سفر الكتب

يبدو من المفارق أن توجد المجموعة الكاملة للمطبوعات الحجرية المطبوعة في المغرب، والتي لم نستطع لمّ شملها بعد أكثر من قرن ونصف القرن على بداية صدورها، بالضبط في مكتبة جامعة هارفارد الأميركية. ولعل ذلك حال الكثير من المخطوطات العربية النفيسة التي سافرت في ظروف ما لتستقر في الكثير من المكتبات العالمية الكبرى، ومن بينها المكتبة البريطانية التي تضم ما يناهز خمسة عشر ألف مخطوط عربي.
وخارج البحث عن أسباب وملابسات خروج هذه الذخائر إلى العديد من المكتبات الأجنبية، يشكل حرص هذه الأخيرة على الاحتفاظ بها والحفاظ عليها وتوفير كل الشروط لضمان حياتها خلال قرون، صورة عن طبيعة الاهتمام بالمكتبة كفضاء لدمقرطة الوصول إلى المعرفة.
ولعل على رأس الحالات الدالة هنا، وإن كان التماهي مع المقارنة يبدو قاسيا وصادما، مكتبة الكونغرس، التي تحرص على اقتناء كل ما يصدر في العالم، مستعينة بمكاتبها السبعة الموزعة على عدد من عواصم العالم، وذلك انسجاما مع سياستها الوثائقية التي تقوم على ضرورة توفر المكتبة على كل الوثائق التي تستجيب لكل موظفي الحكومة الفيدرالية للقيام بعملهم، ليناهز بذلك مجموع رصيد المكتبة المئة وستين مليون وثيقة. وذلك في الوقت الذي لم تستطع الكثير من المكتبات الوطنية العربية تجاوز المليون وثيقة.
أما الحالة الثانية فهي المكتبة الوطنية الفرنسية المعروفة بموقعها الشهير غاليكا المكرس للوثائق المرقمة، حيث يمكن أن نصل عبره إلى كل الوثائق الفرنسية الخارجة عن الملكية الفكرية، من دليل مراحيض مدينة باريس الصادر في نهاية القرن الثامن عشر إلى أمهات الوثائق العلمية والفكرية.
أما المدهش فهو كون المكتبة قد وصلت إلى أربعة ملايين وثيقة مرقمنَة بفضل تبادلها للوثائق مع ما يناهز المئة مكتبة، حرصا على تخفيف تكاليف الرقمنة والجهد والوقت الذي تتطلبه العملية. وذلك في الوقت الذي تجعل الكثير من المكتبات العربية من تقنية الرقمنة أشبه بموضة، حيث تشتغل كما لو أنها في جزر معزولة، ضدا على روح هذه التكنولوجيا الجديدة التي تقوم على مبدأ التشارك.
خلال القرن السادس عشر، اضطر السلطان المغربي مولاي زيدان إلى نقل مكتبته الخاصة، في خضم صراعه السياسي، عبر سفينة إلى مدينة أكادير. غير أن السفينة ستتعرض للاستيلاء من طرف القراصنة بعد أن توجه بها ربانها إلى مرسيليا بسبب خلاف مادي مع السلطان، وسينتهي المآل بالمكتبة إلى دير الإسكوريال، على بعد كيلومترات من مدريد.
رغم محاولات المغرب لاسترجاع مخطوطاته، ظلت إسبانيا وفية للأمر الذي كان قد وضع على باب الخزانة، كما وصف ذلك محمد بن عثمان المكناسي في رحلته “الإكسير في افتكاك الأسير”، والذي كان نصه “أمر البابا أن لا يخرج من هذه الخزانة شيء”. أما عودة المخطوطات، قبيل سنوات إلى مهدها، فلم تخرج عن الأمر، حيث اكتفت إسبانيا بإرجاع النسخ المرقمنة فقط، احتراما للبابا !