"سابع جار".. مسلسل مصري بطعم البيوت

"سابع جار" حالة درامية مختلفة عرضتها شبكة “سي بي سي” الخاصة قبيل نهاية العام 2017، نالت من الشعبية والجماهيرية ما لم يحظ به أي مسلسل مصري آخر منذ سنوات طويلة بعيدا عن الموسم الدرامي الأهم في شهر رمضان.
الخميس 2018/01/04
حكايات من هذا الزمن

القاهرة - يكمن سر نجاح مسلسل "سابع جار" في أنه يتحدث باسم الشريحة الكبيرة في مصر، وهي الطبقة المتوسطة التي تعاني ظلما فنيا بعد أن انشغل مؤلفو الدراما على امتداد الخمسة عشر عاما الماضية بعوالم درامية سلبية، هامشية ومادية.

ويحمل المسلسل طعم وملامح معظم البيوت المصرية العادية ومشاكلها اليومية بلا حبكة درامية قوية أو بؤرة صراع محورية تحرك معظم الأحداث، وهو أقرب إلى يوميات أو مذكرات أسرة، وشخصياته مفعمة بالحركة الروتينية للحياة اليومية، بلا مبالغات أو محاولات لإشعال الأحداث على حساب الفكرة الرئيسية، وهي رصد صورة شديدة الواقعية للأسر المصرية في 2017.

ومسلسل “سابع جار” يشبه إلى حد كبير في بساطة أحداثه مسلسلا إذاعيا مصريا شهيرا كان يقدم يوميا لمدة زادت عن خمسين عاما في برنامج للمرأة عنوانه “إلى ربات البيوت”، وهو “عيلة مرزوق أفندي” الذي كان بمثابة يوميات للأسر المصرية التي تنتمي للطبقة المتوسطة.

وجاء الحوار الخاص بالأمهات في العمل، الذي قدمته الفنانة دلال عبدالعزيز في دور لمياء والفنانة شيرين في دور ليلى، طبيعيا للدرجة التي تشعر معها وكأنك أمام حوار ارتجالي تلقائي غير مكتوب لهنّ نسمعه في كل البيوت المصرية، وهو الإحساس الذي ينسحب على كل شخصيات العمل، لكن بدرجات متفاوتة ويظل سمة واضحة في المسلسل.

وأبدى بعض النقاد تحفظهم على الألفاظ والأحداث التي بدت خادشة لحياء المشاهدين، بسبب صدمة تقديمها وعرضها في عمل درامي اجتماعي مصنف لمن هم فوق الـ12 عاما.

الألفاظ غير اللائقة والمشاهد الجريئة في المسلسل صدمت المشاهدين لكنهم لم يملكوا إلا الاعتراف بواقعيتها

وهذا لا ينفي أن كل ما جاء في المسلسل من ألفاظ خارجة متداولة كثيرا بين الشباب، وبصورة عادية متكرّرة، وحتى السلوك الخارج عن منظومة القيم المصرية، والتي كانت معتدلة حتى وقت قريب، أصبح أمرا واقعيا لا يمكن إنكاره، لذلك لم يعزف المشاهدون عن متابعة العمل في إعلان صريح عن صدق ما جاء فيه.

وأتت الإكسسوارات في المسلسل مدروسة بعناية في تنوعها مع كل شخصية وتعبيرها عن ثقافتها ومستواها الاجتماعي، كذلك الأزياء جاءت متسقة مع حالة التوهج بلا تكلّف في كل عناصر العمل تقريبا وكانت عنصرا حيويا في بلورة أوضح لشخصيات العمل.

وكان الإبداع واضحا في اختيار فريق عمل لا يحمل أسماء نجوم كبار في السوق الدرامي، بلغة العرض والطلب، لكنهم كبار بالفعل بتاريخ وعطاء بعضهم من جيل الأساتذة والمواهب والقدرات الفنية الكبيرة للشباب الواعد.

وجاءت دلال عبدالعزيز وشيرين على قمة المبدعين في العمل، ويبدو أن هذا المسلسل كان فرصة لتأكيد عدم الحصول حتى الآن على ما تستحقه هاتان الممثلتان من مكانة في عالم الدراما تحديدا، وكان حضورهمّا طاغيا وببساطة وتلقائية وكأنهما تعيشان على الشاشة أدوارهما كوالدتين في الحياة.

وإلى جانبهما كان هناك حضور قوي للأبناء، لا سيما الفنانة رحمة التي أدت بسلاسة متناهية دور الفتاة المعقدة من الزواج، والفنانة سارة عبدالرحمن التي أدت دور “هبه” التي تمثل بسلاسة متناهية، فلا جهد ولا عناء تشعرك به في تجسيد شخصيتها كمراهقة تبحث عن ذاتها.

وعلى عكس حالة شقيقتيها في العمل جاء دور “دعاء” كفتاة متزنة وحادة مع الجميع، والذي جسدته فدوى عابد ثقيل عليها، فلم تقدمه بالسلاسة التي تميز بها أداء “هبه” وشقيقهما الفنان الشاب أحمد داش الذي أدى دور عبدالرحمن.

وكان أداء الفنان محمود البزاوي “مجدي” زوج “ليلى” الذي لا يعرف معنى المسؤولية تجاه بناته وزوجته واللواء (الفنان أسامة عباس) الذي يعاني من الاكتئاب نتيجة الوحدة، كالعادة سهلا ممتنعا، ومعهما الفنانة هيدي كرم “نهى” السيدة التي تقوم بكل واجباتها كأم على حساب دورها كزوجة، والفنانة صفاء جلال “كريمة” مساعدة المنزل التي جاءت لخدمة اللواء وتصوّر للجيران أنها قريبته، وهي أصلا فتاة “لعوب”.

ويظل لكل عمل أبطال يأتون من الخلف ليتقدموا في عالم الدراما، والبطل المكتشف هنا هو الفنان نيقولا معوض “طارق” الذي جسد شخصية المحاسب الذي يدفع ثمن اهتمام زوجته المبالغ بأولادهما، حيث يذكرنا ببدايات وائل نور وممدوح عبدالعليم وشريف منير، من خلال أداء رصين وتلقائي.

وقدم جميع ضيوف شرف العمل إضافة إلى حلقاته، لكن تظل المفاجأة في المخرج عمرو سلامة الذي قدم نفسه بنجاح كممثل لأول مرة على الشاشة في دور “إسماعيل” الذي خطب “دعاء” ثم ارتبط عاطفيا بشقيقتها الصغرى “هبه” وفاتحها في الارتباط بها بدلا من شقيقتها.

ومع أن المسلسل اخترق الكثير من التابوهات الاجتماعية إلاّ أن نسبة المشاهدة كانت مرتفعة، مقارنة بالأعمال التي تعرض بعيدا عن شهر رمضان، وهو تجربة تجسد قدرة جيل فني على تقديم دراما واقعية بجرأة.

16