خمس سنوات على أحداث بن قردان: هل تونس محصّنة ضد مخاطر الإرهاب

بعد مرور 5 سنوات على تصدي القوات الأمنية والعسكرية التونسية للهجوم الذي استهدف مدينة بن قردان جنوب البلاد تزايدت التساؤلات عن الجهود التي تبذلها السلطات لتحصين البلاد من مخاطر الإرهاب خاصة في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الهشة التي تشهدها تونس.
تونس - أحيت تونس، الأحد، الذكرى الخامسة للهجوم الإرهابي الذي استهدف مدينة بن قردان في محاولة من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لإقامة “إمارة تابعة لدولة الخلافة” في المدينة.
وبعد 5 سنوات من إحباط هذا المخطط يُسلط الضوء مجددا على جهود السلطات التونسية لوضع حدّ للتطرف والإرهاب من أجل تحصين البلاد التي تعرف تجاذبات سياسية حادّة قد تعطل من الجهود المبذولة في التصدي للإرهاب.
وأكد رئيس الحكومة، هشام المشيشي، أن الحرب على الإرهاب متواصلة، فيما دعت حركة النهضة إلى وحدة وطنية تساهم في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.
وخلال كلمة ألقاها في بن قردان، قال المشيشي إن الحرب على الإرهاب هي “من أولويات عمل الحكومة، التي ستواصل توفير الدعم لقوات الأمن والجيش الوطني، وتعزيز الإمكانيات لمختلف هذه الوحدات”.
وأوضح أن “ملحمة بن قردان الخالدة أجهضت عملية إرهابية جبانة كانت تهدف إلى زعزعة أمن البلاد واستقرارها وضرب معنويات الشعب التونسي، وبنجاحها ساهمت في شحذ همم التونسيين والتونسيات على القضاء على جذور الإرهاب، وشكلت منطلقا لسلسلة من النجاحات الأمنية والعسكرية في تتبع المجموعات الإرهابية وإفشال مخططاتها وإيقاف عناصرها والقضاء على قياداتها”.

مختار بن نصر: الدور الأمني تقدّم، لكن هناك نقائص ثقافية وتربوية ودينية
وحاول إرهابيون فجر يوم 7 مارس 2016، إقامة “إمارة تابعة لدولة الخلافة” بمدينة بن قردان على الحدود مع ليبيا، قبل أن تدخل قوات الأمن التونسي في اشتباكات معهم استمرت حتى يوم 9 مارس من العام نفسه.
وخلال الهجوم تم القضاء على 50 إرهابيا وألقي القبض على 7 آخرين، فيما قُتل 14 عسكريا وأمنيا ومدنيا وأصيب أحد متساكني المدينة بجروح.
ويرى مراقبون أن الهجوم كان بمثابة، نقطة مفصلية في الحرب على الإرهاب، لكنه يحتاج إلى بذل جهود أكبر، وبناء استراتيجيات حول مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية.
وأفاد مختار بن نصر العميد المتقاعد بالجيش الوطني والرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، بأن “مسألة التصدي للإرهاب أخذت أبعادا كثيرة، من خلال استراتيجية لمقاومة الظاهرة، وأصبح هناك عمل دؤوب لمقاومتها”.
وأضاف بن نصر في تصريح لـ”العرب”، “الظاهرة لديها أبعاد ثقافية ودينية واجتماعية، وهناك خطة عمل لمكافحة الإرهاب والتوقي منه، من خلال عمل الجهات الحاملة للسلاح (قوات المؤسستين الأمنية والعسكرية)، فضلا عن العمل الاستخباراتي وتطور منظومة تأمين الحدود التي يتركز فيها الجيش والحرس والجمارك”.
وتابع بن نصر، لكافحة الإرهاب وخلاياه “فقد تم بعث استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب وإرساء القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، فضلا عن إعداد استراتيجية وطنية للأمن السيبراني”، معتبرا أن “حادثة بنقردان كانت مرحلة فاصلة في الحرب على الإرهاب”.
وتم إعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف والإرهاب بصفة تشاركية، ثم اعتمادها من قبل مجلس الأمن القومي بعد الإمضاء عليها من قبل الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي في 2016.
وحددت الاستراتيجية 59 هدفا ضمن أربعة أركان: الوقاية والحماية والتتبع والرد. وهي تفعّل في إطار الحكم الرشيد، واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان. ويتم تنفيذ الاستراتيجية من خلال خطط عمل وزارية.

عبدالعزيز القطي: غياب التنمية يشجع على استقطاب الشبكات الإرهابية للشباب
وفي 2019، وقّع الرئيس، قيس سعيّد، على الوثيقة الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني التي تساهم في الوقاية من مخاطر الإرهاب وتعزيز خط الدفاع التكنولوجي والرقمي.
وتعتبر هذه الاستراتيجية خطوة هامة لجعل الدولة التونسية قادرة على الوقاية من التهديدات السيبرانية، والصمود في وجهها بالاعتماد على القدرات الوطنية وقيادة الفضاء السيبراني الوطني وإدارته، بالإضافة إلى دعم الثقة الرقمية وتعزيز التعاون الدّولي وتحقيق الريادة في المجال الرقمي.
ويرى مراقبون أن مكافحة الإرهاب لا تقتصر على الحلول الأمنية والعسكرية فحسب وإنما تكون مرفوقة بإجراءات سياسية واجتماعية، يوضحها بن نصر قائلا إن “هناك عدة نقائص ثقافية وتربوية وإعلامية ودينية لمقاومة الظاهرة، علاوة عن تحسين الخطاب ضد الإرهاب واستقطاب الفئات الشبابية، بإعداد برامج تربوية ثرية”.
ويجمع الخبراء والمختصون على ضرورة تضافر جهود الدولة عبر مقاربة شاملة في أبعادها التربوية والاقتصادية والاجتماعية حتى يتسنى لها محاربة “أخطبوط” الإرهاب المستغل للثغرات التي يتركها الساسة، وحسب رأي هؤلاء فإن الجهود الأمنية وحدها لا تكفي لمقاومة الظاهرة العالمية.
وعبرت شخصيات سياسية تونسية، عن عدم ثقتها في منظومة الحكم الحالية واستراتيجياتها للتصدي للإرهاب.
وأفاد المحلل السياسي، عبدالعزيز القطي في تصريح لـ”العرب”، بأنه “ليس هناك أي مقاربة للحكومات المتعاقبة باستثناء الجهود الأمنية لمقاومة الإرهاب”، داعيا “القوات الأمنية والعسكرية إلى المزيد من اليقظة”.
وأضاف “الوضع الذي وصلت إليه تونس الآن من تدهور اقتصادي ومالي مقلق، والدولة على حافة الإفلاس، وغياب رؤية تنموية لآفة الفقر والبطالة تشجع على استقطاب الشبكات الإرهابية للشباب بسهولة”.
ويختم القطي مبيّنا “ليس لدي أي ثقة في السلطة الحالية لتقديم المبادرات الاقتصادية والاجتماعية، إلا إذا تم تغيير النظام السياسي بالبلاد، وتكوين أغلبية برلمانية واضحة لاجتثاث الإرهاب”.