا يطاق لتجد معظم الطبقات الاجتماعية نفسها في متاهة لا يمكن لأحد أن يتنبأ بموعد انتهائها.

ويعود هذا الارتفاع أساسا إلى تزايد أسعار المنازل بوتيرة مقلقة وصلت إلى نحو 23.7 في المئة مقابل معدل زيادة في حدود 5.1 في المئة خلال الفترة الممتدة بين 2015 و2020، فضلا عن ارتفاع أسعار الشقق السكنية بنحو 11.6 في المئة مع نحو 7.7 في المئة في السنوات الست الماضية.

ومقارنة بالربع الأول من العام الجاري سجل مؤشر أسعار العقارات زيادة بنسبة 6.8 في المئة تبعا لتزايد أسعار المنازل بنسبة 7.8 في المئة والأراضي الصالحة للبناء بنسبة 6.7 في المائة والشقق بنسبة 6.6 في المئة.

وقد أدى ذلك الوضع إلى انحسار حجم التداولات في سوق العقارات بواقع 11.1 في المئة في الربع الثاني مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.

ويعزو خبراءٌ ما آل إليه القطاع اليوم من وضع سيء واستمرار ارتفاع أسعار المنازل بشكل مطرد وغير مسبوق إلى غلاء المواد الأولية وعمليات الاحتكار والمضاربة في السوق.

ولكن البعض يرى أن الأسباب الأساسية تكمن في تحرير أسعار بعض المواد التي تدخل في نشاط القطاع وأولها الإسمنت والحديد إلى جانب ارتفاع تكاليف بعض المواد التي يتم استيرادها، وأيضا عدم إقدام البنك المركزي على خفض أسعار الفائدة حتى يتسنى للشركات الحصول على قروض بفوائض أقل.

وبدأت تونس تعيش منذ عشر سنوات تقريبا أزمة سكن حقيقية بسبب ارتفاع تكلفة الشقق الجاهزة وغلاء أسعار المواد الأولية خاصة المستوردة، وكذلك النقص الكبير في اليد العاملة وارتفاع أجورها، بالإضافة إلى زيادة قيمة الأراضي المخصصة للبناء.

واليوم يعجز الفرد التونسي صاحب الدخل البسيط عن تأمين ثمن مسكن خاص ليصبح الأمر شبيها بأحد الأحلام البعيدة بالنسبة إلى البعض، ويكون حلما مستحيلا بالنسبة إلى البعض الآخر، إلى درجة أن المتابعين يلاحظون أن غلاء المساكن أقصى الطبقة الوسطى من سوق العقارات.

وكل تلك الصعوبات أدت إلى ركود السوق خاصة وأن المطورين العقاريين لم يفلحوا في مواجهة الكثير من الأزمات المالية التي أدت إلى إفلاس البعض منهم لعدم وجود محفزات تدفعهم إلى الاستمرار في ظل الخسائر التي تكبدوها.

15.4 في المئة مقدار الزيادة في أسعار العقارات في الربع الثاني من 2021 بمقارنة سنوية

وقبل عام 2011 كان عمل المطورين العقاريين يستند إلى تخطيط للطلب القوي على شراء المساكن والعقارات، لكن اليوم هذا الطلب غير متوفر بسبب الزيادة الحادة في الأسعار.

وكثيرا ما أبدت الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين (نقابة المطورين العقاريين) تذمرها بسبب تعرض القطاع لمشاكل متداخلة ومعقدة منها ارتفاع أسعار مواد البناء مثل الحديد رغم أن سعره محدد من قبل وزارة التجارة، وأيضا الإسمنت، وفقدان أخرى في السوق المحلي الأمر الذي عطل عجلة القطاع وجعل المطورين أمام وضعية مالية حرجة.

وأصدر رئيس الغرفة فهمي شعبان بيانا قبل فترة قال فيه إن ثمة عوامل تؤثر في القطاع من أهمها تحرير أسعار الطاقة والإسمنت إلى جانب انحدار سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية رغم أنه لا يزال صامدا منذ أكثر من ثلاث سنوات، فالدولار يتأرجح ما بين 2.8 و3 دينارات بينما اليورو بين 3.2 و3.4 دينار.

ولجأت السلطات في شهر مارس الماضي إلى زيادة أسعار طن الحديد للمرة الثانية مما أربك سوق البناء والتشييد وضغط على صغار المطورين ودفعهم إلى مغادرة السوق بسبب عدم قدرتهم على تحمل أعباء جديدة.

وبلغت نسبة الزيادة حينها نحو 10 في المئة لتصل في أقل من أسبوعين إلى 25 في المئة، ما اعتبره أهل القطاع زيادة مجحفة لا تراعي قدرات المطورين والشركات العقارية في ظل تداعيات الجائحة التي استنزفت مختلف مفاصل أعمالهم والأنشطة المرتبطة بهم.

وتشير البيانات الحكومية إلى أن القطاع العقاري يساهم بنحو 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن استثمارات عمليات البناء والتشييد تعادل نحو 14 في المئة من تعاملات السوق، وهو ما يعادل حجم الاستثمارات في قطاع الصناعة برمته.

وحذرت شركة “ألفا مينا” التونسية المتخصصة في التحليل الاقتصادي في دراسات متواترة منذ عام 2016 من أن أزمة المبيعات قد تشكل خطرا على المصارف الممولة لتلك المشاريع الاستثمارية وكذلك على اقتصاد البلاد.

وأشارت إلى أن شقة من بين كل ثلاث شقق لا تجد مشتريا وأن حجم قروض البنوك للشركات العقارية المدرجة في البورصة ارتفع إلى 130 في المئة مقارنة بالقيمة السوقية لأسهم تلك الشركات المتداولة في السوق المالية.

10