سفر خروجنا الخاص

صديقي متديّن. منذ تعارفنا قبل ثلاثين عاما، أعرف أنه لا تفوته صلاة مساء السبت أو نهار الأحد. من زهور العراق المسيحي الذي لم يبق من آثاره الكثير. محب وكريم ومتسامح. صداقة أقوى من أخوة. يسمع مني إطرائي للكنيسة ولا يغضب يوم أحدثه عن هناتها. متصالح مع الحياة.
بالأمس تواصلنا هاتفيا. قلت له رجال الدين عندنا إذا تحدثت معهم في ما يجتاح العالم من كوارث فسيردون عليك بالغضب والتخويف. قلت إن رجال الدين عندكم أكثر تسامحا، حدثهم بأن يشعلوا شموعا أو يقيموا قداسا لعل اللطف يحل بنا. هو يعرف أني أخلط المزح بالجد. وكعادته تقبل الأمر.
في “سفر الخروج” هناك وصف للكوارث التي تحل بمصر لدفع الفرعون على تغيير موقفه والسماح لبني إسرائيل بالخروج. قائمة طويلة من تغير لون الماء وانتشار الضفادع والأوبئة والبثور وموت الرضع والحرائق والريح وهطول البرد والجراد والظلام. المسيحيون الورعون يسمعون هذا في الكنائس كجزء من تكامل “العهد القديم” و”العهد الجديد”. أسفار اليهود هي كتب سماوية والإنجيل هو استكمال. كلها كتب الله.
قلت ها نحن رأينا ما رأينا من كوارث خلال السنتين الماضيتين: وباء وقوارض وفيضانات وحرائق وتغير لون السماء وعواصف وفقاعات حرارية ساخنة تستمر لأشهر بدرجة حرارة 55 مئوية فتصنع الجفاف، وأعاصير باردة وممطرة في أماكن أخرى حتى تنسى أنك في الصيف. تحدث يا صديقي مع “أبينا” القس يفسر لنا ويتضرع بالدعاء. أنا متأكد أن صديقي أهمل طلبي.
لكن هذا النوع من الأسئلة الذي يتردد كثيرا الآن ويحاول البعض أن يجد له تفسيرات أو إجابات دينية أو فلسفية هو نوع من التملص من المسؤولية. كلنا نعرف أن هذه الأيام كانت ستأتي. من أول ما بدأ عداد السكان في الأرض يرتفع بالمليارات كل عقد أو أقل بدلا من الارتفاع بعشرات الملايين أو مئات الملايين، وصولا إلى العبث بطريقة الزراعة وعدم فهم التوازنات التي تفرضها الطبيعة لتحصن نفسها. القوارض التي تجتاح أستراليا اليوم هي نتيجة لقرار “بيئي” بعدم حرق الأرض بعد الحصاد. مئات الملايين من الفئران تتكاثر بلا أية طريقة لمواجهتها لأن كمية الحبوب الباقية على الأرض تجعلها تتكاثر وتزدهر عددا. وفيات الإنفلونزا في مجتمعات محشورة في قطارات وباصات تنتقل فيها العدوى بسهولة، هي سر كشفه وباء كورونا. الإنفلونزا قاتل قديم يأتي في موسمه ويذهب. كوفيد قاتل عنيد لا يريد أن يفارقنا. اسمح للناس بالتجمع أو اترك العمال المهاجرين ينامون مثل سمك السردين في علبه، وسترى قفزات الإصابات. كان هناك500 مليون إلى مليار نسمة على الأرض قبل قرن. بالتأكيد لن يستهلكوا ما يستهلكه 7.5 مليار الآن. مهما عملت ومهما احتطت، هذه المليارات ستحرق وقودا وتأكل لحما من حيوانات تسبب انبعاثات وستتنزه وتغسل ملابس وتلوث البيئة. مع تغيرات البيئة، نرى كل الأعراض من تغيرات في الطقس مطرا وجفافا ورياحا ساخنة تشعل الحرائق في تركيا واليونان وكاليفورنيا وأعاصير باردة ممطرة تغرق أجزاء من أوروبا.
لقد كتبنا سفر خروجنا الخاص بهذه الزيادة الجنونية في أعداد السكان والاستخفاف بالتوازنات التي أنتجتها الطبيعة. كل شيء آخر مجرد نتائج.
شكرا يا صديقي لإهمال طلبي.