رضاء سياسي على قرارات الرئيس التونسي بعد مئة يوم من إعلانها

تونس - مرت مئة يوم على اتخاذ الرئيس التونسي قيس سعيّد إجراءات استثنائية لإنقاذ البلاد من خطر داهم وتصحيح المسار الديمقراطي والسياسي، بعد فشل المنظومة السابقة بقيادة حركة النهضة في حلحلة أزمات التونسيين وإدارة الشأن العام، وسط تفاؤل من الأوساط السياسية والحقوقية بنجاح المرحلة، ووجود مؤشرات تدل على سير الرئيس سعيد في الاتجاه الصحيح.
ونشرت مؤسسة “إمرود كونسلتينغ” لاستطلاعات الرأي بالاشتراك مع قناة تلفزيونية محلية، الباروميتر السياسي لشهر أكتوبر 2021.
وأظهر الاستطلاع أنّ اثنين وثمانين في المئة من التونسيين ينوون انتخاب الرئيس الحالي قيس سعيد في حال ترشح للرئاسيات القادمة، تليه عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر بـ6 في المئة والسياسي الصافي سعيد بـ4 في المئة.
وبخصوص مؤشر التفاؤل والتشاؤم حول مستقبل البلاد، عبّر اثنان وسبعون في المئة من المستجوبين عن تفاؤلهم، فيما قال عشرون في المئة إنّهم متشائمون.
وكان الرئيس قيس سعيد أعلن في الخامس والعشرين من يوليو الماضي عن اتخاذ إجراءات استثنائية، عجّلت بتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي والإشراف على السلطتين التنفيذية والقضائية.

نبيل الرابحي: تشكيل الحكومة وتحرير القضاء يجعلان التقييم إيجابيا
ووصف متابعون للشأن السياسي تقييم المرحلة بالإيجابي، نظرا لكونها أزاحت منظومة سابقة تربّعت على عرش الدولة والمؤسسات لأكثر من عشر سنوات، وسنحت لفتح ملفات الفساد وظهرت معها بوادر الإصلاح والتغيير.
وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي بأن “التقييم لا يمكن أن يكون إلا إيجابيا، باعتبار أنه تمّ تشكيل حكومة جديدة، والانطلاق في معركة تحرير القضاء، وفتح ملفات الفساد، وهو ما نلاحظه في نتائج سبر الأراء”.
وقال لـ”العرب”، “يوم الخامس والعشرين من يوليو كان يوم حسم سياسي، وتدعّم بقرارات الثاني والعشرين من سبتمير في إطار الحسم القانوني، والآن سيمرّ الرئيس سعيد إلى مرحلة البناء وفق لجنة الإصلاح السياسي ومراجعة النظام والقانون الانتخابي”.
وتابع الرابحي “لا رجوع إلى الوراء وقد تم القطع مع المنظومة السابقة وربما ستحلّ بعض الأحزاب وستسقط قائمات أخرى على غرار حركة النهضة وقلب تونس، لكن خطر الدولة العميقة لا يزال قائما والعمل متواصل لإزالتها فعليا”.
واستطرد “هناك ثلاثة مسارات أساسية لا بد من دعمها، وهي مقاومة الفساد وتحرير القضاء، ثم معركة الرهانات الاقتصادية”.
وترى شخصيات سياسية أن قرارات الرئيس سعيد جاءت نتيجة انسداد الأفق بين الفاعلين السياسيين بالبلاد وحالة من العطالة السياسية والمؤسساتية تعطلت معها مشاغل المواطنين وإدارة الشأن العام في البلاد.
وقال الناشط السياسي حاتم المليكي “هناك إجراءات قبل الخامس والعشرين من يوليو فرضتها الأزمات التي حلت بالبلاد، وانتهت بإقالة رئيس الحكومة وتعليق نشاط البرلمان”، مضيفا “بعد ذلك كان هناك أمل للانطلاق في مسار جديد لصورة المؤسسات وحل المشكلات الاجتماعية، لكن تاريخ الثاني والعشرين من سبتمبر جاء بتوجهات مختلفة ومفاجئة لتعليق العمل بالدستور تقريبا”.
وتابع المليكي في تصريح لـ”العرب”، “تشكيل الحكومة جاء متأخرا نوعا ما ولكن فيها مجموعة من الكفاءات ولها فرص نجاح، فضلا عن كون الإجراءات قطعت مع منظومة سابقة لمدة عشر سنوات”، لافتا “اليوم هناك مخاطر مالية كبرى وإلى حد الآن لم نتحرك، والمطلوب من السلطات أن تصارح سريعا المواطنين بحقيقة الوضع المالي، والجلوس إلى طاولة الحوار من أجل إجراء إصلاحات”.
واعتبر مراقبون سياسيون أن الرئيس سعيد ينتهج طريقا صحيحة، بعد توفر عدد من المؤشرات تدل على خطوات نحو القطع مع ممارسات الفساد والتصدي للعابثين بمقدرات الشعب ومؤسسات الدولة.
وأكد السياسي وأمين عام حركة تونس إلى الأمام عبيد البريكي في تصريح لـ”العرب”، أن “مئة يوم للتقييم قد تكون في مرحلة التعديل الوزاري العادي، لكن أن يتم تقييم مئة يوم بعد تحول سياسي جوهري فهذا غير كاف، رغم وجود مؤشرات قد تمثل أرضية ملائمة لتقييم هذا المسار”.

حاتم المليكي: الإجراءات قطعت مع منظومة سابقة لمدة عشر سنوات
وقال “معالجة ملف القضاء وتركيبته والمؤشرات الدالة على تطهير المنظومة، خصوصا في ما يتعلق بالملفات الحارقة على غرار الإرهاب والفساد والاغتيالات السياسية والتخلص من الرواسب السياسية لحركة النهضة ووزير العدل السابق نورالدين البحيري، هي مؤشرات إيجابية”.
وتابع “فتح ملفات الفساد المالي خطوة مهمة جدا تدفع نحو بناء تونس جديدة، وفضح اللوبيينغ الأجنبي وعدد من الأحزاب (حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وعيش تونسي) خطوة مهة أيضا في طريقة النظر للبرلمان”.
وأردف البريكي “الرئيس سعيد أيضا ركّز على المسائل الأمنية والاجتماعية، وصرّح أنه يوجد قاض يتستر على ملفات الاغتيالات السياسية للشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي”، لافتا “نحن نسير في اتجاه إيجابي”.
لكن البريكي استدرك بالقول “الرئيس سعيد لم يتحدث عن الآليات ولم يردّ على من يتحدثون باسمه، ولم يفصح بعد عن مشاركة الأحزاب والمكونات الاجتماعية في مختلف القضايا المطروحة”.
ويراهن الرئيس سعيد على دور الشباب في صناعة القرارات المفصلية للبلاد، ويسعى إلى ممارسة الديمقراطية المباشرة مع الشعب بالاحتكاك مع كل الفئات دون وسائط أخرى على غرار الأحزاب والمنظمات الوطنية.
وسبق أن لمّح سعيد إلى احتمال إقصاء الأحزاب من الحوار الوطني المُقبل، والذي قال إنه سيشارك فيه الشباب في كامل التراب التونسي وسيكون مختلفا تماما عن التجارب السابقة.
وفي الخامس والعشرين من يوليو الماضي، أعلن الرئيس التونسي جملة من القرارات الاستثنائية أهمها تجميد نشاط البرلمان لمدة ثلاثين يوما، وإقالة حكومة هشام المشيشي، كما قرر في الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي تمديد العمل بتلك الإجراءات.